2013/03/24 | 1 | 4786
البقرة في الذاكرة الأحسائية .
- البقرة الحساوية :
البقرة الحساوية تمتاز بقوامها الأقرب الى التوسط , أو الأقرب إلى القِصر و لونها المائل إلى الشُقرة و تختلف عن السلالة المحلية الأقصر ( النجديات ) التي تشبهها في الشكل و المواصفات , لكنها أقصر منها قامة .
- غرض التربية :
يتم تربيتها بقصد الاستفادة من إنتاجها من الحليب , الذي يشرب مباشرة , و يستفاد منه في صنع بعض المشتقات كاللّبن و الروب و غيرها , وكما يستفاد من فضلاتها في التسميد , و قد يباع سمادها .كما أنها يستخدم لحمها كغذاء بعد الذبح .
- اقتناء البقرة :
يعتبر اقتناء البقرة قديما في الأحساء مؤشرا للغنى , فتربية الأبقار كانت تتم في حظائر منزلية تعرف ب( السّمادة ) تقتطع جزء من حيّز الأرض التي يقام عليها المنزل , و هذا لا يتيسّر عادة إلا للأغنياء .
و يعزو خبير التراث العمراني المحلّي المهندس عبد الله الشايب ,تربية الأبقار داخل البيوت قديما إلى , دواع أمنية , حيث أن الأحساء كانت تتعرض لموجات من الاضطرابات الأمنية في فترات قديمة , فوجود مصدر للغذاء داخل المنزل يشكّل أمانا غذائيا للبيت , و بقي هذا التقليد عقودا ,حتى مع انتفاء السبب الأساس من وراء الاقتناء المنزلي .)
و تجهّز السمادة بأبواب خشبية تصنّع محلّيا , يجهّز بحيث تسمح بالانفتاح إلى الخارج و الداخل في زاوية تصل إلى 180 درجة , بحيث تكون مهيّأة لدخول و خروج البقرة عند الحاجة .و من هذه الإمكانية اشتقّ المثل الحساوي ( فلان كأنه باب سماده ) في التعبير عن الشخص الذي يتقلّب في مواقفه تبعا للمصالح .
كما تجهّز السمادة بمصطبة تبنى سابقا من اللّبن , تغطّى بجذوع النخل تسمى المطعم توضع عليها الأعلاف , و يستخدم أسفلها لتكاثر الدجاج .للاستفادة القصوى من المساحة المتاحة .
و تقسّم السمادة إلى ثلاث أقسام مغطاة بالكامل , تسمى بورقة , و مغطاة تسمى الرواق , مفتوحة تستخدم للتشمّس .
و كان موقع السمادة يتخّذ في الغالب من الناحية الجنوبية للمنزل بغرض توفير التشمّس طوال اليوم للسمادة .
أمّا في حال حدوث طبع من الماء , مما يسبب خلافا بين الجيران , فإن السمادة تتخذ متلاصقتين كحلّ وسط بين الجيران .
كما أن السمادة هي عقار قابل للتداول منفردا عن المنزل فإذا ضاق الحال بمالك المنزل ربما لجأ لبيع السمادة ,
و تحمّل وجود البقرة في المنزل الأحسائي مسؤولية تجاه جيرانه , لأنه كان من المألوف أن يمدّ صاحب البقرة جيرانه بحاجتهم من اللبن , الذي هو جزء مهمّ من وجبة الغداء للأسرة .
و قد لا يكون لبعض البيوت ممرّات خارجية تسمح بدخول القواري لحمل السماد , فهناك عرف اجتماعي , بين الجيران يسمح بوجود ( فرجة ) هي نافذة بين البيتين , يسمح باستخدامها لغرض نقل السماد إلى الخارج باستعمال بيت الجيران , في أيام محدودة في السنة . فيما يعرف عمرانيا ب( حق الارتفاق ) .
و من الأعراف المتّبعة أن السماد , و الذي يؤدي إخراجه إلى انبعاث رائحته الكريهة , يمتنع عن إخراجه في حال وجود مولود جديد في الفريج , و لا يبدأ بإخراجه إلا بعد إنقضاء أربعين يوم على ولادته .
كما أن البارقة و التي هي الجزء المسقوف و المغطّى من السمادة يمكن استخدامها في المبيت من أرباب المنزل أيام الشتاء القارص , بعد أن تغطّى أرضيتها بطبقة غليظة من الرمل .
- مكانة البقرة :
و كما أشرت سابقا , فإنّ وجود البقرة يشكّل مؤشرا للغنى و يعتبر مصدر أمان في العيش و يشكّل بيعها انكسارا لنفس صاحبها أو نزوله في السلّم الاجتماعيِ , حيث سيفقد قدرته على العطاء لجيرانه و للمحتاجين , حيث كان من المعتاد في الأحساء قديما أن يسأل الفقراء عند طرق باب الغني أن يِطلب لبنا للشرب !!
