2020/12/01 | 0 | 6218
من كتاب ( حكاية الينابيع ) حكاية الأستاذ الشاعر حسن المبارك
و نواصل هنا نشر صفحات من كتاب ( حكاية الينابيع ) السيرة الإبداعية لمنتدى الينابيع الهَجَريّة من فكرة التأسيس إلى قمة النجاح ، وسيرة المودة التي توطدت حد العشق بين شعرائه ، فأصبحت مثالا يحتذى ، و قصة تؤثر من قصص الحب والوفاء .
وسنتابع هذه المرة شطرًا من حكاية الأستاذ الشاعر حسن المبارك والأستاذ حسن لمن لا يعرف تفاصيل سيرته هو حسن بن علي بن عبدالله المبارك، شاعر شعبي يكتب باللهجة الأحسائية العمرانية الصـرفة، وفصيح في حالات نادرة، ولد بقرية الحوطة في الأحساء عام 1379هـ، حاصل على دبلوم من المعهد الثانوي التجاري، متقاعد من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، بدأ محاولاته الأولى في سن مبكرة، نشـر بعض قصائده في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية وعبر بعض الإذاعات العربية، وشارك في العديد من الاحتفالات والأمسيات الشعرية، له مجموعة شعرية بعنوان (فاكهة في غير موسم)، ترجمنا له في (معجم شعراء منتدى الينابيع الهجرية) الصادر عام 1434هـ، عضو بالمنتدى منذ عام 1416هـ.
لا أدري هل أخبركم أنني بكيت عندما قرأت ما كتبه الأخ حسن عن حكايته مع الينابيع، أم أحـتـفـظ بـهـذا الســر لنفسـي حفاظًا عـلـى (أكرومتي وحيائي) كما يقول الشـريف الرضي رحمه الله؟!
بالفعل إنه لطفٌ ووفاء يهز المشاعر ويجري الدموع! ولأول مرة أكتشف هذه القدرة الهائلة لدى الأستاذ حسن على الكتابة النثرية الأدبية الراقية، إنها قدرة روائي ضخم وعاشق كبير، أتمنى أن تنسـرب هي أيضًا إلى ساحة الإبداع كما انسـربت قدرته على سبك القصائد الشعرية الشفيفة. لذلك سأصمت هنا وسأدعكم تستمتعون وربما تبكون كما بكيت من روعة المشاعر وجمال الوصف.
يقول الأستاذ حسن:
(كان عقرب الساعة يتراقص بين الرابعة والربع والرابعة والنصف عصـر خميس مشتعل بالشعر، دافىءٍ بالشوق، من شهر ذي الحجة صيف عام 1416هـ، حين قدِمتُ إلى مجلسٍ ما فارق الشعر والأدب: (منتدى الينابيع الهَجَرية) بمنزل الأستاذ ناجي بن داود الحرز، بصحبة الصديق الشاعر عبدالمحسن المطوع (أبو مهدي) الذي سبقني بالالتحاق بالمنتدى بفترة ليست طويلة طول اندفاعه وحماسه الملتهب، حيث بذل المطوع الكثير من المغريات والتشويق لإقناعي بهذه الزيارة.
رغبة عارمة كانت تدفعني لهذا المنتدى، وحياءٌ ورهبة يمنعاني، وأبومهدي لا يفتأ يتحدث عن (الينابيع) وتدفقها بين نخيلات هجَر وعن كبار شعرائه وضرورة أن نتواصل معهم، وكانت قد وُلدت -المغفور لها بإذن الله- جلستنا الأدبية بمدينة العمران بتاريخ منتصف عام 1416هـ، بمنزلي في قرية (الحوطة)، والتي باركها وشجعنا عليها أستاذنا أبوعبدالمجيد ناجي بن داود الحرز مؤسس و رئيس (منتدى الينابيع الهَجَرية).
