2020/12/08 | 0 | 5930
من كتاب ( حكاية الينابيع ) حكاية الدكتور ناصر بن حسين النزر
وبناء على طلب الأحبة الاستمرار في نشر بعض صفحات كتابنا ( حكاية الينابيع ) ـ تحت الطبع ـ الذي يوثق مسيرة المنتدى خلال أربعة عقود من الإبداع و التألق ، ستكون هذه الحلقة من نصيب الأخ والصديق والزميل والجار الدكتور ناصر بن حسين النزر.
والدكتور ناصر لمن لا يعرف تفاصيل سيرته هو ناصر بن حسين بن صالح النزر، شاعر وكاتب، ولد بمدينة المبرز بالأحساء عام 1394هـ، حاصل على بكالوريوس لغة عربية وماجستير لغويات ودكتوراه من جامعة الملك فيصل عن أطروحته (شعر الموت من العصـر الجاهلـي حتى القرن الثالث الـهجري، مقاربة حجاجية تداولية)، ويعمل معلما للغة العربية بمدارس الأحساء .
نشـر بعض قصائده في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، وشارك في العديد من الاحتفالات والأمسيات الشعرية، له العديد من الدراسات النقدية منها قراءة نقدية لكل من ديوان (خفقان العطر) وَديوان (قصائد ضاحكة) وَديوان (صلوات في محراب العشق) للشاعر ناجي بن داود الحرز، ومقال نقدي بعنوان (باقة نقد على شرفة ورد) لديوان الشاعر جاسم العساكر (شرفة ورد)، ومقال نقدي لديوان (حمائم تكنس العتمة) للشاعر جاسم الصحيح، وقراءة نقدية لديوان (انكسار الطموح) للشاعر محمد البقشـي .
من مؤلفاته المخطوطة: رسالة ماجستير بعنوان (ظاهرة تجاور الساكنيْن في ضوء القراءات القرآنية المتواترة)، و(الألفاظ المعربة والدخيلة على ألسنة العوام في الأحساء)، و(بعض الظواهر اللهجية العربية الأصيلة المتبقية على ألسنة العوام في الأحساء)، ومجموعة شعرية، ترجم له في (معجم شعراء منتدى الينابيع الهَجَرية) و(معجم شعراء الأحساء المعاصرين) لنادي الأحساء الأدبي، عضو بالمنتدى منذ عام 1413هـ.
ولن أتقدّم عليه بأكثر من هذه الترجمة التي قدمته بها في (معجم شعراء منتدى الينابيع الهجرية) لنرى ماذا يقول هو أولًا عن حكايته مع المنتدى ، يقول الدكتور ناصر :
( قبل الحديث عن الالتحاق بهذا المنتدى تجدر الإشارة لمقدمات الالتحاق، وهي التجربة أو المخاض الأول " الموهبة " التي تؤهل الشاعر للالتحاق بالمنتدى، فمازلت أتذكر تردّدي على الأستاذ ناجي بن داود الحرز أنا وصديقي الأستاذ حسين البطاط، الذي كان يتعاطى الإخوانيات معي في ذلك الوقت، وكنّا نعرض ما نكتبه على أستاذنا الشاعر ناجي بن داود الحرز والذي بدوره لم يكن ضنينًا بالإرشادات والتوجيهات.
وأتذكر مرةً أني عرضت عليه قصيدةً إخوانية فنالت استحسانه، وبعدها التحقت بالمنتدى وكان ذلك في عام 1413هـ، وحينها كان اسمه منتدى (شعراء الأحساء)، وكان يضمُّ كوكبة من الشعراء البارزين صار لبعضهم فيما بعد وزن في كفة الشعر أو النقد، من أمثال الأستاذ جاسم الصحيح، والأستاذ محمد حسين الحرز، والأستاذ موسى الشخص، والأستاذ محمد عبد الرسول البقشي، والأستاذ معتوق العيثان.. وغيرهم.
وربما كان للمطارحات المقالية والنقدية التي كان الأستاذ الحرز يثيرها في تلك الفترة، وخاصة في جريدة اليوم، -والتي كانت تنشـر بأسماء مستعارة أحيانًا في زمنٍ لم تنسج فيه الشبكة العنكبوتية خيوطها- كبير أثر في صقل التجربة والتعبير بحرية القلم الجريء، إنه يجذبنا إلى الأدب كلما ابتعدنا عنه، ويرشّ أقلامنا كلما ذوت أناملنا.
إنه يعمل بديناميكية ساحرة وأخّاذة، مخلصًا لصناعة تاريخه، بل لا أكون مبالغًا إذا قلت: إنَّ كثيرين من شعراء الأحساء عبروا من بوابته الكبيرة. إنه بحق بوابة التواصل الأدبي، وخيمة الشعر الأحسائي في مطلع القرن الرابع عشر، مؤسس ورئيس منتدى الينابيع الهجرية.
ويسـرّنـي أن أذكّـر بـهـذه الأبـيـات التـي أهديـتـهـا له بـمـنـاسـبـة تكريمه كمؤسس لأقدَم منتدى أدبي منظّم في المنطقة، من قبِل (نادي الأحساء الأدبي) عام 1430هـ، والتي تُهدى لأصحاب الهمم العالية، الذين استطاعوا أن يجدوا لهم مكانًا بين النجوم:
وفي تجلٍّ آخر يقول الدكتور ناصر عن حكايته مع المنتدى بعنوان : (على سفح الينابيع الهجرية ) :
(هل تذكر مرة أنك مررتَ على ماء المحبة لتنهل منه، أو على وادٍ لتتفيأ ظلال الشعر وتستنشق رحيق الحياة بعد عناء أسبوع، فتأخذك دهشة الكلمة، وجمال الشعر على كفّ الرحمة واللطف وتهفهف عليك بريشة الحنان والعطف؟ هو ذاته الشعور الذي يغمر رواد منتدى الينابيع -حين كان اسمه منتدى شعراء الأحساء- في جلستهم الأسبوعية. كانت عقارب الوقت والأيام تلتهم بعضها لتصل إلى مساء الجمعة حيث موعد الجلسة الأدبية التي أسسها ويرأسها خيمة الشعر الأحسائي الشاعر/ ناجي بن داود الحرز.
إدارة فقرات الجلسة والماكينة الإعلامية التي تأخذ إلى صناعة رمز أدبي في بعض الأحيان، حَمَلتني على الممارسة النقدية، وفتحت لي بابا لتحدي الذات وتعزيزها بمواصلة دراستي الأكاديمية ورَوْد تخصص أدبي ونقدي، وقد صرفتني حالة الانضباط المنهجي للدراسة عن مواصلة الجلسة مع أحبابي في المنتدى، غير أنني من باب الإنصاف أنوِّه لأمور يجب أن تكون من نافلة القول:
أولًا: الشاعر ناجي بن داود الحرز، خيمة وارفة للشعر الأحسائي، لأنه استطاع أن يبني مجده الشعري بأن نقل الشعر الأحسائي والولائي منه بشكل خاص منذ أواخر الثمانينات الهجرية من حالتهِ الكلاسيكية السـريرية الصِـرفة إلى جناح الرومانسية العذبة وتحت هرمون (السهل الممتنع)، فقد تخللت الرومانسية شعره الولائي فكانت حالته فتحا مبينا للشعر الولائي في الأحساء وميلاد شاعر مختلف، وقد كتبت في تجربته الولائية قراءة نقدية لديوانه الذي صدر عام ١٤٢٨هـ (صلوات في محراب العشق)، كما أن طَرْقَه وتنويعه للأغراض الشعرية وخاصة الشعر الهزلي والساخر منحه سلطة أدبية ريادية تذعن لها الرقاب.
ثانيًا: إنّ كاريزما الشاعر الحرز والطاقة الهائلة على تشجيع الشباب واستدراجهم للتورط في الشعر، تتمّ في غير شكل، وبلياقة اجتماعية وأدبية ونقدية متوسِلة الطرق التالية:
أ - التواصل المستمر معهم، ومتابعة دعوتهم لحضور جلسة المنتدى والأماسي الشعرية والأدبية المنظّمة، وحضور المناسبات الخاصة والعامة حتى مع أولئك الذين يخرجون من قضبانه الصدري إلى غضبه الحرزي، لاختلاف وجهات النظر بينه وبينهم، فإنه يحاول أن يستعيدهم إلى حديقة الصداقة كرّةً أخرى، لأنّه لا يريد أن يتذكر أصداءَ قول:
( كلُّ الذين أحبّهم يتغيّـرون )
ب - مجاراة الشباب في الكتابة ومعارضة خربشاتهم بقصائد إخوانية، تجعل الشاعر الشاب فرحًا ومعتدًّا بباكورة كتابته، لأنَّ الشاعر الحرز عارض قصيدته، وتلك لعمري دفعة تعزيزية ترفع معنويات الشاعر الشاب، وقد مررت شخصيا بخربشة عينية في بدايتي الشعرية كتبتها تهنئة له ولدوره الريادي، وقد عارضها بعينية أخرى ضمَّنها ديوانه العنقود، فكانت محل اعتزاز وفخر لي.