و لا يطلب ماء لأن الماء متاح في كلّ مكان حينها , سواء من العيون الجارية أو عيون السقيا الوقفية التي كانت منتشرة في فرجان الهفوف و المبرّز , بعض القرى خاصّة قرب المساجد .
و قد ذكر لي الوجيه الأستاذ محمد جلال البحراني في مقابلة سابقة تم نشرها في الشبكة العنكبوتية , أنه بعد وفاة والده المرحوم الحاج حسين بن محمد البحراني أصّرت والدته -رحمها الله- أن تحتفظ لأولادها بالبقرة , كي لا يشعروا بتلك الانكسارة في النفس بعد وفاة والدهم , بفقد البقرة و فوات منزلة الملاك منهم .
- حمل البقرة :
كشأن الثدييات الأخرى يستدلّ أرباب المنزل على حاجة البقرة للإخصاب من خلال تغيّر سلوكها الذي يبدو أكثر عدوانية , تجاه من يعتني بها ,و كما تبدأ بالخوار بأصوات مزعجة .فيقال عن البقرة بأنها ( صرفت ) أي طلبت الذكر , و من العلامات التي يلاحظها المربي هو نزول سوائل مهبلية شفافة منها , واستجابتها برفع الذيل عند المسح على ظهرها .
و يستمرّ ذلك الأمر أياما و لا يقربها العجل إلا إذا بلغت يوما معّينا تكون فيه مهيّأة للحمل .
و عادة تكون البقرة البكر مهيّأة للحمل في عمر السنة و النصف عادة أو قبيل ذلك بقليل .
و نظرا لأن تربية ثور( عادة يستخدم الأحسائيون كلمة عجل للتعبير عن الثور حتى لوكان كبيرا ) خاص بالتلقيح يعتبر تكلفة إضافية , فإن صاحب البقرة ربما لجأ لبعض الأشخاص الذين يربون عجولا خاصّة بالتلقيح فقط نظير أجرة معيّنة , و قد اشتهر أفراد معيّنين بذلك .
منهم ( حنين ) في حيّ النعاثل , الذي كان يمتلك عجلا فحلا شرها , حتى صار مضرب المثل , حتى صار يشبّه الرجل الفحل شديد الشبق ( كأنّه عجل حنين ) !!.
أو لدى ( الوردي ) في القارة أو ( ) في الحليلة . و كان إخراج البقرة لهذا الغرض , يشكّل حالة استنفار لأنها تحتاج إلى رفق شديد , لذا يتعاون أكثر من شخص في سوقها لإخراجها من المنزل .
و كانت مهمّة مراقبة الدورة الشبقية للبقرة من مهام سيدة المنزل , كما أن مهمّة تلقيح البقرة لدى صاحب العجل من مهام ربة منزله أيضا .
و عادة تعرض على البقرة على الذكر في الموعد المناسب كي لا تحيل ( أي تنتهي دورتها الشبقية ) , مما يفوّت على العائلة موسم حمل منتظر .و عادة يستمر الحمل تسع شهور .
و من المعتقدات الميثولوجية القديمة في الأحساء أنه إذا توافق حمل امرأة من نساء الدار مع حمل البقرة , فإنه يتوقع أن تعاكس جنس المولود للبقرة جنس المولود لدى سيدة الدار !!فإن ولدت البقرة عجلا يتوقع أن تلد المرأة أنثى و العكس بالعكس !!
كما أن من المعتاد أن تسمّى بقرة المنزل باسم معيّن و دائما تكون أسماء محببّة , و تدعو للبشر ,و السرور أو أن تقترن بلونها مثل برقاء أو شقرا أو نحو ذلك .
و في المجمل فإن رعاية البقرة و الاهتمام بها و نظافة السمادة مهمة ربة المنزل , و كان يمكن أن يستشفّ من يدخل إلى السمادة إن كانت ربّة البيت مرتبة و نظيفة من خلال النظر إلى السماد فإن علق فيه أعواد التبن أو البرسيم اليابسة ,فإن ربة المنزل غير مرتبة و مقصّرة في تنظيف السمادة , من خلال قمّها , أو إحراق العيدان اليابسة و التي كان يستخدم أيضا لقتل الناموس قبيل المغرب كلّ يوم .
- الولادة :
في الغالب تلد البقرة لوحدها بشكل فطري دون تدخّل أحد, ثمّ تقذف الغشاء المشيمي ( يسمى في الأحساء البشيمة ) .