لا أتذكر بالتحديد ما إذا كانت الجلسة الأولى أو الثانية أو الثالثة هي التي جمعتني في الينابيع مع الإخوة الشعراء زكي السالم و حمزة الموسوي وناصر النزر وحسين البطاط وغيرهم، وأنا أوزّع طفولتي الشعرية بالتساوي بين وجوههم، وقلب الأستاذ ناجي بن داود الحرز حين يقرؤون نصوصهم، وهو يرسم لأقلامهم المرتبكة معالم المستقبل بريشة الأستذة الإبداعية البارعة والأبوة الحانية، حتى إذا جاء دوري تثاءبت أوراقي متثاقلة، ودمعت عين قلمي متحايلًا، لعلي أجد مهربًا: (ماعندي شي هالأسبوع)!! فيبتسم ويحرّك الأستاذ ناجي رأسه كالمستجيب لكذبتي المكشوفة، ويرمقني بنظرة لم أحسن قراءتها حينذاك ليقول: (ما عليه.. نرجع لك بعد شوي و نشوف).
نعم هكذا كنت مع (الينابيع) في ذلك اللقاء، وفيما تلاه من اللقاءات، وكنتُ قد تعلقت بهذه الفاتنة (القصيدة) بعنقود قلبي من سنٍّ مبكرة، حيث كنت أسترق السمع -وأنا ألهو مع الصبية والصبايا في الحارة التي لم تزل قديمةً حتى كتابة آخر حروف هذه الذكريات- لكبار السن وهم يتحلّقون حول (الدّلة) والتمرة على سفرة الشعر وحكايا التاريخ و نوادر الأدب.
هكذا كنت في ذلك اللقاء أمام أديبنا وفي مجلسه مؤتزرًا بالحياء ملتحفًا بالرهبة كلما راودني الأستاذ ناجي عن موهبتي، رغم صحبتي مع النون والقلم لأكثر من عشـر سنوات على الأقـل، كـنـت أعـتـقـد خـلالـهـا أنـنـي قد وطئت شعرًا وحللت نثرًا، فلم أكن على وعي كامل بما للحضانة والبيئة المناسبة من أهمية لتنمية المواهب الشعرية والتجارب الإبداعية، حتى وصلت (الينابيع الهَجَرية) الممتدة من النخل إلى النخل باتساع الأحساء، فكانت بوّابتي إلى مدى أوسع، حدوده الحب والإنسان، وجمعتني بثلة من المبدعين الروّاد نتقاسم رغيف الوجع حول تنور الحياة بابتسامةٍ حينًا وبدمعةٍ حينًا آخر، ثلة أطلقت أجنحتي للتحليق بعيدًا عن الزوايا الضيقة إلى آفاق رحيبة، شيء أعرفه كان يشدّني لمواصلة المثول أمام تلك الثلة المبدعة، شيء يشبه السحر، ولا سحر أشدّ سطوة من الشعر! فما زلت ألبّي داعي الشعر وراعي المنتدى ومهندس تجلياته وهو يصيح كل ليلة سبت:
مِن ثمانْ ونصّ للساعة اثْنَعَشْ
يزدحم شوط المواجع بالصهيلْ
لا تفوتك نـار مضمـار العَطَـش
سجّل اسمـك قبل ما ينام الدليل
بين كاروك الشقا و بين النّعَش
كثر ما بين الحسا وبين النخيل!
ويستمر السير وتزدحم الأشواط ذهابًا وإيابًا، بين شقة في (السماء السابعة) بمنزل الأستاذ ناجي كما يسميها المريدون، وبين بستانه الذي اختار موقعه بعنايةٍ فائقة، ليكون على مسافةٍ واحدة بين كل القرى، مستقبِلًا الأحساء في صورة شعرائها، نعم الأحساء كل الأحساء، فلن تجد قرية من قراها أو ناحية من نواحيها ليس لها سفير أو أكثر في المنتدى، لتكتمل الحلقة ويدور الكأس ممتلئًا برحيق المشاعر فيرتوي الظامئون ويثمل الوالهون، إلّا من غضب عليه إله الشعر مثلي فراح يتشاغل بأكواب الشاي وفناجين القهوة، مزاحمًا سيد المكان الذي يصـرّ ويأنس بخدمة ضيوفه من الباب إلى الباب، أو بفواصل ومواقف لا تنقصها الفكاهة والظرف يقتنصها الأستاذ ناجي كعادته من السطور أو مما وراء السطور، أو بمشاغبة برائحة النقد من الأستاذ الشاعر يحيى العبداللطيف، أو بضحكة مدوّية تضجُّ بالحيوية من الشاعر العذب الأستاذ عبدالله الهميلي.
