2019/11/11 | 0 | 7186
رحيل سماحة آية الله السيد محمد علي العلي السلمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. [طه: 25-28].
في الرواية عن الإمام الصادق (ع): «إذا مات المؤمن الفقيه ثُلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء». [الكافي، الكليني1 :38]. وفي رواية أخرى: «وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه». [الإرشاد، الشيخ المفيد1: 231].
ارتحل عنا بالأمس أحد أعلام المنطقة، من أساتذة الحوزة العلمية، وهو آية الله السيد محمد علي ابن السيد هاشم السلمان، رحمة الله عليه.
ولد هذا السيد الجليل في النجف الأشرف عام 1355 هـ، من أبوين كريمين. فأمه (رحمها الله) هي كريمة المرجع الكبير السيد ناصر السلمان المقدس، ووالده العلامة السيد هاشم، ابن الحجة السيد حسين السلمان.
وهذه الليلة ، ليلة الأحد، خصصت لسماحته يصلي فيها في هذا المسجد، مسجد العباس في المطيرفي. وقد كان (رضوان الله عليه) يتردد لسنوات طويلة على هذه القرية، وبالخصوص في هذا المسجد، ويبين الأحكام الشرعية والمعارف الإسلامية. ولأكثر من أربعة عقود كان يمارس هذا الدور في هذا المسجد.
رحلته العلمية:
لقد تعلم المغفور له القراءة والكتابة، وقراءة القرآن الكريم، وله من العمر إحدى عشرة سنة، ثم التحق في عام 1366 هـ بالحوزة العلمية في الأحساء، ودرس فيها المقدمات على يد السيد محمد ابن السيد علي الحسن السلمان، لفترة وجيزة تناهز السنة الواحدة. ثم سافر إلى مسقط رأسه في النجف الأشرف عام 1367 هـ لإكمال دروسه هناك، حيث كانت النجف هي مركز الحوزة العلمية. وحضر هناك عند والده العلامة السيد هاشم، وكذلك السيد طاهر ابن السيد هاشم السلمان. كما حضر عند السيد ناصر ابن السيد هاشم العلي.
وبعد أن قضى فترة غير قليلة عاد إلى الأحساء عام 1373 هـ وتزوج، ثم رجع إلى النجف الأشرف لمواصلة مشواره العلمي الدراسي. فدرس مرحلة السطوح، وهي المرحلة الثانية في الحوزة.
ومن باب الفائدة نذكر هنا أن تسلسل الدراسة في الحوزة العلمية يمر عبر ثلاث مراحل، هي المقدمات، ثم السطوح بقسميها، ثم البحث الخارج.
أما المقدمات فقد درسها السيد الفقيد في الأحساء، ثم واصلها في النجف الأشرف. وأما السطوح فدرسها في النجف الأشرف أيضاً على يد ثلة من العلماء، فقد حضر عند ابن عمه السيد ناصر ابن السيد هاشم العلي، وعند سماحة الشيخ كاظم النجفي الهندي، وكذلك الشيخ علي البحراني، وهو أخو سماحة المرجع زين الدين. كما حضر عند السيد محمد حسين الحكيم رحمه الله.
وأما مرحلة البحث الخارج فقد وفقه الله تعالى للحضور عند كبار العلماء آنذاك، وعلى رأسهم زعيم الحوزة العلمية السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره) حيث حضر لديه الدورة الأولى في الأصول، في مسجد الجواهري، في بداية بحث السيد الخوئي. وفي تلك الدورة أُطلق لقب «زعيم الحوزة» على السيد الخوئي لمتانة وقوة بحثه. وقد أكمل السيد الفقيد هذه الدورة بالكامل، وقررها أيضاً.
كما حضر عند آية العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، ذلك الفيلسوف الذي سبق زمانه في العلوم والمعارف والأطروحات التي طرحها، والتي تشهد عليها مؤلفاته التي تركها خلفه. وكان سماحة السيد محمد علي من الأوائل الذين حضروا درس السيد الشهيد (رضوان الله تعالى عليه)، وتربطه به علاقة خاصة. كما حضر عند آية الله السيد نصر الله المستنبط، وهو من كبار العلماء في النجف الأشرف.