و إن تعسّرت فيتدخّل من له خبرة في التوليد , و قد يربط ساقا الجنين و يسحب منها إلى خارج الرحم . و في الشتاء يحرص على تدفئة المكان , يمكن أن يوقد لها كسرات من الكرب .لتدفئة الجنين .
بعد الولادة تفرز البقرة اللبأ (السربة ) و هي عصارة أول رضعة و تكون مهمة جدا لتغذية صغيرها ,لتقوية مناعته و تعدّ منها ربة البيت اللبا , و الذي يحضر و تضاف عليه السويدة ( حبّة البركة ) .و يؤكل مع الخبز الأحمر أو الهولي .و يلتذّ به .
- حليب البقرة :
تمتاز السلالات المحلّية بجودة الحليب و إن كان أقلّ كميات من الأخرى المعروفة حاليا , إلا أن حليبها يمتاز بمذاق مميز نظرا , لارتفاع نسبة الدسم فيه و الذي يتجاوز الدسم في الأنواع الأخرى المجلوبة لاحقا حتى ربما تصل نسبته إلى 6% في المادة الصلبة .
- دهن البقر :
تحرص ربّة البيت على الاستفادة القصوى من حليب البقرة , فتقوم بخض الحليب لفصل الزبدة عن الحليب , ثم بعد الترويب مستعملة القربة , المصنوعة من جلد الشاة , و الذي استعيض عنها بالمخضّة المصنّعة من المعدن , التي تعلّقب( السبّاك ) و هو عبارة عن ثلاث أعمدة رشيقة من خشب الإثل الذي يبردها نجّاروا الإثل الأحسائيين لهذا الغرض .
و تستهلك الأسرة ما تحتاج من دهن , و تبيع الفائض من مؤونتها , في سكة الدهن الملاسقة لسكة الذهب حاليا , في الهفوف أو في براحة المصبغة في المبّرز .
حيث يقصد هذا السوق يوميا لهذا الغرض لكن يوم الخميس يجتمع فيه خلق كثير من الباعة و المتسوّقين , و بقي هذا السوق يعقد بشكل مستمر , حتى أواسط الثمانينيات الميلادية , قد عاصرته شخصيا .و كان كثير من رواد السوق من أهالي قرية الحليلة , نظرا لاهتمام شريحة غير قليلة من أهاليها بتربية الأبقار الحساوية .
- رعاية البقرة :
كانت رعاية البقرة من مهام سيدة البيت , فتقوم بسقيها و تنفيعها ( تغذيتها ) بالجتّ ( البرسيم الحساوي) أو الهيز ( أسماك صغيرة مجفّفة تستورد من عمان بعد سلقه ) و الذي يوصف شعبيا أنه يزيد نسبة الدسم في حليب البقرة و قد أشار الأستاذ عباس الجصاني المعلّم العراقي في مذكراته بتعدجّب لتدليل البقرة في الأحساء و كيف أنّها تطعم الأسماك المجفّفة !!!)
.و كذلك عداف التمر ( فضلات التمر غير الجيّد ) إما جافّا أو تقوم ربّة البيت بإعداد ( المريس ) و هو عبارة عن أصناف رطبة و مدبقة من التمور تغمر بالماء لتلين , تقدّم للبقرة كعلف منقوع .و إذا كان المالك فلاحا فإنه ربما جزّ مما ينبت في نخله من الحشائش المفيدة و التي تتقبّلها البقرة .
كما تقوم بحلبها قبيل صلاة الفجر , و مساء بعيد المغرب !! و اشتهرت نساء المبّرز بالتبكير في الحلب حتى قيل في المثل الهفوفي ( لا تاخذ من الشرق مره , ولا من المبرّز بقره !!) لأن البقرة في المبّرز معتادة على الحلب المبكّر , فإذا تأخّر أوان حلبها بدأت في الصراخ لما تشعر به من ثقل الحليب في ضرعها .
و قد توكل هذه المهام لزوجات الأبناء المقيمين في ذات البيت بالتناوب , أو إذا كان صاحب البيت غنيا أكثر, أوكل الأمر للصبيان ( الأجراء ) أو العبيد ( قبل تحريرهم عام 1382هـ) .
كما يغسّل بدنها صيفا , بغرض التبريد , أو تنقل إلى مكان آخر مشمس للتدفئة شتاء .
كما كان مشوار شراء عقبة الجتّ ( حزمة البرسيم ) هو النزهة اليومية لكثير من الأطفال والمراهقين حتى مطلع السبعينيات الميلادية.
