2021/01/23 | 0 | 4017
كانت (حكايةُ الينابيع) في الأحساء..
كلمة المهندس الشاعر الكبير جاسم الصحيح في توقيع كتاب (حكاية الينابيع )
بسم اللهِ والصلاةُ على رسول الله وآله الأكرمين وصحبه أجمعين
ثم باسم الوطن الذي يعرّش على أبعاده كتابُ الله وقلوب المواطنين
وباسم الأحساء أقرب المدن إلى الشعر.. وبالتالي أقرب المدن إلى الحياة
وباسم الينابيع التي تُشَجِّرُ قمصانَ الترابِ الأحسائيّ بماء القصائد
وباسم الأستاذ ناجي الحرز.. وهو يؤسس ويرعى ويكتب تاريخَ هذهِ المسيرةِ وسَهَرَ لياليها
منذ الحروف الأولى، ويوثِّق الصهيلَ والهديلَ في ذاكرة الزمن فكانت (حكايةُ الينابيع) في الأحساء.. الأحساء:
أرضٌ من الشِّعرِ قَفَّينَا خريطتَها
قصيدةً، وكتبنا النخلَ عنوانا
هُنا الينابيعُ من أكمامِها انفرطتْ
عبر المدى، وتجلَّى الماءُ عريانا
وانشقَّ من كلِّ نبعٍ ما يشابهُهُ
في صنعة الفن إبداعا وإتقانا
تزهو المياهُ كفنَّانِينَ قد حشدوا
ملءَ المراسمِ أحلامًا وألوانا
في كلِّ تَلٍّ أقامَ الماءُ مَرسَمَهُ
وراح يرسم أشجارًا وغُدرانا
بعد هذا اليوم، لن يكون صعبا على الأجيال القادمة أنْ تتتبَّع نهرَ الشعر الأحسائي إلى منابعه عبر حقبة زمنية طويلة، فالخارطة والبوصلة والمجاديف والقوارب الشراعية جميعُها حاضرةٌ في هذه الحكاية.
سوف تنظر الأجيال القادمة إلى هذه المرآة المصقولة بعد أن انزاح عنها الغبشُ وتلاشى الضباب، وترى فيها الأشجار التي حافظت على ثباتها في المكان صونا للجذور ورسالةً للأغصان.
أتصفح هذه الحكاية فأشعر أن الذاكرة تقدم لي دواءً يحميني من الشعور بداء الوحدة، حيث أتذكر فجرَ اللقاءات في ليل الحدائق، وأناملَ النسيم الناحلة تدلِّك مشاعرنا بالنعومة حتى نستشعرَ طعم السكَّر في الليالي الهجرية الحالمة.
كنَّا نضبط مواعيدَنا على عقربِ الدقائق في ساعة المنتدى،
ثُمَّ نجيءُ نحن المطحونين بين صراع إلهين : الزمن هذا الإله المتعطش لدمائنا، والشعر هذا الإله المتعطش لقرابين الكلمات، لكننا نستعين بإله على آخر.. نستعين بالشعر على الزمن وتنطلق المقاومة من فوَّهات القصائد حتى النصر الأخير.
كان منا شعراء اختاروا الشعر، وكان منا شعراء آخرون اختارهم الشعر.. فأمَّا الذين اختارهم الشعر، فقد واصلوا مشوار الكتابة إلى هذه اللحظة، وأمَّا الشعراء الذين اختاروا الشعر فقد تقطَّعت بهم السُّبُلُ، ولم يكملوا ذلك المشوار الجميل.
أتصفح حكاية الينابيع.. هذا التاريخ المؤرشف أرشفةً مسؤولة فأشعر كأنني أدير شريط الذكريات واتابع المشاهد على شاشة الذاكرة، ولا اعرف من أيِّ مشهدٍ أهرب وإلى أيِّ مشهدٍ ألتجئ.
في دروب الحكاية، قابلتُ بعض قصائدي الأولى تطلُّ عاتبةً عليَّ لأنني تركتُها في زاوية النسيان وكأنها جثثٌ لم تجد لها قبورا، بينما كانت تحلم أنْ تعيش كائناتٍ لغويةً حيَّةً في أحد دواويني.. دنوتُ منها وحاولتُ التعرف على ملامحها بعد كل هذه العقود، لاحظتُ عليها جراح النشأة، وتذكرتُ نشوتي بولادتها حين كنتُ أعتقد أنّ تاريخ العبادة بدأ عندما سجد القلمُ على أوراقي سجدته الأولى، وأنّ تاريخ الشهادة انطلق عندما طعنتُ بريشتي خاصرةَ المحبرة.
في دروب الحكاية، قابلت من جديد عشرات الشعراء الذين ذهبوا بالروح والجسد واللغة إلى أقصى المغامرة، وأخذوا معهم الكلمات وظلالها في نزهة عبر غابات البديع وحقول الدلالات..
في دروب الحكاية تذكرتُ ما كنَّا عليه:
ونحنُ والشِّعرُ أترابٌ سواسيةٌ
في لعبةِ الوقتِ لا خُنَّا ولا خانا
نحياهُ حُرِّيَّةً كُبرى فنقبسُهُ
من كلِّ (جِنِّيَّةٍ) عَقَّتْ (سُليمانا)
زمانُنا زمنُ الفرسانِ مُتَّصِلًا
ما دام يصنعُ منَّا الشعرُ فرسانا
و(طَرْفَةٌ) سيِّد الفتيانِ (طَرْفَتْـ)ـنا
فلم تزلْ (مَنْ فتًى؟) تُغري صبايانا
ولم نزلْ حيث سرَّحنا قصائدَنا
نلقَى أوابدَهُ ترعى بمرعانا
تَوَهَّجَتْ في مآقينا رغائبُهُ
-(تلك الثلاثُ)- وشَفَّتْ عن خفايانا
يا شِعرُ يا زرقةَ الأنغامِ ناشرةً
على (الخليجِ) من الآهاتِ قمصانا
تَصَرَّمَتْ من زمان (الغوصِ) حِقبتُهُ
وارتدَّ عنها (خليجُ) الأمس أسيانا
يا شِعرُ.. خُذْنَا هُنا (بَحَّارَةً) ضَرَبوا
عبرَ (العَروضِ) محيطاتٍ وخِلجانا؟!
فـ(ـالغوصُ) عندكَ ما زالتْ مواسمُهُ
تترَى، وما زلتَ للمجهولِ رُبَّانا
جديد الموقع
- 2024-12-24 الشاعر علي النحوي يشعل الجمهور بقصائده الفنّية الإنسانيّة
- 2024-12-24 جمعية الأدب بالأحساء تحتفي باليوم العالمي للغة العربية
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع