2023/03/09 | 0 | 1169
إبراهيم الحسين في مجموعتيه "يخطئ الموتى" و "يسقط الآباء حجرًا حجرًا"
الموتى الذين يكتبون غيابهم بخطٍّ عريض
رغم أن الموت نهاية الإنسان إلا أن الشاعر إبراهيم الحسين من فرط الأسى وشدة الحزن التي يتركها الموتى في محبيهم؛ يرى أن الموتى يخطئون في حق أقاربهم وأحبابهم، وأنهم يختارون موتهم متعجّلين، ويتمنى أن يصلحوا خطأهم وأن يعودوا:" ماذا لو أن الموتى أصلحوا خطأهم! هل سيكون سهلاً أن نجد عيوننا لننظر إليهم... تعالوا فهواؤكم الذي تركتموه ما زلنا نحتفظ به لكم رطباً بعيوننا"
الشاعر إبراهيم الحسين في مجموعته الشعرية (يخطئ الموتى) الصادرة 2022 عن منشورات تكوين "نبوءات" يضعه وجع الفقد والرحيل في حالة ذهول وشرود، تلعب به المرارة والألم إلى درجة أنه يصفهم بـ " "الجهلة" لفداحة خطأهم في أنهم ماتوا متعجّلين: (يتعجلون ولا يريدون أن يفوتهم الخطأ)، وأنّ اختيارهم هذا هو "خطأ عريض" وشجاعة، وأنه "لتزجية الوقت وكي يسلّوا أنفسهم..." فهو يحمّل الموتى خطأ الذهاب دون أن ينتهوا من أعمالهم: (يتعجّلون فلا يكملون أذرعهم ولا يتمّمون أقدامهم، بينهم وبين ذلك خطأٌ عريض) "نص 3"، لا يستفيق من صدمة رحيل موتاه المفاجئ، غير مبالين لأحد.
يتناول الحسين الموت في 59 نصّاً في المجموعة التي أهداها إلى أمّه "الجوهرة صالح المرحوم " يحاول أن يعثر على معنى أو أن يجد جواباً عن الموت ومن الموتى أنفسهم، ويسائلهم إن كان عليهم أن يعودوا، لأنهم: (يرتكبون موتّهم غير مبالين بأحذيتهم، غير مبالين ببقايا حكاياتهم ولا نبراتهم التي ألصقوها عالياً في الهواء) " نص 1" نصوص عن الموت والموتى تضجُّ بالحياة والدموع والأسى والفقد والغياب.
رغم رصيد الأدب العربي الحافل بقصائد الموت والحزن على الموتى، إلا أن إبراهيم الحسين يطرح رؤية جديدة عن الموت القاهر، عن المسافرين الذين يرصّون حقائبهم على عجلة من أمرهم ويرحلون دون توديع، دون مراعاة لمشاعر من حولهم، دون مبالاة بما سيتركون وراءهم من حكايات لم تكتمل.
الشاعر هنا يقول ما لم يقال أو لن يقال، ويكتب ما لم يكتب من قبلُ عن الموت والفقد ووحشة الغياب. فلطالما كانت الكتابة عن الموتى من جانب المعزّى والفاقد الذي بلا حول ولا قوة منه، ويظهر في القصيدة مدى الحزن الذي تركه في أحبائه، وأنه غادر بقضاء وقدر ولن يعود ولا بد من الصبر والسلوان، إلا أن الشاعر الحسين لتعلّقه الشديد بموتاه وبمحبته العميقة والأصيلة لهم يرفض ذلك ولا يقبله لشدة وجعه، ويرى أنه قاموا بفعل يمكن تصحيحه أو التراجع عنه. يقول في "نص 1" (كانوا أسوياء لكن لا تدري كيف أسقطوا سويتهم كلها، كيف نكثوا عهودهم، جحدوا غرفهم وأبوابهم... كانوا عاديين جداً لا تتوقع خطأهم الذي أقدموا عليه.. عاديين جداً لا تعلم كيف واتاهم الانصراف الكامل فلم يترددوا ولم يتشاغلوا عنه أو يصرفوه... كانوا وكانوا وكانوا حدَّ أنهم أوقعوك في موتهم).