- سوق البقر :
كان البقر يتمّ تداوله ضمن سوق الخميس في مقره القديم عند سور الكوت , وفي مطلع القرن العشرين كانت البلدية تنظم عملية البيع في السوق من خلال متعهّد يضمن مبلغا معيّنا في السنة يقدّمه لها , و يقوم بتحصيل رسوم على عمليات البيع يسمّيها الأهالي ( باج ) و يعيّن ذلك المتعهّد موظفا من قبله ( منهم المرحوم عبد الله الشهاب من أهالي الكوت ) , يقيّد في دفتر كلّ عمليّات البيع للدواب , و البضائع و يحصّل الرسوم المطلوبة منها فكانت الرسوم تختلف من مبيع لآخر و كان الباج على البقرة ريال , و على الحمارة ريالين و على البعير ثلاثة ريالات و على الخروف نصف ريال و على أصحاب البسطات ايجار للأرضية , يدفعها للمحصّل أو قد يدفعها لصاحب العمّارية ( المظلّة المصنوعة من أعواد الإثل و الخيش ) الذي يدفعها ضمن قيمة ما يتوجّب عليه .
و كان الباج عادة على المشتري , أو ربما كان على البائع حسب الاتفاق أثناء مفاوضات البيع .و كان التنظيم بهذه الطريقة منتشرا في أغلب المدن الخليجية قديما و بقي مستمرا في عمان حتى الآن .
انتقل سوق البقر مع خروج سوق الخميس خارج حدود الهفوف القديمة , بعد عام 1377هـ , ( منطقة الخِرّ ) قرب جبل الطوب ( تلّة مرتفعة , كان يوضع عليها مدفع الإفطار في رمضان ) .
ثم انتقل في التسعينيات الهجرية , إلى الرقيقة ضمن سوق الأغنام و المواشي .
ثم نهاية الثمانينات إلى أول طريق المطار , ثم 2003م إلى مقره الحالي أول طريق الرياض .
و طوال تلك الفترة كان بيع الأبقار الرئيسي , يتمّ يوم الخميس .
و يعتبر( سوق البقر ) في الأحساء السوق الوحيد و المتفرّد, الذي يقام للأبقار في الخليج لغرض بيع منتجات المزارعين المحلليين ., خلاف المزارع الإنتاجية لإنتاج البتل!و و التي أقامها مستثمرون كمزارع ندى و العتيق و لبون , بومره و آخرون مؤخرا .
و كان بعض تجار و مربي الأبقار يمتلكون حظائرا قرب عيني الخدود و الحقل , و كانوا مع بعض صبيانهم , يسوقون هذه الأبقار عبر شوارع الهفوف بحرفية , كنت أستغربها جدا حيث يتمكن راع واحد أو أثنين على الأكثر بالتحكم بأكثر من خمسين رأسا من البقر , في بعض المواسم القريبة من رمضان قد يفوق العدد مئة رأس دون أن يشذ منها رأس !!
- أسعار الأبقار :
كانت قيمة البقرة تتراوح ما بين 40 إلى خمسين ريالا في الثلاثينيات الميلادية , ثم بدأ قيمتها تزايد , شيئا فشيئا فوصلت إلى ما يقارب المئة تقريبا في الخمسينيات و استمرّ التصاعد تدريجيا حتى غدت أسعارها تتراوح مطلع السبعينيات بين الثلاثمئة و خمسين و أربع مئة و خمسين ريال
ثم قفزت نهاية السبعينيات إلى عتبة الألف و الألفين والخمسة آلاف , ثم اتجه بعض المربين و المقتنين للتفاخر ,بالأصناف الأصيلة فيها و المباهاة بها , فصار يتم التزايد على الرؤوس الأصيلة منها ( نقية السلالة) , حتى تصل ربما إلى الخمسة و العشرين ألف ريال و الثلاثين ألف ريال .
و كانت هذه الأسعار تمثل موجة من الاهتمام ما لبثت أن انخسرت , إلى مستويات أدنى , خاصة مع بروز اقتناء السلالات الأجنبية , مثل الفريزيان , و الجيرسي و الجيرنسي , و الشورت هورن , غيرها التي تمتاز أغلبها بوفرة الحليب, لكن بقي الكثيرون ممن يفضّل المذاق المميّز في الحليب يقتني البقرة الحساوية .
- نقاوة السلالة :
الحرص على نقاوة هذه السلالة بدأ يضعف , بسبب , قلّة المقتنين المهتمّين لفترة معيّنة, و ظهر نوع من عدم الاكتراث , في حسن اختيار ما يناسب التزاوج بين الإناث المناسبة , العجول المناسبة, خاصة بعد الثمانينات , حيث ربما كان التزاوج مع سلالات ضخمة , لكنها غير مناسبة , لحجم البقرة الأحسائية المحلّية فربما لقحت بعجل ضخم , فيأتي الجنين ضخما تعسر معه الولادة . و كان هناك جهود لتنقية السلالة من بعض المقتنين المحليين .