هذه هي بعض ذكرياتي في تاريخ هذا المنتدى الرائد الممتد من الخاصرة إلى الخاصرة في جسد الثقافة الأحسائية، وأحسبه قد تعدى ذلك، إنه منتدى بحجم مدرسة أدبية، أو مدرسة في صورة منتدى، وأنا التلميذ الأصغر فيه، أنام وأستيقظ بأمنيات أراها تتحقق الواحدة تلو الأخرى بجهود مؤسسه وراعيه ودعم المحدقين به من الشعراء والأدباء الكبار) انتهى كلام الأستاذ حسن و لم تنته حكايته مع المنتدى.
أما حكاية جمال روحه ورقة مشاعره فربما أكون أوجزتها في إضاءة كتبتُها وأثبَتَها في ديوانه الأول: (فاكهة في غير موسم) المطبوع عام 1436هـ قلت فيها:
(عندما يكون الشاعر (حسن المبارك) فبكل تأكيد سيكون الشعر غيمةً شفيفةً في حضن سماء صافية، أو دمعة حيرى على خدِّ عاشقٍ شريد، وهو كذلك لم يزل يترنح بين دنان الشّجى وكؤوس القصيد منذ عرَفتُهُ قبل سنين طوال، حتى قرّر أخيرًا أنْ يعترف بأنه شاعـرٌ مختلف، وبأنَّ شعره (فاكهة في غير موسم)!
وليس هذا رأي (ناجي بن داود الحرز) المتهَم بالمبالغة في إطراء رفاقه المسكونين بالعشق، بل هو رأيٌ مشاعٌ وحديث متواتر بين كل من سمع (حسن المبارك) وبلغَت به الدهشة حدّ السُّكر بهِ والبكاء معه!
لا يهمّك غيابي .. ما غِبِتْ غير فيك
ولا يزعْلك سكوتي في وجودي معك
والله انّ السوالـف في فمي تحتريـك
بسْ حَبَسها لساني .. خايفٍ تْـزعّلك
كنّ بيني و بينـك صار قلبـي شريـك
في المواصل يخوّنـي أنا ويستأمنـك
كلّ ما جيت شفته .. جالسٍ يحتريك
يمدّ لك من رضاه اغطاك ويْسَلْهمِك
إنّ مَن يعبّر عن مشاعره بمثل هذه الرقة والعذوبة الأحسائية المتناهية، وبمثل هذا الاقتدار على تطويع اللغة لدقات قلبه، ليس في حاجة لمن يبالغ في الثناء عليه، إنه بحاجة فقط لجمهور ظامئ لهذا النمير المتدفق من ينابيع (هَجَر)، (هَجَر) النخل والوجد والمواجع والألق ) .
جديد الموقع
- 2024-11-21 توقبع اتفاقية شراكة بين جمعية أدباء بالاحساء وجمعية هجر التاريخية
- 2024-11-21 أمانة الاحساء تُكرّم الفائزين بــ ( جائزة الأمين للتميز )
- 2024-11-21 سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة
- 2024-11-21 «الغربة باستشعار اللون».
- 2024-11-21 البيت السعيد
- 2024-11-21 القراءة للكسالى
- 2024-11-21 القراءة واتباع الأحسن
- 2024-11-21 روايات أسامة المسلم بين جيلين.
- 2024-11-21 ( غرق في المجاز، مَجازٌ في الغرق ): قراءة في ديوان الشاعر جابر الجميعة
- 2024-11-20 الدكتور عبدالمنعم الحسين يدشن حملة التشجير الثالثة ببر الفيصلية