2020/05/06 | 0 | 1226
الغائب الحاضر
عندما تم طرد المحامي الشاب الناجح غاندي ذو البشرة الحنطية من قاطرة الدرجة الأولى عنوة و بشكل مذل من رجل ابيض في منطقة بريتوريا جنوب افريقيا قبل تسعين سنة ماضية ، احس غاندي بضرورة استرداد الاعتبار لكرامته و كرامة مواطنيه في بلده الأم ، الهند . و كانت الهند و جنوب افريقيا يرزحان تحت الاستعمار البريطاني . لامس مهندس غاندي حجم الظلامة و الامتهان الجاثم على مواطنيه بعد ان ذاق من نفس الكأس . رجع غاندي إلى بلده الهند تاركا وظيفة مرموقة و دخل مالي عال ، و نزع ملابسه الأنيقة و اكتفى بلبس ما تنسجه يداه من قماش . حتى صار دولاب خيوط الصوف و ماكينة الخياطة احدى محطات التغيير نحو الاكتفاء الاقتصادي للهند و حفظ كرامة الهنود من ذل الاستعمار البريطاني و البضاعة البريطانية يومذاك. و انطلق غاندي نحو انتزاع استقلال بلاده من المخالب البريطانية باطلاق عدة محطات عمل سلمية و منها مسيرة ٣٥٨ كيلو متر مشيا . و بعد ان نال الهنود استقلالهم ، اصبح المهاتما غاندي أيقونة الهند الحديثة و الأب الروحي لها . و هو بالنسبة لمعظم ابناء الهند "الغائب الحاضر " لكبير صنعه .
قبل حوالي مائتي سنة ، خوفا على نفسه اضطر والده و جميع أفراد أسرته و هو أيضا إلى تغيير النحلة و الملة اي تغيير هويتهم الدينية إلى البروتستانتية المسيحية . ولد كارل ماركس في المانيا و درس في جامعاتها حتى نال شهادة الدكتوراه و بعد عدة مقالات له تم حجب أي فرصة لإسناد التدريس الاكاديمي له ، هذا ما قاله مريدوه . و تمت محاصرة كتابات كارل ماركس و إغلاق الصحيفة التي يكتب فيها بمدينة كولون الألمانية ، فارتحل إلى العاصمة الفرنسية باريس ثم ارتحل لمدينة بروكسل و اخيرا فر إلى لندن بعد مضايقات عدة و قعت عليه . و قد كان يعيش كارل حياة الكفاف الا انه مازال من الاكثر تأثيرا الى يومنا هذا في صراع الطبقات الاجتماعية لا سيما صراع العمال ضد اصحاب الرأسمالية ورموزها . " لا اعرف اي شخص من السابقين قد كتب عن المال اكثر مني مع تملكي للنزر القليل من المال " ، جملة قالها كارل ماركس صاحب النظرية الماركسية عندما اودع كتابه لصاحب دار نشر بلندن البريطانية . و الى يومنا هذا نسمع و نرى اثار تحليله للصراعات بين الطبقات الاجتماعية في مجال توزبع الثروات و صراع حقوق العمال . و هو بالنسبة لمعظم العمال في العالم،" الغائب الحاضر" . لقوة ماسطره في نظرياته و ازدياد عدد مريديه في الصين و روسيا و بعض اجزاء العالم و أوربا الشرقية . الغريب ان كارل ماركس ولد في المانيا اقليم بافاريا و ترعرع فيها و لم يتبنى الغرب افكاره و انما تبنى أفكاره الروس و الصينيون و الكوبيون .
في عهد جائحة الكورونا ، احس الجميع بالضيق الشديد من الحجر المنزلي و استشعر الأغلب من الناس ان لم يكن جميع سكان الأرض بالحاجة الملحة لصلة الرحم و التواصل و التعاطف و الرحمة و التضرع للرب بالدعاء . هنا احس الجميع بأهمية تعاليم الانبياء و الرسل و الاولياء الصالحون في ترسيخ مفاهيم المعروف و الخبر و الرحمة ، فأصبح الأنبياء هم " الغائبون جسدا الحاضرون روحا "
احس جميع من كان محيطا به ان تحليلاته الاقتصادية و الاجتماعية و المهنية السابقة كانت صائبة الا انه حين تم اطلاقها لم يرى لها الاحتضان . كان ذلك الشخص يجتهد في إيصال اكبر قدر من المعلومات و التحليل الفني ليبصر الآخرون ما يبصره . و لكونه مستقلا و ليس تابعا لاحد او مطبلا لشخص ما او محسوبا على شلة محددة ، فلاحظ عدم وجود ادنى تفاعل مع ما يطرحه من معالجات استباقية . بل على العكس من ذلك ، ما سجله من التفاعلات و ردود الأفعال امر شبه محبط . عندما بلغ حد خنقه في التفاعل من قبل بعض الناء جلدته من محيطه ، تارة بدعوات و تارة اخرى باطلاق تهم او الصاق زورا صفات منفرة لحجب اي نشاط توعوي او ابداعي او تميز . حتى انه عند ترتيبه و طرحه لاي محاضرات تثقيفية او إصدارات علميه يتم اجهاضها عمدا و التشكيك في قدراته . اختفى ذاك الشخص من الساحة الاجتماعية ، و بانطواء السنين و تعاظم أهوال الزمان تذكر البعض ممن لهم ذاكرة ما حاول تغيبه المتسلطون و المتنفذون و المتنكرون و الاقصاءيون من جهود و مناقب لذاك الإنسان الفاعل و الصادق و الأمين . و جلس البعض يندب قله استمطار ايام ذلك الشخص النقي المخلص الفاعل الذي ارتحل جغرافيا او زمانيا .
حيثما نكون فاننا نعيش في مجتمع متعدد الاتجاهات و الاقطاب و المصالح و النوايا ، و هذا يستدعي منا ان نكون مستقلين فكريا لاستمطار الخير بيننا قبل افول أهله . مبدئيا كل انسان نتوسم فيه خيرا ومن الذكاء العاطفي و الاجتماعي و الرياضي احتضانه و استمطار الخير منه قبل ان يرحل من بيننا ، أما الى مكان آخر او محيط آخر او عالم آخر . و من الجميل ان نكون بيئات حاضنة لا طاردة فالجميع بحاجة إلى طاقة أعضاء المجتمع .
اخيرا ، تطرق مسامعنا بين الحين و الحين : انت الغائب الحاضر . و نعلم حينها ان القائل يقصد تبجيل لمن غاب عنا جسدا و مازال حاضرا فكرا أو قدوة او اثرا . احرص ان يقال في حقك " الغائب الحاضر " و ليس "الحاضر الغائب ".
جديد الموقع
- 2024-05-03 الظلم( الدّينْ ) المعنوي
- 2024-05-03 افراح الحدب والقطان في صالة الغانم بالاحساء
- 2024-05-03 نوستولوجيا الحنين للذكريات -قراءة لكتب الأستاذ عبدالله عبدالمحسن الجسم
- 2024-05-03 مشروع الشريك الأدبي وإدارة العمل الثقافي
- 2024-05-02 تزامناً مع اليوم العالمي للصحافة و باستضافة نادي كيو بارك .المعلق الرياضي جعفر الصليح .16 عام أمام المايك في 6 قنوات و المعلق العربي و الأجنبي اضافة لمتعة الكرة السعودية
- 2024-05-02 أفراح العايش والفرحان تهانينا
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