- حادثة :
في حدود عام 1405هـ , كنت موجودا في السوق مع والدي وأخوتي و أغلب المحال مفتوحة , حيث كان نهار الخميس من أهمّ مواسم التسوّق الأسبوعية , مرّ قطيع الأبقار كالعادة , في حدود الساعة العاشرة والنصف , و كان الجو شديد الحرارة , فنفرت بقرة ربما أغراها لون السجادة الأخضر لمحلّ العمّ أبو سمير ( حسن بن محمد البقشي ) فكسّرت الواجهة الزجاجية , و تروّع الزبائن !! و أتذكر أن بينهم أمريكان و أوروبيين , و أصيبت البقرة بجروح كبيرة في بدنها .!!. *و بعد هذه الحادثة منع سوق البقر بهذه الطريقة و اعتمد النقل بالمركبات الكبيرة .
- لحوم البقر:
من أسباب التربية كون البقر مصدرا للحوم , إن كانت لحوم الأبقار مستساغة لدى أهالي الهفوف و المبرز , فإنها غير مفضّلة لدى جلّ أهالي القرى , سيّما أهالي القرى الشرقية التي يفضلون عليها لحوم الإبل .
و يعتبر سوق الأحساء مصدرا مهما لتصدير الأبقار للقطيف , حيث أن لحم الأبقار مفضّل عن جلّ الأهالي هناك .
و كان لحم البقرة هو عماد الولائم الكبيرة , كولائم الأفراح في الهفوف و المبرّز حتى السبعينيات الميلادية , وقد بدأ الكثيرون بالرجوع إليه حاليا بعد تضاعف أسعار لحوم الخراف النعيمي , و النجدي و حتى السواكني .
- جلود البقر :
من ضمن الصناعات التحويلية التي كانت منتشرة في الأحساء , دباغة الجلود و منها دباغة جلود البقر التي كانت تحتلّ أماكن كثيرة في البصيرة في أول طريق القرى الشرقية , حيث يتمّ نقعها و تمليحها كي يتمّ الاستفادة منها في صناعة القرب ,و الأحذية و غيرها .
- أسمدة البقر :
كان سماد البقر الذي يستخرجه الحمّالون باستخدام السخّين ( الجاروف ) و الزبيل , في عملية شاقة و مزعجة تسبّب انبعاث الروائح الكريهة و كان يلاحظ إنبعاث بخار غازات النيتروجين التي تتفاعل مع الأكسجين , عادة لا يستخدم الفلاح , هذا السماد مباشرة , بل يقوم بتخزينه حتى تكتمل عملية النيترة ,الكيميائية و هذا التفاعل الكيميائي العضوي , أدركه الفلاح الأحسائي , وفق خبراته الممتدّة لآلاف السنين , فكان يحتفظ بكميات السماد في أماكن بعيدة و كان والدي و عمي يحتفظان بأسمدتهما في أوّل طريق الجفر , وكان المكان الذي يحتفظ فيه بالسماد يسمّى ( المحطّ) و يحتفظ بالسماد لسنة كاملة دون استخدام حتى اكتمال نضجه .
و لم يكن أحد يتعدّى على محطّ أحد أو يأخذ منه شيئا دون أذن .
- مهارات التربية :
عادة يبدأ المربي أو ربة البيت بالعناية بالبقرة منذ صغرها , فتوضع بقرب أمها أو أي بقرة كبيرة أخرى تُحلب , كي تشاهد ما يعمل بها كي لا يكون مستغربا منها .
كما يبدأ المربي بالمسح على بدنها كي تتعوّد و على ضرعها كذلك .
كما كان معتادا أن يعاقب العجلات الصغيرات بشدّ الأذن أو الضرب على كتفها , و تقريعها في حال قيامها بالرفس , أو العضّ .أو إيذاء الأطفال .
و عادة ما يتمّ تكثيف المسح على ضرع البقرة البكر التي تحمل لأولّ مرّة , و قبيل أوان ولادتها يتمّ عصر ضرعها الذي يبدأ بالنموّ في تلك الفترة لإخراج الشرى ( غازات أو سوائل تسبق خروج الحليب بعد الولادة ) .
و من الممكنان تربط بجوار أخرى حلوب مستأنسة كي تعتاد على منظر الحلب .