ج - إسهاماته النقدية المبكرة وتناوله منذ ذلك الحين لقصائد الشباب بالنقد الانطباعي والتوجيهي، وأتذكر أنه تعرض لقصيدة غزلية لي (مجاراة لقصيدة محمد الغرباوي)، وعرض ملاحظاته عليها في سبع ورقات نقدية قرأها في إحدى فقرات منتدى الينابيع قبل ٢٥ عامًا، ولم تخلُ بعض الملاحظات من صيغة طريفة تمر بشكل مضمر. هذه العوامل الثلاثة هيَّأت له أبوّة شعرية لشعراء مجايلين له وللجيل الذي يليه.
لم يكن منتدى الينابيع خاصًّا بالشعر فحسب، ولم تكن مياهه حِكْرًا على روّاده، بل كانت تفيض على مرتاديه، وعلى غيرهم، في مثل إقامة أمسيات عامة ومتنوعة ولائية وغير ولائية.
ولم يكن الشعر وحده ظلال بستانه، بل كان الأدب واللغة وبعض الهموم الاجتماعية تتفيأ ظلال أشجاره، حتى صار معلما أدبيا واجتماعيا بارزا من معالم مجتمعنا الأحسائي.
ولمّا كانت التجارب الشعرية الشابة على رأس اهتمام هذا المنتدى الهجري، كان للنقد التعليمي حضورٌ كبير، حيث كان يمرُّ أحيانا أخرى بشكل ممازحة، وبشكله اللطيف حتى تتم الفائدة مع الحفاظ على ماء الوجوه الشابّة التي لم تنضج ممارسة الكتابة لديها، وفي المزاح -كما يقول نجيب محفوظ- تكمن الحقائق، وتتم المعرفة.
لا أدري أيّة غبطة كانت تحملني على أجنحة الرغبة في صقل الموهبة والمهارة اللغويـة والنقديـة التي كانت تراودنـي عـن نفسـي، عند التحاقي بالدرس الأكاديمي تخصص لغة عربية مزامنة بالتحاقي بهذا المنتدى السمح قبل أكثر من ٢٥ عامًا، فلاشكّ أنّ تـحصيل الـدرس اللغوي والأدبـي مـع الممارسة والاندماج النخبوي للأدب في سلَّة واحدة يختزل مسافة نضج التجربة قاب غُصنين أو أدنى مختزلًا لمرحلتي (الرؤية والتطبيق).
كانت حلقة أول جلسة لي في هذا المنتدى تضم شعراء كبارًا واصلوا مسيرتهم الأدبية، وبعضهم انزوى وراء مشاغله اليومية، فصـرفته عن الأدب، لأن يد الإصرار لم تكن أصابعها طوالًا كي تمكنه من حمل تفاحتين بيد واحدة.
أتذكر من تلك الحلقة: الشاعر الكبير جاسم الصحيح، والشاعر معتوق العيثان، والشاعر محمد البقشـي، والشاعر السيد موسى الشخص، والمطَرَيْن محمد صالح ومحمد جواد، والشاعر عبد الله البريه، والشاعر حسين المبارك والشاعر محمد البردويل وغيرهم، وكان ناصر النزر أصغر المجموعة وأقلَّهم زادًا، ثم ما لبث أن التحق الشاعر حسن الربيح والشاعر جابر الخلف والشاعر الأصغر سنًّا عباس العاشور وشعراء آخرون لهم حضور في الساحة الأدبية.
وقد شهدت تلك الفترة انحياز مجموعة من شعراء المنتدى إلى الحداثة وإلى قصيدة النثر بشكل خاص، وقد كان ذلك شهادة على انفتاح المنتدى على عديد الثقافات والمشارب.
