2021/08/03 | 0 | 1611
بين عبدالحليم و مصطفى محمود
إن ما نفقده في أغاني هذا الأيام ، وأحاديث بعض المتدينين صدق الكلمة و حب الناس ، و عمق الإحساس.
إن أغلب فناني هذه الأيام حينما تسمعه ، تجد أن كلمات الأغنية أعلى من فهمه و إدراكه و حسه ، و لذا يقول الموسيقار محمد الموجي في أحد لقاءاته : أن لديه ألحانا كثيرة لم تر النور لعدم وجود من يؤديها كما كان يغنيها عبدالحليم حافظ ،
نحن اليوم في عصر مادي ، به كل مقومات التقنية لكنه خاو من الروح و الصدق و الإحساس .
و في الطرف الآخر تجد بعض المتدينين من ليس لديه رحابة الصدر و الإيمان بل تجده حرفي النص .
ليس هذا تشاؤم بالحياة و هروب من واقعها ، لكن لكل امرئ من دهره ما تعودا
نعم مطلوب من الإنسان أن يعيش اللحظة ، لكن ما ذنبي إذا كانت هذه اللحظة ولدت ميتة ، و اللحظة الراحلة بقيت حية في وجداني؟!
فأيهما أقدم ؟!
هناك أصوات إذاعية معبرة ، و هناك وجوه صامتة معبرة ، لكن العبقرية حينما يعبر الوجه و الصوت مجتمعين عن الروح و المشاعر و الأحاسيس ، فلا يكاد يتشتت جزء منك عن الآخر
و هنا عندي علمان بارزان قد رحلوا عن عالمنا.
حينما تستمع إلى عبدالحليم و هو يغني تشعر بشعور جميل مفرح مبكي، كأنه واقف أمامك حي بطلته وابتسامته و صوته ، يعيد إليك ذلك الزمن الجميل الذي مضى ، فنان متناغم مع كل ما حوله بدون استثناء سواء من العازفين أو الحضور ، يوزع ابتساماته على كل من حضر ، إنسان بحضوره و أداءه و رقيه ،
في تعابير وجهه حزن عميق و حب دفين قد تعثر و خوف من المستقبل ، خائف يريد أن يحيا كل لحظة في حياته قبل أن ترحل ، _ترى هل أثر تشاؤمه على قصر عمره؟! الله أعلم - أعطى الفن كل حياته و لم تعطه الحياة شيئا ، فنان يرسم بصوته اجمل صورة فنية ، إحساس عميق بكل كلمة يقولها ، دقيق في طريقة أدائه ، فمما يؤثر عنه أنه كان يعيد الكلمة مرات و مرات لتأتي معبرة عن مكنونه الداخلي ، بل أحيانا يستأذن الشاعر كنزار قباني مثلا في أن يستبدل كلمة بكلمة أخرى لتتناغم مع تعبيره و إحساسه ، فنان مستفز لكل فنان في وقته و لمن جاء بعده ، ذكي بكل ما تعنيه الكلمة ، لا تمل منه رغم طول بعض أغانيه ، يبدأ هادئا ثم يحلق بك في سماء مشاعره و احاسيسه ثم يرجع إلى حيث كان ، رغم قصر العمر الذي عاشه عبدالحليم 47 سنة ، إلا تجربته عميقة و غنية تشعرك بأنه عاش أكثر من ذلك ، و ما الحياة الحقيقة للإنسان إلا التي يحياها بعمق كما يشاء لا كما ترسم له ، و كما قال جبران خليل جبران : "لا تعش نصف حياة " ، و أن تحيا حياة قصيرة بعمق خير من حياة ميتة طويلة مملة ، و من قبيل المصادفات ان جبران عاش 41 سنة لكن بتجربة من عاش 100سنة . و كأن هؤلاء رحلوا من الحياة لبعيشوا في قلوبنا أياما عديدة و ازمنة مديدة .
بالمقابل نستمتع لمشاهدة الدكتور مصطفى محمود رحمه الله، ذلك الوجه المعبرة عن روح المتنسك الصوفي الذي رسى على شواطئ الإيمان بعد رحلة شاقة منهكة في سماء الفكر ، يربط العلم الحديث بالإيمان ، و هو بالفعل مسافر مرَّ في تطوافه ببحور الشك و عبر بحارها إلى دنيا الله ، حيمنا تشاهده ، تشعر بالراحة و الطمأنينة فهو بمثابة الماء على الظمأ لمن خاض وعورة دروب الشك ، مصطفى محمود ذلك الهادئ الموقن بربه الذي خبر تلك الدروب الشاقة و الصحاري الملتهبة و البحار المظلمة ، و عاد سالما معافى ، يسري صوته في القلوب برغم هدوءه ، مفكر لا تحده حدود لا تلكأ لديه و لا خوف إلا من الله ، رؤيته توحي لك بمدى صدقه و ورعه و إيمانه ، هكذا أشعر حنما استمع إليه و أرى ذلك الوجه المعبر
لا غرابة حينما اربط بين هذين العلمين علم في الفن و علم في الإيمان لوجود الصدق و تفاني الروح و تعابير الوجه
جديد الموقع
- 2024-05-07 فاطمة السحاري : لا يسعفني قلمي ولا وجعي .. فالمسافر راح .. فرحمة الله تحتويك يا "البدر"
- 2024-05-07 الخريف يرعى تكريم اللجنة المنظمة للنسخة الثالثة لـ حرفيون
- 2024-05-07 ضمن برنامج الاحتفاء بأسبوع الأصم العربي ٤٩
- 2024-05-07 أهمية الكتب الورقية: لماذا الكتاب الورقي الذي يحمله الطفل بيديه أفضل من الكتاب الذي يقرأه على الشاشة؟
- 2024-05-07 الدور الخفي لدرب التبانة في الميثولوجيا المصرية القديمة
- 2024-05-07 القراءة ونشوة المعرفة
- 2024-05-07 أنامل على الأعتاب في مدح السادة الأطياب اصدار جديد
- 2024-05-07 أنامل على الأعتاب في مدح السادة الأطياب اصدار جديد
- 2024-05-06 ابن المقرب في بيت الشعر بالقيروان
- 2024-05-06 مدينة مصغرة لواحة الأحساء الزراعية