2022/02/05 | 0 | 1486
إمامة أبي الحسن علي بن محمد الهادي والتحديات التي واجهته
عاش الإمام علي بن محمد الهادي في النصف الأول من القرن الثالث الهجري ( 212-254هـ), وعاصر خلال إمامته ستة من الخلفاء العباسيين. هم: المعتصم بن هارون الرشيد (218-227هـ) والواثق بن المعتصم (227-232هـ) والمتوكل بن المعتصم (232-247هـ) والمنتصر بن المتوكل (247-248هـ) والمستعين بن المعتصم (248-252هـ) والمعتز بن المتوكل (252-255هـ), وامتدت فيها فترة إمامته 34 سنة, بينما عاش حياة امتدت لـــ 42 عامًا.
يجد الباحث صعوبة عند محاولة توسيع بحثه في حياة الإمام الهادي, عبر كتب التاريخ الإسلامي والتراجم عامة, حيث تنحصر ترجمته التفصيلية في المصادر الشيعية الإمامية, بينما لم تذكره المصادر الإسلامية السنية إلا لمَامًا وعَرَضَاً-عكس آبائه- ولم تتم الرواية عنه في كتب الحديث الستة عند السنة, فآخر إمام من الأئمة الاثني عشر رَوَتْ عنه الكتب الحديثية الستة هو الإمام علي بن موسى الرضا, عندما نقل له ابن ماجة في سننه حديثًا واحدًا. بينما أفردت المصادر السنية المتوسطة والمتأخرة الأقرب للنَفَس الصوفي, ترجمة أطول للإمام الهادي.[1]
ورغم ذلك فقد قيلت فيه كلمات من غير شيعته, تدل على مكانته وهيبته وحضوره في الوسط الإسلامي, كما سيأتي.
وعُرف الإمام علي بن محمد –بالإضافة إلى الهادي- بلقب النقي والعسكري, وألقاب أخرى أقل شهرة,منها المتوكل ولم يكن يحبذه.
أَجْمَعت معظم المصادر على أن أُمه هي سُمانة, ولا خلاف على أنها أُم ولد[2], وموطنها المغرب. وأن الإمام وُلد في قرية صُريا, التي تبعد عن المدينة المنورة ثلاثة أميال. وعاش مع أبيه ثماني سنين. حيث عاصر خلالها فترة خلافة المأمون (198-218هـ) وفترة خلافة المعتصم (218-227هـ). وبعد وفاة والده الجواد مكث في المدينة المنورة يمارس دوره, ويرعى شيعته. ولكن في عهد المتوكل تم إشخاصه إلى سامراء, كما سنذكر. وظلَّ فيها –مُجبرًا مُراقَبَاً - حتى رحيله عن الدنيا, في عهد المعتز العباسي مسمومًا, كما نقل المسعودي في مروجه. وهو من المصادر التاريخية. ودُفن في داره بسر من رأى.
قال عنه شمس الدين الذهبي (748هـ) في كتابه تاريخ الإسلام: علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن زين العابدين, السيد الشريف, أبو الحسن العلوي الحسيني الفقيه, أحد الإثني عشر , وتُلقبه الإمامية بالهادي, توفي علي رحمه الله سنة أربع وخمسين وله أربعون سنة.
وقال في العِبَر[3]: وفيها (أي سنة 254هـ) توفي أبوالحسن علي بن الجواد محمد بن الرضا علي بن الكاظم موسى العلوي الحسيني المعروف بالهادي بسامراء, وله أربعون سنة, وكان فقيهًا إمامًا عابدًا. وقال عنه في سير أعلام النبلاء: شريفٌ جليل.
وذكر عنه ابن كثير الدمشقي (ت774هـ) في البداية والنهاية : وأما أبو الحسن علي الهادي فهو ابن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب ... وقد كان عابدًا زاهدًا... وقد ذُكر للمتوكل أن بمنزله سلاحًا وكتباً كثيرة من الناس, فبعث كبسة فوجدوه جالسًا مستقبل القبلة, وعليه مدرعة من صوف, وهو على التراب, ليس دونه حائل, فأخذوه كذلك.