واللافت أنّ أعضاء المنتدى قد يتعارضون، ويتطارحون فكريا في بعض المواضيع الثقافية علـى مستوى النشـر في الصحف اليومية، ومازلت أحتفظ ببعض الأعداد التي نشرت لي مقالات نقدية ساخنة آنذاك.
ومع عدم ميلـي لتحويل الأدب إلى صيغة تاريـخية، قـد تـحضـر معهـا الذات والأنا، لكن استدعاء بعض ما في الذاكرة الأدبية في الأحساء في عقود خلت ربما يعني الكثير للآخرين) انتهى كلام الدكتور ناصر.
الدكتور ناصر بن حسين النزر كما أصبح الآن، كان الشاب الجامعي المتفوّق، الذي يحس بقشعريرة الأدب تدبُّ بين جوانحه، ويبحث عن تفسير واضح لها، كان من جيراننا فـي حي (الـخـَرْس) أو (الفيصل) كما -سمّوه الآن- وكان اسمي أقرب الأسماء إليه ممن يتعاطون همّ الشعر والذي كان يتوقع أن يجد عنده تفسيرًا لتلك القشعريرة! فكان يتردد لزيارتي في (مكتبة بيروت) أحد مشاريعي المتعثرة التي افتتحتها هناك، هو وصديقه اللدود الأستاذ حسين بن علي البطاط، وكانوا يعرضون عليّ -كما أشار- بعض محاولاتهم الشعرية، التي منها تحيته العينية التي أشار إليها أيضًا والتي كانت محاولة فقط لكتابة قصيدة، والتي زيّنها بهذه المقدمة:
(حروف وكلمات خارجة من القلب، ممزوجة بالعطر أهديها لأستاذنا وشاعرنا الكبير الأستاذ ناجي بن داود الحرز، تعد كبطاقة تهنئة له كصـرح أدبـي عملاق، يقوم على تشجيع من بزغت فيه موهبة الشعر، ولما كان الأستاذ ناجي أبرز الشعراء الذين يعتد بهم في الأحساء، فقد أنشدته بعض قصائدي أو مقطوعات منها وكان ذلك في مكتبته (مكتبة بيروت) وكنت إذا مررت بتلك المكتبة فإن القريحة تتحرك، لذلك حاولت أن أنظم له هذه التهنئة المتواضعة):
كلمات في غاية الشفافية ومعانٍ في غاية الجمال أثارت بما فيها من صدق فني ومشاعر غامرة حقيقية واندفاع نحو تأسيس مودة معي، أثارت شجوني فحييته بعينية دامعة بعنوان: (حنانيك ناصر..) عبرت فيها عن ترحيبي به وتشجيعي له وحنيني لبعض الأحبة الذين طال غيابهم ، قلت فيها :
والقصيدة مثبتة كاملة في ديوان ( العنقود ) ، ثم دعوته للالتحاق بنا في المنتدى، فلم يتردد لحظة واحدة، فانتظم في الحضور والمشاركة وسرعان ما بان أثر ذلك في شعره وأدبه، وقد شارك بالكثير من المواضيع المفيدة في جلسات المنتدى حسبما يوكل إليه من مدير الجلسات.
وها هو اليوم يتسنّم أعلى ذروة في مجال العلم والثقافة والأدب عالمًا وشاعرا وناقدا يفصح في كل حركاته وسكناته ويشير إلى ما تكتنز به الأحساء من مواهب استثنائية وإلى أثر المنتدى وما كان يدور فيه من حراك ثري على كل من عبروا بوابته الخضراء وسكنوا قلبه الكبير.
جديد الموقع
- 2024-11-21 توقبع اتفاقية شراكة بين جمعية أدباء بالاحساء وجمعية هجر التاريخية
- 2024-11-21 أمانة الاحساء تُكرّم الفائزين بــ ( جائزة الأمين للتميز )
- 2024-11-21 سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة
- 2024-11-21 «الغربة باستشعار اللون».
- 2024-11-21 البيت السعيد
- 2024-11-21 القراءة للكسالى
- 2024-11-21 القراءة واتباع الأحسن
- 2024-11-21 روايات أسامة المسلم بين جيلين.
- 2024-11-21 ( غرق في المجاز، مَجازٌ في الغرق ): قراءة في ديوان الشاعر جابر الجميعة
- 2024-11-20 الدكتور عبدالمنعم الحسين يدشن حملة التشجير الثالثة ببر الفيصلية