- عيوب في البقرة :
- · المرضعة : تعمد بعض البقرات إلى رضاعة نفسها , مما يؤثر على نموّها فيضمر بدنها و يبدو عليه الهزال , و عادة يثم وضع شناكل حديدية على شدقي البقرة يصنعها الحداد الحساوي تحتوي على مسامير مدببة , تنغرز في ضرع البقرة حالما تقترب بوجهها من الضرع . أو توضع حولها حلقة كبيرة من الخشب تعيق وصولها للضرع , تسمّى ( السواجير) أو ( العوارض ).
- · الرفّاسة : و هي العدوانية التي ترفس المربي ,
- · و منها العدوانية ,التي تظهر سلوكا عدوانيا و توصف بأنها ( وحشة ) , و عادة إذا فشل المربون في ترويضها فإنها تأخذ طريقها للبيع أو حتى للذبح .
- · الحايل : قد تصاب البقرة بأعراض تسبّب فوات دورتها الشبقية , مما يفوّت على المربي فرصة الحصول على موسم مرتقب .
- · الحذرة : يقول بعض المربين أن هناك بعض البقرات تحبس الحليب أثناء الحلب للاحتفاظ به لصغيرها , وهذا يعدّ عيبا من عيوب البقرة و
- أمراض :
هناك أمراض قد تصيب البقرة كان يعرفها الأهالي منها ( المصاص ) – الحمّى القلاعية , حيث تنتشر بثور مؤلمة على لسان البقرة يعسر معها تناول الطعام من قبل البقرة فتصاب بالهزال , فيلجأ المربي لفرك تلك البثور بالشبّة ,مما يسبب ألما كبيرا للبقرة لكنها في النهاية تتماثل للشفاء .
و من الأمراض المرعبة التي تصيب الأبقار قديما الطاعون البقري , الذي كان يفتك بها بسرعة و كونه سريع الانتشار , و حدث في مطلع التسعينيات الهجرية انتشار لهذا المرض أودى بالكثير من الابقار التي تربّى منزليا أو تلك التي كانت تربى في أحواش حول عين الخدود , قد خسر التاجر المعروف حسن الحسيني في ذلك الوباء حوالي ثلاثين راسا .
و في المجمل كانت البقرة الحساوية متأقلمة مع أغلب الأمراض المحلّية .
- اقتناء البقر :
كما يتولّع البعض بتربية الطيور , و الأغنام فإن البعض يتولّع بتربية الأبقار و يشتريها و يزايد عليها , بل ينقلها معه حيث يهاجر , و يذكر بعض الآباء أن أحد رجاء أسرتنا- الحاج محمد بن أحمد السليمان البقشي - لمّا هاجر من الأحساء إلى المحرق في البحرين نقل أبقاره معها , كان يقضي جلّ نهاره في التفرج عليها !.
و يذكر صديق من فريج الشعبة بالمبرّز , أن أحد مربي الأبقار من فريجه أثناء غزو الكويت سنة 1990م و مع توجيهات الدفاع المدني بتحضير مكان آمن ضد الهجوم الكيماوي الذي توعّد به صدام دول الخليج , قام أبناء الرجل بتحضير سرداب منزلهم لهذا الغرض , لكن الرجل فاجأ عياله , بإحضار الأبقار و استيداعها سرداب المنزل مفضلا إياها على عياله !!
- مهارات في الشراء :
عادة لا يتصدّى لشراء البقرة إلا شخص حاذق ,و يعرف المواصفات المطلوبة , فيفحص فمها لتقدير عمرها , ويفحصها فحصا عاما إن كانت خالية من العيوب البدنية , لا تحمل بعض الطفيليات أو الدواب الناقلة للمرض كالقراد , أو البقّ أو القمل الذي قد يسبب انتقال المرض إلى سمادته , او سمادات جيرانه , كما يجب أن تكون البقرة سالمة من القروح والجروح . و لا يختبر إن كانت بها عيب من العيوب السلوكية السابقة , كأن تكون دفّاسة أو ترضع نفسها , أو عدوانية .
كما يفحص حدرها ( الضرع ) و يتأكد من سلامته و عدم إصابته بأذى أو عطب , خاصة إن كان الهدف من الشراء الحليب , أما إن كان الهدف الذبح فيفحص منطقة ما تحت إبطها إن كانت متماسكة فهذا يعني جودة , لحمها .
- لطيفة :
اضطر أحد المربين الظرفاء مكرها بسبب ضيق ذات اليد لبيع بقرته فساقها ، نحو سوق الخميس في مقرّه القديم عند سور الكوت , و عرضها و لمّا تمّت المزايدة عليها و استقرّ الأمر لأحد وجهاء البلد , فنقده الوجيه قيمتها و أعطى الدلاّل سعيه و عندما ازمع صبيان الوجيه على سَوق البقرة لبيت الوجيه استأذن البائع رب البقرة الجديد , انتحى جانبا و احتضن البقرة ,بحرارة شديدة و صار يقبّلها بقوّة ,فاستراب المشتري من تلك الحركات , فعندما لاحظ البائع قال استر علّي الله يستر عليك !!!
