2016/06/05 | 0 | 3467
انشطار فكري
التغير الفكري كغيره من التغيرات الجسمانية إلى العقلية والشخصية حالة طبيعية تصاحب الإنسان وتأخذ السنن الكونية مسارها المتتابع وبشكل تلقائي في تغير تلك الأفكار التي يحملها ذلك الإنسان مع تقدم عمره لتشكل منه نماذجَ متعددة وقوالب مختلفة بعضها لا يشبه الآخر في أغلب الأحيان .
عادة ما تفرض المجتمعات ( عقلاً جمعياً) يتحكم في مسار ذلك التغير وسرعته ,فالمجتمعات الديناميكية فكرياً تجعل من ذلك الشخص أكثر عرضةً لتلك التغيرات وخلال فترات زمنية قصيرة , أما المجتمعات التي تميل الى الركُود ولا تجد فيها ذلك الحراك الفكري قد تجد أغلب سكانها يكون التغير فيهم بطيئاً جداً إلى حد أنك لا تستطيع أن تجد تلك الفوارق أو التغيرات إلا من خلال فترات زمنية متباعدة .
تميل المجتمعات المحافظة عادةً إلى تحصين أفرادها من أي فكرة شاذة عن منظومتها الفكرية عن طريق الترهيب وزرع الخوف في أفرادها من تلك الافكار ومنع السبل لوصولها سواءاً بمنع الكتب التي تدعو لها أو القنوات التي تبثها أومجالسة الأشخاص المتبنين لها .
ما شهدناه خلال السنوات القليلة الماضية من ثورة معلوماتية وإنتشار وسائل التواصل الإجتماعي وتحول العالم إلى أيقونه يحركها الفرد بجواله ليتعرف على ما يحمله من أفكار ومعلومات متنوعة , جعل التغيرات تأخذ طابعا متسارعاً , فما نشهده من ظواهر الإلحاد ومراجعة الكثير من القضايا التي ظلت طوال تلك العقود من الزمن محل المقدس في المجتمعات المحافظة تعطي مؤشرا على أن الأدوات التي استخدمها ذلك المجتمع لم تعد ذات تأثير في الوقت الراهن وبأنها بحاجة إلى تحديث .
التحولات الطبيعية كما أشرنا سابقا تحدث تلقائياً وتأخذ فترة من الزمن يكون فيها الفرد في حالة صراع بين الأفكار التي في عقله الجمعي المتوارث من مجتمعة والأفكار الجديدة التي تبناها عقله الواعي فإن أحسن إدارتها وتوجيهها بالإتجاه الصحيح سيخلص إلى صورة جديدة مغايرة عن الصورة السابقة أو انها صورة محدثة كما عبر عنها المفكر الراحل جورج طرابشي في مقاله الأخير (ست محطات من حياتي) .
المثير للإنتباه هي تلك الحالة من التغيرات التي تكون بشكل مفاجئ ومخالف لكل المعطيات الطبيعية , والتي تنشأ في أغلب الاحيان من دخول فكرة شاذة أو غير مألوفة الى داخل المنظومة الفكرية شبه المستقرة التي يتبناها الفرد المحافظ جداً , لتتفاعل معها بجديةٍ وتحرك كل ما هو ساكن بها , فتنقلها من حالة الاستقرار إلى اقصى حالات الإثارة , والتي إن لم يُسيطَر عليها ستنتج نموذجاً في غاية التطرف , يرفض كل ما هو سابق ولا يرى سوى تلك الفكرة التي أوجدت نفسها في تلك المنظومة , ليتحول إلى آفة تفتك بالمجتمع ولا تضيف له أي قيمة سوى الفوضى العبثية عديمة الفائدة .
هذه التغيرات بمستوياتها التلقائي والمفاجئ يستحضر لذهني اكتشافا علميا هاماً ألا وهو تأثير دخول جسم غريب (كالنيوترون) إلى داخل نواة الذرة , هذا الدخول أدى بتلك النوى لأن تنشطر عدة إنشطارات مطلقة معها طاقة كبيرة جداً لم يستطع العقل البشري تصورها , فكانت القنبلة النووية أحد نتائجها , لتمثل أداة وحشية فتاكة أجبرت الإمبراطورية اليابانية للرضوخ والتسليم للولايات المتحدة الأمريكية بدون أي شروط في نهاية الحرب العالمية الثانية في اغسطس 1945 م مخلفة ورائها مئات الآلاف من الضحايا وتلوثاً بيئياً استمر لعشرات السنين . وبعد هذه الأضرار الرهيبة توجه العالم للحد من إمتلاك السلاح النووي ووجه البوصلة لتوظيف تلك الطاقة الهائلة لإعمار الارض بدلاً من تدميرها و توجيهها الى أن تكون سلمية وذلك من خلال المفاعلات النووية التي تهدف الى التحكم في تأثير تلك النيوترونات وتهدئتها للتحكم في عدد الانشطارات وبالتالي الطاقة الناتجة .
التغير الذي أحدثه دخول النيوترون لجسم النواة كان له أثرٌ مدمر وفتاك ومن جانب آخر كان مشيداً و معمراً عندما تمكنا من التحكم بنشاط ذلك الجسيم بداخل تلك النواة .
هي نفس المقاربة للأفكار التي تغزو أدمغتنا علينا أن نديرها ونعمل على الإستفادة منها بدلاً من أن تتحول إلى أداة فتاكة تهدم الفرد وتعود على المجتمع بالفوضى والدمار .
ختاماً
هل ننادي بحصانة فكرية بأدوات تقليدية ترسخ مفهوم العقل المنفعل ... أم ندعو لتطوير العقل بالعلم ليرسخ مفهوم التدين العاقل (الواعي) القادر على التحليل والمقارنة والتعامل مع المتغيرات ؟
اسئلة أتركها للمتخوفين من الغزو الفكري عسى أن أجد لها إجابة ..
جديد الموقع
- 2024-04-27 صدور الكتاب الرابع عشر لـ عدنان أحمد الحاجي
- 2024-04-26 الوائلي.. في أوج العلم والثقافة والأخلاق
- 2024-04-26 القراءة خارج الدائرة
- 2024-04-26 الشيخ الصفار يدعو لمواجهة تحديات الحياة بالثقة والأمل والنشاط
- 2024-04-26 مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يكرم بر حي الملك فهد
- 2024-04-26 فرع مركز الملك عبدالعزيز بالشرقية للتواصل الحضاري يكرم مركز بر الفيصلية .
- 2024-04-25 اترك أثراً إيجابياً.
- 2024-04-25 مؤسسة رضا الوقفية تكرم الفائزين في مسابقتها التصوير الفوتوغرافي - النسخة الثانية
- 2024-04-25 «خيوط المعازيب».. والذاكرة المنسية
- 2024-04-25 ناشط قرائي