2024/03/29 | 0 | 1347
هموم وتطلعات المرأة السعودية - في المجموعة القصصية « 10 أيام في عين قسيس الإنجيلي » لرجاء البوعلي ..
اليمامة
للقصة القصيرة اليوم أن تدعي أنها الجنس السردي الأسرع في الاستجابة إلى إثارات الواقع المعاصر والتعاطي مع قضاياه بمنظور إنساني ثقافي. فالرواية تبعاً لبنيتها الفنية التي ترصد الحدث ضمن مجوعة كثيرة من العوامل التي تتداخل في تكوينه، ومن ثم وضعه في قالب حكائي؛ تصبح بعيدة زمنياً عن وقت انبثاقه في الواقع. هذا بالطبع في الجانب الواقعي وليس التخييلي السردي.
من هذا، وكموجز من وحي القراءة الانطباعية الاستطلاعية لمجموعة رجاء البوعلي القصصية «أيام في عين قسيس الإنجيلي» نستطيع وضع تصور «للثيمة» الجامعة لمواضيع المجموعة وحصرها في «هموم وتطلعات المرأة السعودية المعاصرة» التي تعددت صور التعبير عنها في المجموعة.
ولضرورة تحرير المصطلحات كبداية، فالسرد في أبسط تعريفاته هو الطريقة التي تستخدم لعرض القصة وتبيان سير الأحداث. وفي رأي الشكلانيين، هو «وسيلة لتوصيل القصة إلى المستمع أو القارئ بقيام وسيط بين الشخصيات والمتلقي وهو الراوي».
أما الأسلوب، وحين تضخيم مكانته، فيصبح كما يقول الأديب الفرنسي بيفون «هو الإنسان عينه». أي المطابقة بين الذات والمادة المُبدَعَة. وبتسييل كثافة الوصف، فهو «مبدأ الاختيار ضمن إمكانات اللغة، والألفاظ، والتراكيب النحوية». وبه – كما يقول «جوته»: يتمكن الكاتبُ النفاذ إلى الشكل الداخلي للغته والكشف عنها. وعن طريقه تخرج العبارة من حيادها اللغوي إلى خطاب متميز بنفسه، كما يرى مارزرو.
وبالرغم من ثبات الموضوع في المجموعة القصصية، إلا أن أسلوب القاصة السردي قد تنوع؛ تبعاً لطبيعة الحدث المراد التعامل معه وكشفه. ويمكن حصر ذلك في نمطين من الأسلوب: أسلوب السرد الشاعري، والأسلوب الحكائي التقريري.
في الأول، تشتغل القاصة رجاء على اللغة عندما يكون موضوع الحكاية هو الحديث عن المشاعر والأحاسيس للعوالم الداخلية للشخصية الرئيسية، ومن ثم محاولة استنطاقها للبوح بمكنونها، ويأتي ذلك من خلال توظيف الاستعارات والكناية والصور الشعرية. فالأجناس الأدبية تتجاور في أفق الإبداع ولا يضيق بها، حتى أنها تتبادل التقنيات والأدوات بينها بكل سهولة وانسجام. فتقبلُ القصيدة تقنية «الحوار» كخصيصة سردية، ومن جانبها، تستجيب القصة لإغراءات المجاز والصور. تُشرِق بالكناية، ولا يختل جنسها كثيراً بالقليل من الاستعارة؛ حيث الموضوع السردي هو المحدد لذلك. فبحسب جاكوبسون، تأتي الاستعارة بفعل تدخل ذات الكاتب في السرد، بينما يبقى جريان الكناية في السرد محايداً، فهو تابع للظروف الموصوفة أكثر من تبعيته لإرادة الإبداع عند الكاتب.
وأيضاً عندما نأخذ بالمقولة المشهورة بأن القصة في مؤداها «طريق للقصيدة»، يسهل علينا حينئذ مقاربة هذا الأسلوب الشاعري واستخلاصه من قصص رجاء، وبالتحديد في قصصها: «وجه الليل»، وقصة «عيني على النعش»، وقصة مونامور». أما قصتها «جاثوم الحب»، فيمكننا الاستشهاد بهذا المقطع من نسيجها:
«على سرير من الديباج الأبيض، مستلقية على جنبي الأيمن، عروسٌ جاهزة لقص شريط الحياة، وسط غرفة محمومة بأشعة الشمس لكنها باردة من شدة التكييف، أنظر لكرسي الخيزران يهتز أمامي، أحاول رفع جسدي، تحريكه، زحزحته، كل شيء عصي متبلد الحس، أحبالي الصوتية أشك بأنها تقطعت أو ابتلعتها دون قصد! أتكلم لا أحد يسمعني… لا أحد يراني، كل شيء ساكن في هذا العالم سوى خوفي...».
