جورجيا بلد الطبيعة القوقازية الخلابة

  جورجيا دولة من دول الاتحاد السوفيتي سابقاً، نالت استقلالها منذ ثلاثة ثلاثين سنة تقريبا. البداية كانت في وسط العاصمة تبليسي حيث أمضينا فيها ثلاث ليال. في اليوم الأول وبعد تناول وجبة الإفطار انطلقنا... كان صباح مشرقا جميلا والهواء عليلا ...أخذنا جولة نهرية بالقارب حيث مر بنا على أشهر معالم العاصمة القديمة من القلاع والحصون والمباني ذات التاريخ العريق، ثم عرج بنا إلى الجزء الحديث حيث عبرنا تحت أشهر معلم وهو جسر السلام الزجاجي الرائع، مرورا بالمقاهي والفنادق الحديثة. الجو كان جميلا والمناظر خلابة يصحبه شعور منعش بوجود الشلالات والأشجار على ضفتي النهر المليئة بالطيور البيضاء.

  بعدها ذهبنا إلى حديقة منسقة بديعة فيها التلفريك الذي أخذنا إلى أعلى قمة جبل يطل على مدينة تبليسي، مما أتاح لنا نظرة بانوراميه رائعة على المدينة، وهذ المطل الجميل فيه الكثير من الفعاليات والمبيعات التذكارية والمقاهي المطلة على الوديان الشاسعة وأكثر ما يميز المكان وجود قلعة قديمة وتمثال شهير لإمرأة يطلق عليها أهل البلد "أم الجورجيين ".

 في اليوم الثاني زرنا متنزه كبير فيه بحيرة تسمى" أم السلاحف " استمتعنا بمناظر الجبال الخضراء الخلابة والهواء العليل والجلسات العائلية المتنوعة. اليوم الثالث زرنا ميدان وسط العاصمة فيه حمامات تبليسي الكبريتية التاريخية، حيث يعود بناءها إلى الحقبة العثمانية وهي مجموعة من الحمامات ذات تصميم فريد تعلوها قبب، تستخدم فيها المياه الكبريتية الحارة للاستشفاء. من ضمن المناطق الخلابة الموجودة في محيط هذه الحمامات: مسجد تبليسي المركزي ذي التصميم المعماري الرائع، ومطعمين يمني وبغدادي والكثير من الفنادق لمن يريد الإقامة بالقرب.

 هذه الينابيع الحارة لها قصة اكتشاف قديمة وجميلة لا مجال لذكرها في هذه المساحة الصغيرة، وبعد ذلك قمنا بزيارة السوق الشعبي الكبير حيث يوجد فيه كل ما تريده من ألبسة وفواكه ومخبوزات وهدايا تذكارية. تركنا العاصمة تبليسي وقطعنا بالسيارة مسافة ست ساعات ما بين الوديان والجبال الخضراء ومساحات شاسعة من الجمال الرباني. وصلنا بعدها الى مدينة "باتومي" هي مدينة ساحلية تقع على البحر الأسود وصلنا الفندق مصحوبين بزخات قوية من المطر استمرت يومين ... يقال إن البحر الأسود سمي بهذا الاسم لأن سمائه دائما ملبدة بالغيوم السوداء، قضينا فيها اربع أيام. باتومي تطل على ساحل بحري طويل وعلى امتداد هذا الشاطئ الفعاليات المتنوعة وكأنك في مهرجان دائم ليلاً ونهاراً، المكان مليء بالمقاهي والباعة والمجسمات المعبرة والجميلة لأخذ الصور التذكارية وأشهرها تمثال " علي ونينو" التي تحكي قصة حب بين المسلم الأذربيجاني علي ولمسيحية الجورجية نينو.

  كما توجد المقاعد والجلسات الشاطئية وتنتشر كذلك المراكب والسفن للأنشطة البحرية المتنوعة منها ركوب القوارب والمظلات الهوائية. باتومي أمامها الشاطئ وخلفها الجبال الخضراء حيث الأنشطة الجبلية المنوعة: منها التجديف في النهر والصعود إلى مساقط الشلالات والتزحلق على الحبال وغيرها... هذا بالإضافة إلى المقاهي الجميلة المنتشرة على السفوح والمطلة على الأنهار. من أجمل المناطق التي زرناها في مدينة باتومي هي: الحديقة النباتية وهي محمية طبيعية من الجبال الخضراء المطلة على البحر ولكنها تتميز بأنها مستنبت فيها أنواع متنوعة من الأشجار والورود من جميع أنحاء العالم، الحديقة كبيرة جدا يصعب قطعها في زيارة واحدة لأنها مقسمة لعدة مناطق وتحتوي على نباتات وأشجار عالمية نادرة.

