2023/09/05 | 0 | 1735
علم الأخلاق بين الاستاذ أحمد أمين والشيخ محمد امين.
يعتبر المفكر المصري أحمد أمين من الأسماء التي كان لها دورا في بناء الثقافة العربية المعاصرة لغزارة انتاجه وتنوع بحوثه في مجالات عدة، وذلك لأنه يعتبر من أوائل المفكرين العرب الذين انفتحوا على الثقافة الغربية العلمية، وفي الوقت نفسه حاول أن يكون معتدلا في افكاره، وموازنا بين الأصالة والحداثة، لذلك كانت لمؤلفاته أثرا كبيرا في العالم العربي، وقد كانت النجف الأشرف تتابع نتاجاته الفكرية وتتلقاها بالمطالعة والنقد، وكانت لها معه وقفات فكرية، ومن هذه الوقفات هذه الوقفة التي أريد أن اتحدث عنها اليوم، وهي التي تدور رحاها حول علم الأخلاق.
فمن أهم الكتب التي أصدرها أحمد أمين هو كتاب الأخلاق، وفي هذا الكتاب يقدم لنا أحمد أمين نمطا جديدا في تناول الأخلاق لم تعرفه المدونات الأخلاقية باللغة العربية، لا كتب الأخلاق الدينية المعنية بالتزكية والمواعظ الأدبية ولا الكتب الفلسفية المعنية بالحكمة العملية وتهذيب الأخلاق، وهذا النمط الجديد في تناول الأخلاق هو النمط الغربي في تناول علم الأخلاق، وهذا النمط محتلف في هيكلة العلم وفي المسلمات والمنطلقات التي ينطلق منها فهو مثلا ينطلق من منطلقات فلسفية لا يمكننا القبول بها كمسلمين، كالتشكيك في كثير من القضايا التي نعتبرها نحن بديهية وفطرية ولا تقبل التشكيك ويعتبرونها مجرد عادات وتقاليد مشكوك فيها و يجب تجاوزها.
ومثل بعض المواقف الفلسفية التي تحصر العلم في إطار ضيق وهو البحث الطبيعي المادي.
وبغض النظر عن الدخول في تفاصيل علم الأخلاق الجديد فيهمنا هنا أن نشير إلى أن نسجل ثلاث ملاحظات حول كتاب الأخلاق لأحمد أمين.
الملاحظة الأولى: وهي أن أحمد أمين قد حافظ على انتمائه الإسلامي وفطرتهم السليمة ورفض فكرة الأخلاق النسبية وتمسك بوجود الفطرة الإنسانية.
الملاحظة الثانية : وهي أن أحمد أمين عند استعراضه لأقوال الفلاسفة الأخلاقيين وعند استعراضه لمراحل تطور علم الأخلاق قد قفز قفزة عظيمة قد انتقل بها من الحضارة اليونانية الى الحضارة الغربية متجاهلا عصر الحضارة الإسلامي ومتجاهلا كل ما أنتجته الحضارة الإسلامية من بحوث أخلاقية، وكأن الأخلاق عاشت غريبة في الحضارة الإسلامية، وكأن الأخلاق لم تمتزج بكل المعارف الإسلامية امتزاجا لا يمكن فصله، فالأخلاق في منظومتنا الإسلامية كانت هي آداب البحث، ومنهج العلم، وأساس العقل، وروح الشريعة، وغاية بعثة الأنبياء، وميراث الرسول ص، ولم ينصف هذا الإرث الحضاري الأخلاقي العريق ولو بسطر واحد.
الملاحظة الثالثة، وهي أن الكتاب يتميز بالسلاسة في الطرح، والتنظيم المنهجي، والدقة العلمية، وهذا ما جعل الكتاب يحتل مكانة كبيرة في العالم العربي بحيث صار الكتاب منهجا تعليميا في العديد من المدارس والجامعات.
ولما انتشر الكتاب في العالم العربي تلقفه القراء من كل مكان، وكان من ضمن من قرأ الكتاب ورد عليه ردا غير مباشر هو سماحة الشيخ محمد أمين زين الدين البحراني في كتاب أسماه علم الأخلاق عند الإمام الصادق.
وتكمن جمالية هذا الكتاب في أنه يجمع بين الأصالة والتجديد، فالكتاب يطرق العديد من المسائل الأخلاقية التي لم يعتد طرحها في الكتب التراثية، ويعالجها ببراعة من خلال للعودة إلى علم الأثر والحديث، وكأنه يطرح هذه المسائل المستحدثة على الإمام الصادق ويستنطق الجواب منه من خلال أحاديثه المروية عنه.
