2024/02/18 | 0 | 511
الدمعة في بئر الروح (إهداء إلى كل من فقدَ ولده)
كيف لموت ولد يميت روحك ويبقي على جسدك، روحك تغيب ويذهب جسدك ليعيش بين الناس، كيف لموت ولد يضعك في الجهة المقابلة من الحياة، تعيش متفرجاً غائباً منزوياً ذاهلاً تبحث عن معنى لما يجري، تغيب الكلمات والوجوه والجهات، يصير لديك لغز تحاول أن تفكّ أسراره، يتشكّل لك مفهوم جديد للحياة لا تستطيع أن تشرحه لأحد ولا تقدر أن تتحدث عنه، وربما لا يمكنك أن تعرفه...
من فقدَ ولده، يعيش الموت، يعرف معنى موت الــمُهجَة؛ دم القلب.
فقدُ الولد ليس جرحاً ويلتئم، أو ذكريات وتُنسى؛ هو جرح مشرّع في المدى يصهل في الروح وجمرة لا تنطفئ، ليس لأنه لم يعد موجوداً بيننا، بل أن حياة الأبوين تتوقف عند الأمس، عند أمسه، اللحظة التي مات فيها. يعيشان في الأماكن القديمة التي تحمل صوته وصوره وأحلامه وذكرياته وضحكاته! لكن الأماكن القديمة والحبيبة فجأة صارت قاسية وفارغة ومخيفة ويابسة جفت عند موته أغلقها وراءه وأخذ مفاتيحها، وليس لديهما مفاتيح أو كلمة سر لأماكن جديدة، لم يعد لهما جديد، لا يُقبلون على الأشياء الجديدة ولا على الأماكن الجديدة، لا يعرف أحدهما كيف يلبس ملابس جديدة أو كيف يتصرف في أماكن جديدة، كلاهما مسلوب ومنهوب وغائب وتائه... تائه مع ولده المدفون، الذي لن يعود، أخذ معه غداً ومضى
هل الموت فصل من فصول الحياة، أم أن الحياة هي لعبة الموت، ففي الوقت الذي تقترب فيه من إنجاز حياتك وقطف ثمرتك يخطفها الموت مثل نسر ينقض على فريسته ويبتعد، يغيب ولا يعود ولا يعود ولا يعود
في الأيام التي تلت وفاة ولدي بدأت أستأنس بالمقبرة رغم أنني فقدت أبي وأمي وثلاثة من إخواني وابنة أخي وأزورهم بين فترة وأخرى، لكن بعد وفاة ولدي وزيارته يومياً وجدت أنّ المقبرة مكان أبيض وأليف، يمكن المكوث فيها وقتاً أطول لأنها تضم قبر ولدي...
صار لولدي بيت نذهب عنده نأنس بقربه، نجلس في حرم غيابه، نسمع جلال صمته، ونودّ لو نمكث أكثر!! وحين عودتنا إلى البيت تبدأ الوحشة، روحنا بين الحسرة والكد والكمد، نسند ثقلنا على طود الأسى و"يا عسى طود الأسى يندك..."
"ينام القمرُ في قبر
يجلس مبكراً
يرش الماء على قبور أرحامه
ويقرأ لأرواحهم الفاتحة
يعرف كيف يزور جيرانه
ويعرف كيف يستقبل زواره
ويعرف كيف يموت"
أحياناً أتجول بين القبور، أرى القبور المهجورة، المتروكة، المنسية، قربها نفايات فأعرف ما معنى الموت! أولاد صاحب القبر الفلاني قلوبهم متعلقة بالمساجد ويقومون بأعمال الخير ويسعون في خدمة الآخرين وقبر أبيهم مهجور؛ أعرف حينها ما معنى الموت، مات في قلوب أولاده وأحبابه، مات موتاً كاملاً، أدركُ حينها تفاهة الحياة ورخصها، عصا الحياة الغليظة التي تجلدنا، الحياة القاسية التي تركض وتدوسك إن لم تركض معها، أتعلم حينها معنى زيارة القبور، وأنّ من يحب الحياة عليه بزيارة القبور!!
