إيمان قصته قصيرة - الأسطورة قصة قصيرة - مزاح ... ق ق ج...-لا مساس قصة قصيرة -

 إيمان

قصته قصيرة

 تدفن منابع الألم بابتسامة باهتة، تدفن كفي أبيها بدفء كفيها، ترفع رموش الخجل أمامه، وتقول:  لقد لمحتك مراراً يا أبتي تردد بأنك ستموت عندما تسقط ورقة الشجرة الوحيدة الموجودة على ذلك الغصن من حوض البيت، لماذا؟.

أخذها إلى صدره متفاجئاً أنها لحظته، فشعرت وكأنه مكبس بخار  نفث في أضلاعها حرارة حارقة وذلك عندما نفث مافي صدره، وأجابها: لا أعلم يابنية، الأحاسيس أحياناً هكذا تأتي بالتكهنات، من دون معرفة الأسباب.

مجدداً دفنت مزيداً من الألم في دهاليزها المعتمة التي حاولت إضاءتها بابتسامة أخرى، وقالت: عذراً أبي، أنت أكبر من أن تفكر في هكذا خزعبلات. لقد علمتنا أن الموت بيد الله، وورقة الحبق التي للتو نابتة شكلها الأخضر الناعم يحفز على مزيد من الحياة والتفاؤل.

قالت ذلك وهي تكتم شهقة كادت تقذفها من بلعومها، فأجابها مبتسمًا، وهو يمسد شعر رأسها الواقع على كتفه: إن شاءالله، سأءنس بوجودك في هذه الحياة، فأنت سلوى وحياة. لكن حبيبتي، اخفِ السر، فانا لم أرد أن يطلع عليه أحد.

بالموافقة هزت رأسها الذي غمرته بين أضلاعه وكأنها تخفي دموعاً شارفت على الهدير.

وبينما غدت تهمس لنفسها: سأعتني بالورقة بكل ما أملك وسأسقيها بدمي.  راحت  تدعو أباها بأن  يبتسم لترتاح وتبعث في نفسه الراحة أيضًا.

لكن ما كادت شفتاه تتفتق عن ابتسامة باردة،  إلا وأمها قد أقبلت بابتسامة عريضة وهي تقول لأبيها:  وأخيراً رأينا ابتسامتك؟، ما كنت أعلم أن لإبنتك هذا السحر الكبير عليك.

وبينما هي تقول ذلك بتركيز، إذ  شهقت الإبنة شهقة عظيمة وخرجت روحها من جسدها، بينما كانت سبابتها تشير إلى ورقة الشجرة المنشودة وهي تتمزق بين أصابع أمها الثخينة؟.

 الأسطورة

قصة قصيرة

٢٠ ،٧، ١٤٤٠هـ

 لم أكن الشاب الوحيد الذي يحب القرية، لكني أكاد أكون الوحيد الذي يكن لها حباً جنونياً، أخيب دوماً ظن من يعاديها ويكيد لها خارجياً، وكذا من يفسد فيها داخلياً، أقوم بذلك بإصرار تام، بقرار حاسم، بأحكم الخطط، وأحلم السبل، فوضع ناسها حولي هالة عظيمة حتى ظنوا أنني أسطورة نزلت عليهم من عل نقي.. علقوا على كتفيّ حلم أمن القرية وحضارتها، رغم أني لم أكن إلا شاباً عادياً، لا متعلماً، لا وظيفة، لا عائلة مرموقة.. وابنة عمدة القرية الفاتنة وذات الجمال الطالع، وحدها التي كانت لا تعيرني اهتماماً ولا تعتبرني إلا مشاكساً حالماً، وربما أخرقاً أحمقاً، يحاول أن يتقمص دور غيره دون إذن أو تكليف من أحد، لا غير، فلم تعلق عليّ حلماً.

 أنا أعرفها، مذ كانت صبية، ليست ككل الصبايا، عنقها يطاول السماء، تحاول أن لا تطأ قدميها الأرض، تمر بنا بوجه مكفهر عبوس،  وعين ازدراء واحتقار، رغم أننا نمنحها قلوبنا البريئة لتهبها نفحة حانية صغيرة أو ابتسامة خفيفةوادعة، أو تقيد اسم  أحدنا في سجل عشقها فتنتقيه، فلا تفعل.

  بعد أن كنتُ عند حسن ظن أهالي القرية، وحققتُ الكثير من أمانيهم، وتسنمتُ عرش العمدة عوضاً عن أبيها الكهل السقيم.. جاءتني في بيتي الكبير الواقع عند ناصية القرية.  قالت متشبثة في أذيال ثيابي الراقية: " خلفني الزمن في بطن هذا الزقاق الضيق وحيدة. كل لحظة يكسر عنقي غباره الثخين".