وربما يعتبر الشيخ محمد امين زين الدين من اوائل العلماء الذين قدموا رؤية علمية معاصرة لعلم الأخلاق، وفي نظري أن اطروحته رغم اختصارها هي الأعمق والأكثر منهجية، فإذا قارنا كتاب الشيخ محمد امين مع كتاب دستور الأخلاق في القرآن لعبد الله دراز وهو من روائع الكتب الاخلاقية المعاصرة لوجدنا كتاب دستور الأخلاق يدرس الأخلاق من زاوية قانونية، وهذا تضييق لسعة الأخلاق، وهذا الكتاب عبارة عن دراسة مستفيضة في قرابة 600 صفحة من الحجم الكبير بينما كتاب الأخلاق عند الإمام الصادق قرابة 150 صفحة من الحجم الصغير، ولكن دراز لم يعطي تصورا واضحا لعلم الأخلاق مجردا دون ربطه بالقانون، وهذا ما فعله الشيخ محمد امين بحيث إعاد بناء علم الأخلاق بروح جديدة معاصرة وفي نفس الوقت تنبض بروح الأصالة، ومما لا شك فيه أن كتاب دستور الأخلاق لدراز قد ترك أثره على كل من أتى بعده في العالم العربي، ومعظم من كتب في فلسفة الأخلاق الإسلامية قد تأثر بشكل وآخر بإطروحة دراز مثل الشيخ مغنية في كتابه فلسفة الأخلاق، ومقداد يالجن في كتابه الأخلاق الإسلامية، ويوسف القرضاوي في كتابه أخلاق الإسلام.
ومما يؤسف له أن كتاب الأخلاق عند الإمام الصادق لم يحظى باهتمام كبير من الباحثين في فلسفة الأخلاق وفي علم الأخلاق المعاصر، وربما ذلك لأنهم توهموا من العنوان أنه كتاب تقليدي وعظي في الأخلاق، ولم يخطر ببالهم أنه كتاب عميق في فلسفة الأخلاق.
فالكتاب يتناول أهم القضايا الجدلية في علم الأخلاق القديم وعلم الاخلاق الجديد، فهو يشق طريقا إسلاميا محضا لا يميل إلى الفلسفة اليونانية ولا إلى العلم الحديث، فهو يصحح طريق علم الأخلاق الجديد من خلال تصحيح المفاهيم والمنطلقات مثل تحديد موضوع علم الأخلاق،فهو لا يرتضي موضوع الفلاسفة السعادة ولا موضوع العلم الحديث الأفعال الاختيارية ويرى أن موضوع علم الأخلاق في نصوص الإمام الصادق هو جهاد النفس باتباع العقل، وكذلك الحال في بقية موضوعات ومنطلقات علم الأخلاق فهو يعيد تعريف أهم موضوعات ويعيد توجهها التوجيه الصحيح بالاستناد إلى الآثار المروية عن الإمام الصادق مثل إعادة تعريف السعادة، وتعريف الخير، وتعريف الاعتدال والانحراف، وتعريف الإنسانية، وتعريف الضمير، وتعريف الفضيلة وأنواعها، وأصول العلاج الخلقي.
ولا يمكن في هذا المقال المقتضب تلخيص هذا الكتاب الرائع ولكن هذه دعوة لقراءة هذا الكتاب الذي يعيد تعريف الإنسان ويضعه في مكانته التي وضعه الله فيها والتي لن يحصلها إلا بالأخلاق.
جديد الموقع
- 2025-01-14 أسرة المهناء بالمطيرفي تحتفي بزفاف ابناء الحاج "جواد " تهانينا
- 2025-01-14 " المؤرخ وتدوين تاريخ الأحساء الموسوعي "
- 2025-01-14 أسباب الإخفاق في الإلتزام بقرارات العام الجديد
- 2025-01-14 هل بإمكان الجزر أن ينظم نسبة السكر في الدم؟
- 2025-01-14 محتوى الكلمات ينشط العمليات الدماغية التي تجري في اللاوعي وتشكل انفعالاتنا وقراراتنا وسلوكنا
- 2025-01-13 تنظيم علاقة الإنسان بريه
- 2025-01-12 إل جي تطلق متجرها الرائد في المملكة العربية السعودية بحفل افتتاح كبير
- 2025-01-12 البلادي يشدو بشدة القافلة في أمسية غناء البادية في ختام "معرض الإبل عبر العصور"
- 2025-01-12 7 شعراء يؤثّثون سادس أمسيات مهرجان الشارقة للشعر العربي
- 2025-01-12 تحت شعار تمرنا من خير واحتنا سمو أمير الشرقية يرعى انطلاقة النسخة العاشرة من مهرجان تمور الأحساء المصنّعة