فهذا اللون السردي الشاعري الكاشف عن الحياة الداخلية للشخصيات، يخضع لضرورة ومحددات فنية نابعة من بنية القصة كما لاحظها جان هيرمان الذي يرى بوجود تناسب عكسي بين السرد والحكاية: فكلما كثر السرد في القصة، تقل عندها منسوب الحكاية. وهكذا هو انطباقه على قصص رجاء المذكورة سالفاً.
أما الأسلوب الآخر في المجموعة القصصية، فهو الأسلوب الحكائي التقريري الذي تنبع حكاياته ومواضيعه من الواقع المعاش للمرأة: الفتاة والأم، وإرهاصات الحضور المعاصر والبارز للمرأة في الحياة العملية والاجتماعية. وهذا ينطبق على باقي قصص المجموعة ما عدا واحدة، والتي عنونت المجموعة القصصية بها «10 أيام في عين قسيس الإنجيلي» والتي نعدها جرأة في التجريب على الجنس القصصي عندما ارتأت رجاء إدراجها في مجموعتها وهي عبارة عن «حكاية شخصية شيقة» تقترب من أدب السير الذاتية، وذلك بإفصاحها عن اسمها الصريح في ثنايا القصة كشخصية رئيسة فاعلة فيها.
وبالعودة إلى الأسلوب الثاني، بعد الاستطراد السابق، نلحظ حساسية القاصة رجاء اتجاه انخفاض منسوب السرد في القصص نتيجة لكبر مساحة الحكاية، وهذا ما دفعها إلى ضخ جمل شاعرية بجرعات مناسبة في مفاصل القصة مثل:
«فاجأتني! لا تدري أنها وصلت لامرأة تحضن حلماً كبيراً أيضاً، وتأمل ألا تجبرها الحياة على السفر عنه». في قصة «عاملتي الإفريقية». و«كيف تحتمل ارتجاج الساعات في القطار وهي مجرورة من القفى!»، في قصة «شقة في الملحق الأخير». وأيضاً في جملة «أغلقت الهاتف، نفضت وسادتها ونامت كما ترقد الغابة بعد إعصار شتوي» في قصة «متعة»، إلى العديد من الجمل التي تحاول فيها رجاء أن تحافظ على المستوى السردي في منسوبه المعقول، وبالتالي إبراز أسلوبها من خلاله.
وفي النهاية، لنا أن نعتبر القصة الحديثة وسيطاً يمتزج فيه جميع الأجناس الأدبية، وحتى الفنون التشكيلية التي أصرت رجاء البوعلي أن تشارك عتبات قصصها؛ كاللوحات التشكيلية التي استعانت بها ووظفتها كصور بصرية تكميلية أو اختزالية لمواضيع الحكاية في جميع القصص، لفنانين سعوديين وخليجيين.
أما الكثافة الشاعرية واستخدام الأدوات البلاغية في الشعر وتوظيفها في أسلوب بعض قصصها، فيكون مبرراً، بالاعتبار إلى أن القصة وعندما تستخدم الاستعارة على مستوى العبارة، فيمكن النظر إليها هي نفسها؛ «كاستعارة تمثيلية كبرى»، كما يستخلص ذلك حميد لحميداني.
جديد الموقع
- 2024-11-14 البلدية والإسكان والبريد السعودي سبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت التجارية
- 2024-11-14 السير الذاتية وتابوهات المجتمع
- 2024-11-14 في ديوان «هاجسُ الريح»لهاني الملحم.. ما نتوقعه من الشعر، وما تعد به القصيدة.
- 2024-11-14 يمثل الأحساء والمنطقة الشرقية في البطولة نادي وأكاديمية بادل بول إلى نهائيات دوري بارنز السعودي للبادل
- 2024-11-14 افراح الأجود و البجحان تهانينا
- 2024-11-13 هل يُطاع الله من حيث يُعصى؟
- 2024-11-13 سمو محافظ الأحساء يستقبل رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية للنقل باتحاد الغرف السعودية
- 2024-11-13 تحالف الأسودان ، خلاص الحسا وسكري القصيم
- 2024-11-13 زواج ثنائي "المجحد والعوض تهانبنا
- 2024-11-13 مركز الملك سلمان للإغاثة يشارك في معرض "واحة الإعلام" بالتزامن مع استضافة المملكة للقمة العربية والإسلامية غير العادية في الرياض