المقبرة تعلمك ما هي الحياة!!! لعل هذا من مفارقات الحياة وسخريتها: المقبرة الصامتة البكماء البعيدة العنيدة العميقة الخوف الهامش الوحشة اللعثمة الجنازة الثرى... ربما تخبرك فن الحياة: الكلام الركض الفرح الاجتماع الصخب، ربما تكتشف في المقبرة معنى الحياة، ترى شخصَك المطارَد الذي أنت عليه خارج أسوار المقبرة، كي تعرف كيف تعيش حياتك الخاصة والوحيدة والخاطفة على طريقتك دون إملاء من أحد، دون الركض لإرضاء آخرين وحمل أثقالهم على ظهرك!!!
طيلة عمري لم أعرف مغزى الأربعين، لماذا العزلة والعبادة المتواصلة أربعين يوماً؟ لماذا رش القبر بالماء أربعين يوماً؟ لماذا يتجدد العزاء بعد الأربعين يوماً من رحيل الفقيد، نسمع الروايات الدينية ولا نعيها أو لا ندخل في معناها. خلال تلك "الأربعين" تتشكل شخصية جديدة عن الفقيد، نكتشف شخصيته بشكل أعمق، بصورة مختلفة لم نكن نشاهدها حين حياته، نجمع قصصه ومواقفه حتى تتكامل شخصيته في أذهاننا ولذا يكبر الحزن عليه ونتعلق به إن كان طيباً!!! خلال الأربعين يوماً، ويوماً بعد يوم يظهر معنى جديد للحياة، خاصة إذا كان الفقيد أباً أو أماً أو أخاً أو صديقاً عزيزاً، أما الولد فلا تحزن عليه، الحزن ليس الكلمة المناسبة لفقد الولد!!
الأسى الحسرة الوحشة!! هذه الكلمات الجديدة في قاموسنا، التي لا بد أن نألفها ونتهجاها حرفاً حرفاً، الحال الجديدة التي كُتبت لنا والتي وجدنا أنفسنا فيها.
يوماً بعد يوم تنزل الدمعة في بئر الروح
لم تعد قادرة على الصعود، ولا على البكاء وليست كافية للحزن
دمعة الفقد ساخنة وثقيلة لا يمكن أن تنزل دون أن تحني رأسك، تسنده بيدك كي لا تنهار
الدمعة الكتومة التي لا تعبر عن حزنها تلوب في الحنايا.
الدمعة البخيلة التي لا تمنحك لمعتها، تُثقل روحك
الدمعة الخائفة التي تخشى اللوم لا تطل في العيون وتشعر بالأمان في مهجعك
الدمعة المخنوقة تخشى الناس وتعيش وحيدة
الدمعة المتمردة الهاربة من عقالها الفارة من عقلها، أفلتت من حبالها واستقرت على الخد
الدمعة المغرورة تلمع بين الجفون ولا تخجل
دمعة الأب صامدة صامتة بكماء مخفية ومتخفية وتطفر خارج البيت
الوالدان يعيشان من أجل أولادهما وأحفادهما وأقاربهما. أولادهما هم الحب والحياة والصبر والسلوان والعزاء
ولكن ماذا عن الذي يفقد ولده الوحيد، إلى أي جهة ينظر بعده، وإلى من يسند رأسه، وفي أي طريق يمشي؟؟؟!!!
____________
8-2 شعبان 1445
18-12 فبراير 2024
# المعذرة لم أستطع وصف دمعة الأم٠
# رحم الله من يقرأ سورة الفاتحة ويهديها إلى روح ولدي حسن"1425-1445"
جديد الموقع
- 2024-05-05 شَبَه الكتابة بالرسم
- 2024-05-05 ما بعد الوظيفة (1).
- 2024-05-05 ابن الأحساء الحبيبة الفلاح الفصيح
- 2024-05-04 بيت الشعر في الفجيرة ينعى الأمير بدر بن عبد المحسن
- 2024-05-04 الأمير سلطان بن سلمان : الأمير بدر بن عبدالمحسن ترك ارثاً لا يمكن أن يحمى مهما طال الزمن
- 2024-05-04 افراح الدويل و الغزال في احلى مساء بالاحساء
- 2024-05-04 عميدة اسرة العليو بالاحساء في ذمة الله تعالى
- 2024-05-04 فريق طبي في مدينة الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) الطبية يجري عملية تثبيت وتعديل الفقرات القطنية لمريض بعمر (56) عام
- 2024-05-03 مستشفى اليرموك التعليمي يجري عملية قسطارية طارئة لمريض يعاني من احتشاء العضلة القلبية
- 2024-05-03 مستشفى الأمام علي (عليه السلام) العام في بغداد يجري عملية تداخل قسطاري طارئ لمريض يبلغ من العمر 48 عام