فتحمّس المشتري , وقال ما الحكاية ؟
البائع : صراحة أنا بيني و بين البقرة ودّ و عشرة !!
فأنا أعاشرها معاشرة الأزواج !!!عندما احتاج لقضاء بعض الأوطار !!!
فاشمأزّ المشتري , و قال ارجع فلوسي ! فامتنع البائع عن إرجاع أي مبلغ بحجة أن البيع قد تمّ !!
لكنه و بعد أصرار شديد و توسّط بعض الدلالين .اتفق الرجل أن يشتري من الرجل الذي باعه من البقرة منه بربع قيمتها التي قدّمها له !!
- تجار و مربين ودلالين :
تتمّ عمليات البيع عبر دلّالين و وسطاء , يتولون المزايدة على الأبقار في السوق أو يتولّون الشراء بالتوصية عليها .
و هناك محبين للتربية , كالتاجر الأحسائي حسن الحسيني , والمرحوم الحاج إبراهيم بو خمسين و العم الحاج عبد الهادي البقشي و المعزب الشهير الحاج علي بن محمد الخرس و عدد كبير , غيرهم يجتمعون في مجلس المرحوم إبراهيم بوخمسين في سكة السيّد خلف السوابيط , و الذي كان مجلسه يعقد كلّ ليلة و كان يعمل في الوساطة ( بيع الأراضي و النخيل و المواشي , و البضائع ) حيث يتّم تداول البيع في أغلب ما ذكرت و من أهمّها الأبقار, حيث يوصي من يريد شراء أبقار , الحاج إبراهيم , الذي بدوره يوصي دلالين للبحث في السوق ,أو الأحواش عن المواصفات المطلوبة .
و كان روّاد هذا المجلس من الهواة و محبي الاقتناء , لا المتكسّبين من وراء التربية .
و من هناك من المربين و المتعاملين المعاصرين المرحوم الحاج مطر الغانم , المعروف بالنزاهة و حسن المعاملة ,
و اتذكر منهم المرحوم الحاج جعفر الدليلي , بقامته القصيرة و النحيلة و بشرته الشديدة السمرة , كيف يتمكن من سوق أعتى ثور مشاكس بأصوات يصدرها ( شي ..شي.. ) أي انزل من المركبة , و صوت ( اجّا جّا ) بمعني هيّا تعال , و صوت ( حو حو ) بمعني أذهبي بعيدا !! بينما كنت أنا و إلى الآن لا أجسر حتى على الدخول إلى السمادة في نخلنا .
- البلدية و البقرة :
في مطلع السبعينيات الميلادية منعت البلدية تربية المواشي , في المنازل و انتشر مراقبو البلدية , لمنع هذا النمط من التربية , و ذلك للحفاظ على النظافة العامة و منع انتشار الحشرات التي كانت تنتشرفي نطاق المدينة , وكذلك الروائح الكريهة المنبعثة منها , فأضطر الكثير من مربي الأبقار و المواشي الأخرى لنقل أبقارهم إلى مزارعهم , أو استئجار أحواش حول نطاق عيني الخدود و الحقل .
و قد تجدد التأكيد على المنع في مطلع الثمانينيات الميلادية , فصارت البلدية تتعقّب المربين حتى في الأحياء الجديدة حينها كالحفيرة جنوب الهفوف و الزقيجان ومحاسن , التي بنى البعض فيها صنادق من الخشب ,و الزينكون , و تأخذ التعهدات على أصحابها , أو تزيلها .
- مشاريع تعويضية :
مع منع البلدية لتربية الأبقار في المنازل تحوّل البيت من منتج للحليب و اللبن , إلى مستورد لها فصار انتاج المزرعة النموذجية ( المزريع ) يسوّق عبر متعهّد .ين كان أولهم العرفج و يدير محلّه شخص اسمه ( إبراهيم بالطيور ) , يتمّ بيعه نهارا , مساء بعد صلاة المغرب .
و كان لطابور هذا المحل الواقع وسط شارع عبد ربّه ذكريات و نكات و مقالب .
و أتذكر أنّني حملت عبوة الحليب و كنت صغيرا ,و انسكب منها الحليب فحصلت على تقريع كبير من أخوتي الذين كانوا يعانون من الوقوف الطويل في طابور الحليب .