 خرجنا من باتومي وتوجهنا إلى مدينة "كوتايسي" وهي مدينة ريفية هادئة محاطة بالجبال الخضراء ومزارع الذرة والعنب والفواكه وفيها الأبقار ترعى في سهولها الشاسعة. فيها محمية طبيعية اسمها ساتا بيليا تبعد عن كوتايسي 10 كيلومتر، انشئت المحمية سنة 1935 لحماية كهفها والاثار القديمة النادرة للدينصورات التي كانت تسكن المنطقة في العصور الساحقة، وعلاوة على الأثار القديمة والأحفوريات. ستجد في المحمية المساحات الخضراء الشاسعة بلا حدود على مد البصر.

  جبال خضراء كأن لم تطأها رجل إنسان وكأنك قد رجع بك الزمن وأنت الآن تنظر وتشاهد بدء الخليقة، مكان وبيئة محمية منذ آلاف السنين لم تتصحر ولم تعبث بها يد البشر، يعجز القلم عن الوصف مكان ساحر وجميل ينقلك الشعور إلى هاتيك الحقب الساحقة من الزمن.  ونحن نمشي وسط الادغال للوصول إلى الكهف نرى المطلات الرائعة والممرات المشوقة تتخللها تماثيل للدينصورات على جوانب الطريق... بعد المشي لمسافة غير بسيطة وصلنا أخيرا إلى الكهف، كان الكهف جميلا مليء بالرسوبيات والصواعد والنوازل الجميلة واشكال فريدة من الصخور، أشهرها صخرة القلب والتي تقع في وسط الكهف.  بعد خروجنا من الكهف وخلال سيرنا في الغابة جلسنا على أحد المقاعد للتأمل في هذه الطبيعة الخلابة وتسبيح الخالق على إبداعه ونعمه، سألنا عالم جيولوجي كان متواجدا في المكان، هل توجد حيوانات متوحشة في هذه الغابات حولنا ؟ قال وهو مفتخرا بهذا المكان الرائع ويشكر الله لوجوده هنا- واخبرنا عن دراساته لتاريخ المنطقة الخضراء وحيواناتها وكهوفها وانسانها الأول - نعم المكان مليء بالحيوانات المفترسة من الدببة والذئاب والقطط البرية المتوحشة والزواحف والطيور وغيرها الكثير ولكنها تهرب إلى عمق الغابة خلال النهار وحركة الناس وتظهر في الليل. واصلنا المسير لكهف آخر لا يبعد كثيرا عن الذي خرجنا منه إنه كهف "بروميثيوس" من اسمه كأنه من عصر الدينصورات !! وهو من أطول الكهوف في قارة اوروبا تم اكتشافه قبل ثلاثين سنة وخضع للعديد من التحديثات والتطوير. زود الكهف بنظام اضاءة متطورة، حيث يأخذ العديد من الألوان منها الأرجواني والأخضر والأصفر ويتم التغيير لإضفاء طابع الغموض والتميز. خلال سيرنا في الكهف لاحظنا أن الممر يضيق ويتسع بما يشبه الغرف، نمر على الكثير منها وهي مليئة بالرسوبيات والأشكال الفريدة من النوازل والصواعد.... الكهف طويل تقريبا اربعة كيلومترات واستغرق منا قرابة الساعة لقطعه. وهو مجهز بممرات ومسارات وسلالم ودرج ذات حواجز للسلامة من السقوط لأنه مبلل بالمياه، الدرجات لا نهاية لها نقطعها صعودا ونزولا وطوال سيرنا نشاهد الاشكال المبهرة والعجيبة والجمال الساحر من النوازل والصواعد والشلالات المتحجرة والأشكال الأسطورية البيضاء الكلسية... المزيد والمزيد من الرسوبيات ....... طوال سيرنا إلى أن قارب الكهف على الانتهاء، عندها مررنا على بحيرة تحت الأرض يجري منها نهر يمكنك أن تأخذ جولة بالقارب إلى الخارج، ولكن مع الأسف كان منسوب النهر قليلا لذلك هذه الخدمة متوقفة.  فمشينا إلى بوابة الخروج وهي عبارة عن نفق وكأنه من أنفاق الحروب أسطواني الشكل طويل بعدما تقطعه يوصلك إلى باب تخرج بعدها للنور والشمس، حيث تعتريك الدهشة والتجمد!! فهذا النفق عبارة عن قصة من المشاعر والدهشة على قدرة الإنسان، كيف تم حفر هذا الجبل؟ ولأي غرض؟ وما هو الشعور عند اكتشاف هذ الكهف العجيب الساحر!!! يا لها من لحظة تاريخية!! كما في الأفلام الخيالية.

  إنها تجربة مدهشة وشعور غريب بعد الخروج من هذا الكهف وتساؤلات عديدة لا زالت تدور في الذهن، كيف تكونت هذه التجاويف والرسوبيات؟ وهل فقط من خلال قطرات الماء؟ سبحان الخالق المبدع تبارك الله أحسن الخالقين.

 انتهت الرحلة " الصور بكاميرة نرجس إبراهيم بوخمسين "