العودة للأحساء:
وبعد أن قضى فترة ليست بالقصيرة في النجف الأشرف، عاد إلى الأحساء في عام 1396 هـ واستقر فيها. ومنذ ذلك التاريخ وهو يتصدى لقيادة المجتمع في المنطقة، بالقيام بواجبه الديني الشرعي. ويعدّ من العلماء البارزين في المنطقة والمناطق المجاورة أيضاً. فالجميع في هذه المناطق سمع بهذا الاسم، وعرف قدره ومنزلته. كما أن له شهرة واسعة على الصعيد الحوزوي فضلاً عن الاجتماعي، إذ كان من كبار العلماء في الحوزة العلمية.
فعلى الصعيد الحوزوي تصدى للدرس والتدريس منذ الوهلة الأولى لعودته، ولم يجلس في بيته، بل مارس هذا الدور، وفعّل دور الحوزة العلمية، فقد كانت الحوزة موجودة سابقاً، إلا أن دورها لم يكن بتلك الفاعلية والمستوى الذي هي عليه اليوم، وهذا الدور يحسب له (رضوان الله عليه). فالحوزة الأحسائية اليوم لا يستطيع أحد تجاوزها وتجاهل دورها ومكانتها. أما قبل مرحلة السيد محمد علي فلم تكن تذكر ولا يشار إليها بالبنان، ولا يعلم عنها ما صار يعلم عنها فيما بعد. وهذه من بركات جهوده التي بذلها في هذا المجال.
ومن الجدير بالذكر هنا أن سماحة السيد هو الوحيد الذي حضر لديه الكمّ الكبير من الأعلام في المنطقة، فأغلب الذين درسوا في الأحساء ووصلوا إلى مرحلة الخارج حضروا لديه. بل حتى في المقدمات والسطوح التي بدأ بتدريسها أولاً عند عودته من النجف، حضر عنده الكثيرون أيضاً، وهم أغلب طلاب المنطقة.
وقد استمر بممارسة التدريس حتى السنة الماضية من عمره الذي بلغ ثمانية وثمانين سنة، وقد وفقني الله تعالى لحضور جانب من درسه والحمد لله، إذ لم أكن حاضراً في البلاد، ولكن عندما استقر بي المقام هنا وُفقت للحضور تحت منبر درسه الشريف، وكان درسه لا يقل عن دروس الأفاضل في النجف الأشرف وقم.
أما على الصعيد الاجتماعي فقد تصدى للصلاة في الكثير من مناطق الأحساء، وهي الطريقة المألوفة في المجتمع لمن أراد تبليغ الأحكام والمعارف الإسلامية. وقد تردد على الكثير من القرى، ومنها قرية المطيرفي التي لها مكانة خاصة في قلبه، ولا سيما هذا المسجد المبارك، مسجد العباس. وكان دائماً يصرّح بذلك. وكانت ليلة الثلاثاء معروفة في تواصله مع المجتمع عن طريق المسجد.
ولم يقتصر في بيان الأحكام والمعارف على المسجد، إنما كانت له جلسات خارج المسجد، في الكثير من البيوت التي كان يجلس فيها ويتحدث ويحاضر.
أما على صعيد الوكالة فقد تصدى منذ وقت مبكّر، فقد كان عند عودته للمنطقة وكيلاً لسماحة السيد الخوئي (رضوان الله عليه)، وقد مارس هذا الدور بوضوح. ولكن كانت ممارسته للوكالة ثانوية، ولم يعطها ذلك الزخم والدور، لأنه يرى أن هناك أهمية لأمور أخرى مقدَّمة على ذلك.
وكذلك تصدى للوكالة بعد السيد الخوئي (رضوان الله عليه)، عن السيد الكلبايكاني، وكذلك عن السيد المرجع علي السيستاني (حفظه الله). وكذلك على صعيد العقود، حيث كانت لسماحة السيد دور بارز في إجراء عقود الزواج، وكان هناك الكثير من الشباب يتمنى أن يحظى ببركة العقد على يد السيد الفقيد.
