ترخيم واختزال بعيد عن الابتذال..

يبحث الشاعر - عادة - عن كل ما من شأنه يسهّل ويمهّد له الطريق في كتابة النص دون اللجوء لما يسمى بالضرورة الشعرية، فيختار من الأدوات أيسرها ؛ كي تعينه في رسم ملامح نصه دون الوقوع في مطبات ضرورية سواء كانت مقبولة أو مستقبحة ؛ أملاً بأن يفلت من قنص النقاد التي تتربّص بنصوصه شكلاً ومضمونًا ، فيحفظ بذلك ماء وجه نصه، ومن المسائل التي وددتُ طرحها - في هذا الصدد - مسألة نحوية مهمة جدًا تصلح للشعر فضلاً عن كونها صالحة للنثر، فهي مشروعة نحويًا ولا يشوبها شائبة أو تعيبها عائبة ، إنها مسألة (الترخيم).

خاصة وأن الشاعر يحتاجها في النداء الذي يكثر عند بعض الشعراء؛ لذا سأوجه بوصلة التذكير لها إنها مسألة الترخيم.

وإن كان بعضهم يعد الترخيم ضرورة شعرية كما ذهب إلى ذلك أبو البركات الأنباري في كتابه أسرار العربية.

والترخيم كما عرفه أهل اللغة : هو من التسهيل واللين والرقة، فيقال صوت رخيم، أي رقيق .

واصطلاحا: هو حذف آخر المنادى تخفيفا،مثل: يا فاطم، في يا فاطمة. 

والترخيم نوع من أنواع الاختزال والاختصار ، ولا يكون إلا في المنادى.

وفائدته البلاغية تكمن في التدليل والتمليح.

والترخيم يسمى كذلك لغة من ينتظر ومن لا ينتظر .

والمنادى الذي يرخّم يسمى مرخّما. 

والترخيم يكون في اثنين: 

١- الاسم المختوم بتاء التأنيث،سواء أكان علما أم غير علم، مثل: فاطمة، سكينة ، عليّ ، عبلة، طلحة،هبة، جارية، عالمة، طالبة، فيقال: يا فاطمَ، يا سكينَ، ، يا علي، يا عبلَ، يا طلحَ،يا هبَ،يا جاريَ، يا عالمَ، يا طالبَ.

٢ - ما ليس مختوما بالتاء، وهذا النوع من الأسماء لا يرخم إلا إذا اجتمعت فيه الشروط الآتية:

- علمًا رباعيا فأكثر.

- مبنيًا على الضم، فلا يصح ترخيم نحو: محمدان أو محمدون ؛ لأن الأول مبني على الألف، والثاني مبني على الواو ؛ فلا بد لصحة الترخيم من اجتماع هذه الشروط  كما في : أحمد وجعفر، وسعاد، وزينب، فيقال: يا احمَ، ويا جعفَ، ويا سعا، ويازينَ.

- وما كان ثلاثيا غير مختوم بالتاء فلا يرخم مثل : زيد.

- أما المركب الإضافي فإنه لا يرخم ،مثل :عبد الله وعبد شمس. وكذلك المركب الإسنادي، مثل شاب قرناها ، وتأبط شرا ، فلا يرخم أيضًا. والمركب المزجي لم ترمه العرب ولكن النحاة أجازوا ترخيمه، مثل معديكرب، وسيبويه، وبعلبك، وبختنصر، فيقال فيها: يا معدي، ويا سيب، ويابختَ.

وهنا يرد سؤال مهم وهو : 

ما الذي يحذف عند الترخيم؟

يحذف عند الترخيم حرف واحد، وهو الشائع ،مثل:فاطمة،يا فاطم ، نادية ، يا نادي، خالد ، يا خالِ .

وقد يحذف حرفان من آخر الكلمة، بشروط لا داعي لذكرها ، وأكتفي بذكر مثال فقط، مثل كلمة: مروان، حيث حذف منها حرفان كما في قول الشاعر:

يا مرو إن مطيتي محبوسة ترجو الحباء وربها لم ييأسِ

أما حذف الكلمة كاملة فإنما يكون في حالة واحدة هي في المركب المزجي اذا نودي،مثل معديكرب.يامعدي.

ولك في المنادى المرخَّمِ لغتانِ: 

١ - "لغة من ينتظر"، أي: من ينتظر الحرف المحذوف ويعتبره كأنه موجود وهي أن تُبقيَ آخرَهُ بعدَ الحذفِ على ما كان عليه قبلَ الحذف - من ضَمَّةٍ أو فتحةٍ أو كسرةٍ - نحو: "يا منصُ. يا جعفَ. يا جارِ". ويقال في المنادى حينئذ: أنه مبني على ضم الحرف المحذوف للترخيم.وهذهِ اللغةُ هي الأولى والأشهرُ. 

٢ - أن تُحرّكهُ بحركة الحرف المحذوف، نحو: "يا جَعفُ. يا جارُ". وتسمى هذه اللغة: "لغة من لا ينتظر"، أي: من لا ينتظر الحرف المحذوف، بل يعتبر ما في آخر الكلمة هو الآخر فيبنيه على الضم.

ختامًا فإن لغة الترخيم تسهل على الشاعر وتعطيه حق الحذف من الاسم المنادى من دون ضرورة بل هي مشروعة نحويًا .

وإليكم بعض النماذج من أبيات شعرية ورد فيها الترخيم:

شاعر أهل البيت (ع) دعبل الخزاعي:

أفاطمُ لو خلت الحسين مجدلاً 

وقد مات عطشانا بشط فراتِ

الشاعر الفرزدق:

أبوك وعمي يا معاويَ أورثا

تراثنا فأولى بالتراث أقاربُهْ

الشاعر كثير عزة:

ألا ليتنا يا عَزَّ لذي غنى 

بعيرينِ نرعى في الخلاءِ ونعزُبُ

وقد أكثر كثير الترخيم في اسم عزة محبوبته كثيرًا.

الشاعر عمر بن أبي ربيعة:

أسكينَ ما ماء الفرات وطيبه

منا على ظمأ وحب شرابِ

وللاستزادة من يمكن الرجوع لكتب النحو وبعض ما كتب في الترخيم ، ومنها دراسة بعنوان :( جماليات التركيب البلاغي في معاني الترخيم )، وهو عبارة عن رسالة ماجستير في آداب اللغة العربية والنقد الأدبي لـ ابتسام أحمد عباس المحمادي.

حيث تحتوي الدراسة على بعض أسرار الترخيم في الشعر خاصة وأمثلة كثيرة مفصلة ومشروحة بالتفصيل عن مسائل الترخيم.

للتحميل اضغط هنا