ثم أخذ التعهدّ هذا العتيق , ثم التيسان الذي نقل محلّ التسويق إلى شارع الفوارس بعد إزالة المحلّ الأول في مشروع توسيع الشارع العم عام 1403 هـ , ثم صار انتاج هذا المشروع يعلّب و يسوق إلى البقالات , حتى إلغاء المشروع في الأحساء , نقله لفرعه الرئيس في الخرج .
كما كان هناك أشخاص آخرون يسوّقون حليب من منتجاتهم أهمّهم الحاج محمد بن موسى بن أحمد بوخمسين , الذي كان يربي أبقارا في مزارع والده , وكان يصّنع حليبا من الحليب المجفّف و يسوّقه في محلّه في الفاضلية ثمّ طوّر مشروعه إلى مصنع بو خمسين للألبان في الثمانينيات ثم سمّي بمصنع الريّ للصناعات الغذائية .
كما كان هناك أشخاصا يبيعون الحليب و منتجاته في بقالاتهم مثل الحاج جعفر الخرس و الحاج جواد بن عبدالله الخرس ( بو علي ) .
- لطيفة :
رغم أنّ الأحياء السكنيّة يمنع فيها تربية الأبقار إلا أن بعض الأشخاص حرص على تربية الأبقار داخل منزله , وبذلك يكونون موضع شكوى من الجيران , جراء الروائح و الأصوات التي تصدرها البقرة , خاصة أيام الصراف !
ومن هؤلاء أبو يحيى الذي كان متعلقا برعاية بقرته ,في المنزل و كان الجيران يتشكون منها فأصرّوا عليه فأذعن لبيعها على مضض , و كانت ساعة البيع ثقيلة على نفسه , فلم يكن الشاعر الساخر الأستاذ ناجي بن داوود الحرز ليضيع بكاميرا أبياته هذا المشهد فقال من قصيدة شعبية طويلة منها :
و للأستاذ ناجي الحرز قصيدة أيضا في ثور بقي مربوطا يعاني العزوبية ,و ينتظر الذبح في نخل صديقه الراوي الشهير الحاج علي بن عبد الوهاب المرزوق -أبوسعيد – ابتهاجا بزفاف ابنه الأستاذ أيمن فقال على لسان حاله :
و القصيدتان مثبتتان في ديوان الأستاذ ناجي الحرز الفكاهي ( حامض حلو ) .
- استفدت كثيرا من إفادات على فترات متباعدة من كلّ من :
1- الراوي الحاج علي بن عبد الوهاب المرزوق – أبو سعيد - .حفظه الله .
2- الراوي الحاج عبدالله بن محمد الخرس - ابو سعيد – رحمه الله -
3- الأستاذ عبد العزيز بن علي البقشي .
4- خبير التراث العمراني و الصناعات الحرفية المهندس عبدالله الشايب .
5- الوجيه الأستاذ محمد جلال بن حسين البحراني .
6- الشيخ الحاج حسن بن علي البقشي – أبو منير - .
7- الخبير التراثي الأستاذ حسين الخليفة .
8- الروائية الحاجة فاطمة بنت محمد البن موسى آل علي بن عبدالله ( رحمها الله ) .
9- الروائية الحاجة فاطمة بنت أحمد البقشي .
شكر خاص للأستاذ ناجي الحرز الذي قدّم شذرات من ديوانه المخطوط ( حامض حلو ) .
جديد الموقع
- 2024-04-26 مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يكرم بر حي الملك فهد
- 2024-04-26 فرع مركز الملك عبدالعزيز بالشرقية للتواصل الحضاري يكرم مركز بر الفيصلية .
- 2024-04-25 اترك أثراً إيجابياً.
- 2024-04-25 مؤسسة رضا الوقفية تكرم الفائزين في مسابقتها التصوير الفوتوغرافي - النسخة الثانية
- 2024-04-25 «خيوط المعازيب».. والذاكرة المنسية
- 2024-04-25 ناشط قرائي
- 2024-04-25 يحيى العبداللطيف و ( دكتوراه ) جديدة لسجل شرف ( الينابيع الهَجَريّة )
- 2024-04-25 13298 خريجًا وخريجة أمير الشرقية يرعى حفل تخرج الدفعة الـ 45 من خريجي جامعة الملك فيصل بالاحساء
- 2024-04-25 %150 زيادة الطاقة الاستيعابية لمطار الأحساء
- 2024-04-25 16 جمعية وقفية في المناطق والمحافظات
تعليقات
بو محمد البحراني
2013-03-25اخي الفاضل الاستاذ أحمد بارك الله فيك وفيما تعده من مادة بحق هي صور رائعة من الذاكرة الاحسائية, وكل من عمره فوق الخمسين من اهالي الاحساء, يحتفظ بذكريات وطرائف مع البقر. شكرا لك ومتابعون لما تكتب وتنشر. دمت موفقا