 قالت ذلك، فصرتُ أجول في نفسي كما أجول بين حيطان بيتي. اتقلب مابين الماضي الذي بنته والحاضر الذي أصبحته. كدتُ أصم أذنيّ عن قولها، وأدبر بعينيّ عن وجهها، وألوذ بقلبي عن حالها، لكني بينا تكرر بلغتها البليغة:  "لقد تجاوزتُ الخطيئة.. تجاوزتها.."، نفضتُ من رحم ذاكرتي ماضيها القبيح، فتدلت روحي نحوها بجمال غير مسبوق.. قلتُ لها بهدوء وأمل:  أنا الذي عُرفتُ بأسطورة السلام، بكل تواضع أوافق أن أصبح زوجاً لإبنة العم (العمدة السابق)، كي أمنحها هي أيضًا السلام وأحقق لها شيئًا من الأحلام، فهل ستمنحني موافقتها؟.

 حدجتني بدهشة. نظرت إلي بإكبار.  اجابت بفرح خجول: بهذا لن تمنحني السلام وحدي فقط، بل ستمنحه لأبي وأمي بينا هما يرقدان في تربتيهما.

 مزاح ...

ق ق ج...

 21 أبريل 2019

 بالغ الطفل في المزاح مع القط..

 ينقر جسده بعصاة، ويضحك..

 - قط وسخ، هزيل، تائه..

 يكرر نقره مراراً، يركله.. القط يموء بصوت خفيض. ينأى عنه قليلاً قليلاً في كل مرة.

  آمن الطفل منه. داس على ذيله بعنف. ماء القط بقوة. كاد ينشب في رقبته، لكنه مال إلى زاوية قصية. التف على نفسه، وكأن مواءه الخارج من تحت إبطيه، مواء ضحك..

 - لماذا لا يضحك عليّ، ها؟. بل يضحك.. لقد أرعبني من الداخل، هزني من الخارج، أسقط ما في يدي.. ستوبخني أمي، سيضربني أبي،  وسيسخر مني إخوتي..

  أيها القط الجميل الوديع.. إني، والله، أعتذر، أعتذر إليك..  أعد لي البيض والمثلجات.

  لا مساس

قصة قصيرة

 بعد ما يفوق الألف مرة، نجح في فطم نفسه منها ليهرب إلى أبطاله المغرمين به..  بالكاد نتل ذاته منها ليجلس خلف طاولة مكتبه المغطاة بورق متناثر حاول لملمته بوضع خطة السرد الجديدة..  لم يكد يطارد شخوصه بوعيه الثري، ويدللها بقلبه الدافئ، ويركبها القطار الطويل من محطتها الأولى فتستقيم، حتى أتته يسيل من عينيها العسليتين سؤال لوم وغيرة: (كيف استطعت - حبيبي - أن تتركني إلى أناس وهميين؟).

 فَقَدَ تماسكه أمام شخوصه بسطوة رشاقتها، وسكينة ملامحها، وهدهدة حديثها الصامت، كما فقد الاستمرار في الاندماج معهم، وانقطعت روح التواصل وإياهم بكتابة عبارة مستجدة.. فغضبت أبطاله لهذا ولما فهمته من سؤالها، فتعثرت خطواتها، بل تصنمت مندهشة، ترقبه، وفي عيونها بحر من استفهامات نافدة الصبر: ترى أي منا الأهم في حياته؟.. آتراه نسي أننا من أتينا بها إليه؟..

بقي صامتاً، هادئاً،  يوزع لطف روحه واحترامه بين حبيبته وشخوصه، وكأنه أيضاً في فم الزمان المتفرج بلهفة سؤال يضج: من تراه سيكسب الموقف؟.

تصرمت هنيهات صمت حارقة، كانت فيها روحه كراهبة تنسكت طويلاً لربها متغنجة على صوت موسيقى عرفانية حانية.. مد قلبه صوب جنة وجنتيها المتدلية ثمار أشجارها، واقتطف منها حبة فراولة ناضجة بلون الدم، متماسكة كتفاحة للتو قطفت..

تحسسها، لثمها، صلت عليها نفسه صلاة الجوى، دحرجها إلى أبطاله المُنْتَظِرين، فاستباحت سطور السرد كله إليهم، امتزجت بكل عبارة خطها منها فيهم، فبعد أن هبطوا من عليائهم، ملهبين بالنعومة والدلال، متشظين بالغنج والجمال، مبعدين عن عيونهم صور القبح وجنون الفعال، مهتدين إلى محطات الحياة  الهانئة..  انتصبوا في أعماق اللحظة احتراماً وإجلالاً، وخرجوا من أجسادهم، ثم غفروا له خطايا النوى من قبلة، بل سامحوه عن سيئات أفعاله تجاههم ما تقدم منها وما تأخر.