أبرز التحديات التي واجهت الإمام في فترة إمامته –مختصرة- هي:-
التحدي الأول: صغر السن: عندما توفي والده أبو جعفر محمد بن علي الجواد كانت سن أبي الحسن ثماني سنين, وهي سن سبقه إليها والده الجواد قبله عندما استلم قيادة الشيعة الإمامية بعد أبيه الرضا أيضا بعمر ثماني سنين. واتبع الشيعة الإمام الهادي واعتقدوا به إماماً لهم وهو في هذه السن المبكرة, ومع ذلك لم يرجع عن القول بإمامته أحد, كما يظهر, ولم يُشكك فيه مشكك (حسب المصادر التاريخية المتاحة لدينا, والتي تتبع أغلبها المدرسة الشيعية الإمامية), ومن الصعب أن يستمر طفل في سن الثامنة في منصب إمام لطائفة حوربت, وتم تتبع تناقضاتها لإظهار تهافت فكرتها, ولها حضورها في العالم الإسلامي ضمن الفرق الأخرى على الساحة الفكرية والمذهبية, الفقهية والعَقَدية, ومع ذلك يُستمر القول بإمامته حتى وفاته. وبِغَضْ النظر عن روايات المعاجز في الكتب الشيعية, إلا أن لهذا الصمود دلالته لدى الباحث المحايد. وهو أمر جدير بأن يُدرس بمنهجية موضوعية بعيداً عن السرد المنقبي.
التحدي الثاني: عصر المتوكل : تميز عصر الخليفة جعفر المتوكل بالشدة على التيارات الأخرى المخالفة لأهل الحديث, حيث غابت شمس المعتزلة وذهبت أيامهم الذهبية في خلافة المأمون والمعتصم والواثق. وأُغلق باب النظر العقلي, وأُجبر الناس على خط فكري واحد. فتم تقريب أهل الحديث وأُجزلت لهم العطايا, وهُيئت لهم المجالس والمدارس[4], وأُمروا أن يحدثوا بأحاديث الصفات والرؤية, وأن يقولوا ما لديهم دون منازع ولا مُقَاطِع.
ومما مارسه المتوكل محاولة إسقاط الإمام في أعين الناس, من خلال إظهاره بمظهر من يُقبل على الدنيا, عندما تُقبل عليه. فحاول تقريبه من مجالسه, ومشاركته لهوه وعبثه, فعرض عليه الشراب, ولما رفض, طلب منه إنشاد الشعر, واعتذر الإمام, ولكن إصرار المتوكل, جعله يُسمعه شعراً أنساه ما هو فيه, كما روى المسعودي في مروج الذهب. وقال المتوكل مرة: ويحكم قد أعياني أمرُ ابن الرضا (علي بن محمد) أبى أن ينادمني, أو يشرب معي, وجهدت أن أجد منه فرصة في هذا المعنى فلم أجدها![5]
التحدي الثالث: الإقامة الجبرية : تم إشخاص الإمام من المدينة المنورة إلى مدينة سامراء, وكانت عاصمة الخلافة العباسية قبل عهد المتوكل, وفي أيامه[6]. وفُرضت عليه إقامة جبرية في محلة من محالّها, تُسمى بخان الصعاليك[7], وأُحكمت الرقابة على كل تصرفاته داخل البيت وخارجه, وقيل أنه مكث في الإقامة الجبرية مدة عشر سنين وأشهر, بل مكث ثمانية عشر عاماً في سامراء –منذ سنة 236هـ وهي سنة إشخاصه-, وجاء في بعض المصادر[8] أن المتوكل زج به في السجن فبقي فيه أياماً.
وهذه الإجراءت الصارمة مما يمنع تواصله مع أتباعه ومريديه, وشَكَّل عائقاً للإمام لممارسة دوره. ومع ذلك استغل أبوالحسن كل فرصة, واتصل مراراً وتكراراً بأتباعه وشيعته بطرق شتى, وخلال أحلك الظروف.
التحدي الرابع: البناء الفكري: في بداية القرن الثالث الهجري كان العالم الاسلامي يموج بالتيارات الفكرية الإسلامية وغير الاسلامية المختلفة, حيث بدأت بالتبلور والتكون بعض المذاهب الفقهية, وكانت بداية للمذاهب العَقَدية. واشتدت حركة الترجمة في عصر المأمون. وعرف الناس أفكاراً متنوعة. فكان لابد للإمام من أن يجعل لبنائه الفكري مكاناً بين هذه التيارات والحركات. وأن يكون له قولاً وحُكْماً في قضايا كَثُر الجدل حولها, مثل قضية خلق القرآن وغيرها. فهو وارث الخط الفكري العلوي لآبائه. ولولا مكانة الإمام وخطره وتأثيره لما استدعاه, بل أشخصه الخليفة المتوكل إلى عاصمة الدولة الإسلامية, ثم استمر الخلفاء من بعده على نهجه وطريقه في موقفهم التضييقي من أبي الحسن ومراقبته.
ورغم التضييق والمراقبة كان للإمام دوره ضمن سلسلة أدوار أئمة أهل البيت المعرفية, العلمية والعملية.
ومما نُقل عن الإمام وأُثر عنه الزيارة الجامعة –التي رواها الصدوق في من لا يحضره الفقيه, وعيون أخبار الرضا- والزيارة الغديرية – التي رواها المفيد في المزار.
