"جمع من شيعتنا ومحبينا".. إيمان وأُنس

ورد عن النبي المصطفى صلى الله عليه وآله في حديث الكساء حين سأله أمير المؤمنين عليه السلام عن فضل جلوسهم تحت الكساء أجاب صلوات الله وسلامه عليه "وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقّ نَبِيّاً، وَاصْطَفَانِي بِالرّسَالَةِ نَجِيّاً، مَا ذُكِرَ خَبَرُنَا هذَا فِي مَحْفِلٍ مِنْ مَحَافِلِ أَهْلِ الأَرْضِ، وَفِيْهِ جَمْعٌ مِنْ شِيْعَتِنَا وَمُحِبّيْنَا إِلاَّ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْ بِهِمُ الْمَلآئِكَةُ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُمْ إِلَى أَنْ يَتَفَرَّقُوا" ما قرع جرس التنبيه عن لماذا قال النبي صلى الله عليه وآله "شيعتنا ومحبينا" بينما تعليق أمير المؤمنين عليه السلام "إِذَاً وَاللهِ فُزْنَا وَفَازَ شِيْعَتُنَا وَرَبّ الْكَعْبَةِ" دون ذكر "محبينا"؟ لعلك تقول أنها وصف لشيعتنا ولكن لماذا ذكرها النبي مرتين بينما أمير المؤمنين عليه السلام ركز على مفردة شيعتنا ولم يذكر محبينا؟

هذا سؤال نترك جوابه لأهل العلم، فما أحب طرق مسمار لوحته في هذه المقالة هو معنى "شيعتنا". نعلم أن التشيع درجات، أعلى درجاته الأربعة الأوائل سلمان والمقداد وأبو ذر وعمار ولعل شهداء الطف سبقوا الجميع بعد أنصار الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف والله ورسوله أعلم بحقائق الأمور، وتلك الدرجات تحتاج إلى كد وكدح لارتقائها ومن نافل القول التركيز على الغاية " .... وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)" وعن أمير المؤمنين عليه السلام "آه من قلة الزاد، وطول الطريق، وبعد السفر، وعظيم المورد"(نهج البلاغة – قصار الحكم). لننتقل إلى اللوحة المراد نصبها على جدار المقالات، في الوقت الذي ينشغل المنشغلون، وإن كانوا قليل، بهذا المفهوم وتحقيقه في ذواتهم تقرع الفكر قارعة الرواية عن علي بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: "ليس كل من قال بولايتنا مؤمناً ولكن جُعلوا أُنساً للمؤمنين"(الكافي الشريف). القول بولايتهم اعتقاد عظيم وهو رزق الله الأعظم لكن لا يكفي لذلك يجب أن نشكر هذه النعمة بالعمل فقد قيل في قوله تعالى "..قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)" (سورة الشورى) أن المحبة عملٌ قلبي بينما المودة عمل جوارحي أي باللسان والعين واليد وما إلى ذلك.

فقرة تأمل:

تُراني وتُراك من المؤمنين أم ممن يؤنس المؤمنين؟

لا يُقصد من السؤال جلد الذات .. يُقصد الوعي بالذات وحالها لتطويرها أو انتشالها فلو كنت أنيساً ذاك يعني أنني قريب وأحتاج التطوير والخوف هو أن أكون حتى في الإيمان بهم ضعيف بحد لا أرقى إلى درجة أُنس المؤمنين فعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن محمد أخي عرام، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تذهب بكم المذاهب فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز وجل (الكافي: ٢ / ٧٣).

ختاماً, نحن حققنا الكثير من الأعمال التي هي مصداق لهذه الرواية وما يتبقى هو أن تصبح جميع حالاتنا طاعة وهذا هو الجهاد الأكبر ونحن في حاجة ماسة للإلحاح بالدعاء لنستمد القوة على ذلك والتي منها "يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ قَوِّ عَلَى خِدْمَتِكَ جَوَارِحِي وَاشْدُدْ عَلَى الْعَزِيمَةِ جَوَانِحِي وَهَبْ لِيَ الْجِدَّ فِي خَشْيَتِكَ وَالدَّوَامَ فِي الاتِّصَالِ بِخِدْمَتِكَ .... وَاجْعَلْنِي مِنْ أَحْسَنِ عَبِيدِكَ نَصِيبا عِنْدَكَ وَأَقْرَبِهِمْ مَنْزِلَةً مِنْكَ وَأَخَصِّهِمْ زُلْفَةً لَدَيْكَ فَإِنَّهُ لا يُنَالُ ذَلِكَ إِلا بِفَضْلِكَ وَجُدْ لِي بِجُودِكَ وَاعْطِفْ عَلَيَّ بِمَجْدِكَ وَاحْفَظْنِي بِرَحْمَتِكَ وَاجْعَلْ لِسَانِي بِذِكْرِكَ لَهِجا وَقَلْبِي بِحُبِّكَ مُتَيَّما" فقد قيل عن العرفاء أن من أصعب الأمور ذكر الله الدائم والعون على ذلك محمد وآله الطاهرون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين خصوصاً الدمعة على الحسين لنعيش المواساة لإمام الزمان عجل الله فرجه الشريف  في خطابه لجده المظلوم"فَلَئِنْ أخَّرَتْني الدُّهُورُ، وَعَاقَنِي عَنْ نَصْرِكَ المَقْدُورُ، وَلَمْ أكُنْ لِمَنْ حَارَبَكَ مُحَارِباً، وَلِمَنْ نَصَبَ لَكَ العَدَاوَةَ مُناصِباً، فَلأنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَلأبْكِيَنَّ لَكَ بَدَل الدُّمُوعِ دَماً، حَسْرَةً عَلَيكَ، وتَأسُّفاً عَلى مَا دَهَاكَ وَتَلَهُّفاً، حَتَّى أمُوتُ بِلَوعَةِ المُصَابِ، وَغُصَّةِ الاِكْتِئَابِ".