وقد تميز رحمه الله على أقرانه بأمور، نذكر منها:
1 - أنه تصدى للدرس والتدريس إلى آخر سنة من حياته، حيث بقي إلى السنة الماضية – كما قلنا – وهو يمارس التدريس.
2 – حضوره في المجالس الحسينية، حيث تميّز (رحمه الله) بحضوره الدائم لمجالس الإمام الحسين (ع) لا سيما في الجامع الكبير، وفي منزله المبارك في منطقة النزهة. وكذلك القراءة في منزله طيلة السنة، إذ لم تتوقف ولم تفتر، ليس في محرم وصفر، إنما على مدار السنة. وكان شديد الإصرار على الحضور في تلك المجالس المباركة، مجالس أهل البيت (ع) وقد شاهد الكثير منكم تلك المقاطع في أيام الأربعين، التي لم تفصلنا عنها سوى أيام معدودة، وقد رأيناه يحضر في الجامع الكبير، على كرسي متحرك، وفي وسط العزاء، وهو يبكي. ومن هنا ليس من الفراغ أن يطلق عليه «سيد الشعائر» حيث كانت له خصوصية مع مناسبات أهل البيت صلوات الله تعالى عليهم.
3 – تميز في كتابة الشعر في النبي (ص) وأهل البيت (ع) فلا تكاد تمر مناسبة إلا ويترك له بصمة واضحة في تلك المناسبة، سواء كانت من مناسبات الفرح أم الحزن، وكان يكتب القصيدة ويطلب من قارئ العزاء أن يقرأها وهو حاضر، والشواهد كثيرة، وهنالك الكثير ممن قرأ له من فوق منبر الحسين (ع).
4 ـ تميز بإقامة مولد جدته السيدة الزهراء (ع) منذ أن عاد للمنطقة، وعلى مدى أربعين سنة كان يحيي هذه المناسبة.
وفي الختام، رحل عنا في يوم الثلاثاء من هذا الشهر، وفُجعت به الحوزة العلمية وفُجعت به الأحساء. وهذا الحضور المميز في تشييعه يوم الخميس ما هو إلا دليل واضح وجلي على ما بذله للحوزة والمجتمع. فهذا الحضور العفوي للآلاف في تشييعه إنما هو دليل على دوره البارز ومنزلته العظيمة في النفوس.
وبهذه المناسبة أقدم شكري الجزيل لأبناء قرية المطيرفي التي تميز حضورها في التشييع ومجلس الفاتحة، لا سيما في التنظيم الذي لم يقصر فيه شباب القرية، وهذا حق واجب علينا تجاه سماحة السيد لما بذله لنا ولآبائنا قبل ذلك. وكذلك في تقديم التعازي لأسرة الفقيد، لا سيما العلامة السيد محمد رضا، ابن آية الله السيد محمد علي، وإلى الأسرة كلها، والحوزة العلمية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-11-23 جمعية الكشافة تُشارك في الاحتفاء باليوم العالمي للجودة
- 2024-11-23 العرابي يتوّج في الاحساء بطلاً للجولة الثالثة والأخيرة لمنافسات بطولة السعودية تويوتا الدرفت 2024
- 2024-11-23 الفتح يتصدر ترتيب الأندية في الدوري المشترك للبلياردو
- 2024-11-23 ذاكرة القلم
- 2024-11-23 الأدلجة السلوكية
- 2024-11-23 في يومين : الأدباء الشباب في ضيافة ابن المقرب
- 2024-11-23 أفراح الملفي و الفليو تهانينا
- 2024-11-22 عادات قرائية مفيدة
- 2024-11-22 مع أن الأديان تتحدث عن قيمة التواضع الفكري، لكن قد يصعب على رجال الدين بشكل خاص تطبيق ما يدعون إليه الناس
- 2024-11-22 يرجع الفضل في استمرارك في تذكر كيف تركب دراجتك الهوائية إلى منطقة المخيخ في دماغك.