التحدي الخامس: الفرق الشيعية الأخرى: عاصر الإمام فترة نشاط مكثف للحركة الشيعية الزيدية حيث كثرت الثورات العلوية, التي كان الكثير منها زيدياً في توجهه. مثل ثورة محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن زين العابدين سنة 219هـ. وثورة محمد بن صالح الحسني. والثورة الشهيرة ليحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن زين العابدين عام 250هـ, ويحيى هذا ارتضاه أهل بغداد, وبايعه جملة من الناس في الكوفة, وبعد مقتله ضج الناس لقتله, وحزنوا عليه حزنًا شديدًا. ومن الثورات الزيدية ثورة الحسن بن زيد الحسني الذي خرج في طبرستان عام 250هـ ,واستولى على الري وآمل, وامتد نفوذه حتى جرجان وأسس دولة شيعية زيدية.
وعاصر الإمام كذلك بداية الدعوة السرية للشيعة الاسماعيلية, وحركاتهم ودعاتهم. كما كان للشيعة الواقفية -الذين وقفوا على إمامة أبي الحسن الكاظم- حضورًا واضحًا.
وقد حذر الإمام من بعض الحركات الشيعية المغالية والضالة, كحركة محمد بن نصير النميري وحركة فارس بن حاتم القزويني والحسن بن محمد المعروف بابن بابا. واستمر الخط الشيعي الذي يقول بإمامة علي بن محمد الهادي حاضرًا في العراق وفي سامراء, في قلب وعاصمة الدولة الإسلامية, وفي أقاليم أخرى.
التحدي السادس: قيادة الشيعة من بعده : على الرغم من الإقامة الجبرية والعَين التي كانت تراقب الهادي, إلا أنه كان مهمومًا بقيادة ومستقبل الجماعة الشيعية من بعده, وقد كان الإمام يتجنب كل إثارة أو سوء ظن قد يُوجه له من الخلفاء. و تسمية القيادة من بعده تحتاج إلى إعلان وإعلام, خاصة بين أتباعه في مختلف أقاليم العالم الإسلامي. وقال الإمام مرة للمتوكل لكي يطمئنه : نحن لا نناقشكم في الدنيا, نحن مشتغلون بأمر الآخرة, فلا عليك شيء مما تظن[9]. والهم الآخر كان تحديد وتسمية ولي الأمر بعده من أولاده, وهم محمد –سبع الدجيل- والحسن وهو الإمام, والحسين وجعفر. وكان من سَمْت محمد ووقاره وعناية أبيه به ما ظن كثير من الشيعة أنه الإمام بعد أبيه, حتى توفي في حياة والده سنة 252هـ, فتوجهت الأنظار نحو شقيقه أبي محمد الحسن العسكري بعد تأكيد والده عليه.
ورغم الظروف الصعبة إلا أنه استطاع أن يضمن إجماع الخط الشيعي الإمامي بعده على إمام واحد.
[1] انظر الفصول المهمة لإبن الصباغ المالكي- ينابيع المودة للقندوزي الحنفي- الصواعق المحرقة ابن حجر
[2] يعني أَمَة
[3] العبر في أخبار من غبر
[4] المدرسة بالمعنى المجازي, إذ لم تنشأ المدارس الحقيقية في عصر المتوكل.
[5] أصول الكافي
[6] منذ أيام المعتصم
[7] أصول الكافي والارشاد للمفيد ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب
[8] كتب الصدوق (الخصال- معاني الأخبار- كمال الدين)
[9] الخرائج والجرائح
جديد الموقع
- 2024-05-08 جامعة الملك فيصل تشارك في مؤتمر ومعرض الشرق الأوسط لهندسة العمليات 2024 بالظهران إكسبو
- 2024-05-07 فاطمة السحاري : لا يسعفني قلمي ولا وجعي .. فالمسافر راح .. فرحمة الله تحتويك يا "البدر"
- 2024-05-07 الخريف يرعى تكريم اللجنة المنظمة للنسخة الثالثة لـ حرفيون
- 2024-05-07 ضمن برنامج الاحتفاء بأسبوع الأصم العربي ٤٩
- 2024-05-07 أهمية الكتب الورقية: لماذا الكتاب الورقي الذي يحمله الطفل بيديه أفضل من الكتاب الذي يقرأه على الشاشة؟
- 2024-05-07 الدور الخفي لدرب التبانة في الميثولوجيا المصرية القديمة
- 2024-05-07 القراءة ونشوة المعرفة
- 2024-05-07 أنامل على الأعتاب في مدح السادة الأطياب اصدار جديد
- 2024-05-07 أنامل على الأعتاب في مدح السادة الأطياب اصدار جديد
- 2024-05-06 ابن المقرب في بيت الشعر بالقيروان