تجربة "يخطئ الموتى" هي امتداد لتجربة سابقة، وهي مجموعته الشعرية "يسقط الآباء حجراً حجراً" منشورات تكوين 2019
يسقط الآباء حجراً حجراً
نقرأ الكتابَ، يسكننا ثم نكتب عنه فيغادرنا، نشعر تجاهه بالرضا أننا انتصرنا عليه أو على الأقل قمنا بواجبنا تجاهه. المجموعة الشعرية "يسقط الآباءُ حجرًا حجرا" للشاعر إبراهيم الحسين " 69 نصاً" لا تغادرك، أو لا تتركك تغادرها.
يكتب إبراهيم الحسين عن أبٍ يتداعى أمام أبنائه. تتداعى أيامُه وتذهب يوماً بعد يوم. أبٌ (ترك اسمه على السرير، ترك حروف حكايته كاملة، أطفأها دفعة واحدة؛ هكذا وهكذا وهكذا قضي الأمر) أب يتخلّى عن حياته حجرًا حجرًا، جملةً جملة، يوماً بعد يوم يتجرد منها حتى أن ابنه لم يعد يعرفه وينكره (وأذكر أّني كنتُ أنظرُ إلى قدميه وأفكّر أنّي لا أعرفهما ولا أعرف من أين جاءتا)
كتاب لا تنتهي من قراءته ثم تمضي في سبيلك، من الصعب تجاوزه، نصوص تتجدد كلما عدتَ إليها وقرأتها مرة أخرى، تضعك في حالة تحدٍ. تحدٍ بين الشاعر والناقد، بين النص وقراءته، بين قراءته والكتابة عنه. نصوص تكشف لك جملة لم تلاحظها من قبل، أو ربما لاحظتها وانتبهت إليها ووقفت طويلاً عند شراستها وتأملتها، تقرؤها ولا تستطيع أن تمتلكها. لا تستطيع الإمساك بها من شدة جمالها، نصوص مثل طفلة في الحقل سارحة في التعبير ولاهية في تدفق الكتابة، مثل بهجة العشب تقفز في وجهك وتتطاير أمامك، مثل صليل سلاسل لسجين، مثل نصل بارد مثل عذاب ناصع. نصوص لا زالت في ملكية الشاعر لا تستطيع أن تنتزعها من يديه، فقد نقش عليها اسمه وألمه ووجعه ورسم عليها صورته واسم أبيه وعلاماته الفارقة، التي صارت فارغة، راح وجهه يختفي وبدأت أعضاؤه تغادر عضواً عضواً وتسقط حجراً حجرا. (لكنّ ولكنّ ولكنّ تكالبت عليك كلّها ودفعتك بقسوة لتجد نفسك فجأة مرتطماً ومتكوماً بقاع حفرة بكائك؛ التي وجدتُ نفسي هكذا أقف على حافّتها جامداً...)
كتابة خاصة بإبراهيم الحسين وفي الوقت ذاته تشعر أنها نصوصك الخاصة وأنك الابن الذي كنتَه والأب الذي ستكونه. تودّ لو أن لك ابنًا تسكن في داخله عميقاً، يعرفك وينتبه إليك ويقرأ ملامحك ويكتب عنك مثلما يفعل إبراهيم الحسين لأبيه.
جديد الموقع
- 2024-05-05 شَبَه الكتابة بالرسم
- 2024-05-05 ما بعد الوظيفة (1).
- 2024-05-05 ابن الأحساء الحبيبة الفلاح الفصيح
- 2024-05-04 بيت الشعر في الفجيرة ينعى الأمير بدر بن عبد المحسن
- 2024-05-04 الأمير سلطان بن سلمان : الأمير بدر بن عبدالمحسن ترك ارثاً لا يمكن أن يحمى مهما طال الزمن
- 2024-05-04 افراح الدويل و الغزال في احلى مساء بالاحساء
- 2024-05-04 عميدة اسرة العليو بالاحساء في ذمة الله تعالى
- 2024-05-04 فريق طبي في مدينة الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) الطبية يجري عملية تثبيت وتعديل الفقرات القطنية لمريض بعمر (56) عام
- 2024-05-03 مستشفى اليرموك التعليمي يجري عملية قسطارية طارئة لمريض يعاني من احتشاء العضلة القلبية
- 2024-05-03 مستشفى الأمام علي (عليه السلام) العام في بغداد يجري عملية تداخل قسطاري طارئ لمريض يبلغ من العمر 48 عام