2019/12/09 | 0 | 4962
حسن الخلق ـ 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. [طه: 25 – 28].
عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : «إن الله عز وجل جعل محاسن الأخلاق وصلة بينه وبين عباده، فحسبُ أحدكم أن يتمسك بخلق متصل بالله تعالى».[نزهة الناظر، الحلواني: 52].
الحديث في هذه الجمعة من هذا الشهر المبارك، شهر ربيع عن الأخلاق، في زمن كثرت فيه الأزمات الأخلاقية في المجتمعات وعلى جميع الأصعدة، الاجتماعية والأسرية وغيرهما. فما أحوجنا إلى الرجوع إلى ما كان عليه الإنسان منذ أن خلق، فالإنسان يولد على الفطرة، بمعنى ما أراده الله عز وجل.
ورد عن أبي ذر الغفاري أنه قوله : كان الناس ورداً بلا شوك، فأمسوا شوكاً بلا ورد. وهي كلمة جميلة من هذا الصحابي الجليل ربيب رسول الله (ص) وعلي بن أبي طالب (ع) فهو خريج هذه المدرسة المحمدية العلوية. فالناس يولدون على الفطرة، والفطرة هي الورد، ولكن إذا اختلط الإنسان بالمجتمع المليء بالأزمات الأخلاقية البعيدة عن الإنسانية التي كانت ولا زالت وسوف تستمر، إلا من رحم ربي، فإنه يصبح شوكاً بلا ورد. فالإنسان إذا ما تسلح بسلاح الأخلاق كان بعيداً عن هذه الأزمات.
يقول الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :
«يعيب الناس كلهم زماناً وما لزماننا عيب سوانا
نعيب زماننا والعيب فينا ولو نطق الزمان بنا هجانا
وإن الذئب يترك لحم ذئبٍ ويأكل بعضنا بعضاً عيانا»().
[الأمالي، الشيخ الطوسي: 178].
فالعيب فينا نحن لا في الزمان، فالزمان ظرف للفعل، إن كانت محاسنُ فهي من الإنسان، وإن كانت مساوئ فمنه أيضاً، فالإنسان عندما يبتعد عن القيم الإسلامية والإنسانية يعيش أزمةً أخلاقية.
فنحن اليوم يأكل بعضنا بعضاً بشتى الطرق والوسائل والصور، ومن تلك الصور الغيبة، قال تعالى : ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيْهِ مَيْتَاً فَكَرِهْتُمُوْهُ﴾. [الحجرات: 12]. أما الذئب فلا يأكل لحم أخيه على ما هو عليه من وحشية وحيوانية.
ففي زماننا هذا، وفي كل زمان، كانت الحاجة للأخلاق الإنسانية حاجة ماسّة وضرورية كي يعود الإنسان لما كانت عليه فطرته لتتحقق السعادة، ولا سعادة بلا فطرة وأخلاق، لا في النفس ولا في الأسرة ولا في المدرسة ولا في أي مكان.
والمولود يولد على الفطرة كما تذكر الروايات الشريفة، ولذلك يجب أن يحرص الكبير على بقائه على فطرته التي ولد عليها، وهذه مسؤولية الأبوين والأسرة بشكل عام والمدرسة والمجتمع.
والسؤال هنا: ما هي الأخلاق التي ورد الحث عليها كما في الحديث الذي افتتحنا به الكلام، وهي التي وصفها أمير المؤمنين (ع) بأنها وصلة بين العبد وربه؟
الجواب : إنها الأخلاق الحسنة التي تتجسد في شخصية المؤمن.
والأخلاق جمع الخُلُق، وهي حسن المعاشرة مع الناس، فلا هي معادلات رياضية ولا كيميائية ولا غيرها.
فمن الأزمات التي نعيشها اليوم، أنك تسأل عن البعض أصحابه، فتجده يتحلى بالخلق الرفيع، ولكن لو سألت عنه أسرته لوجدته بركاناً. فهو مع أصحابه وردة، ومع عياله شوكة، حال أن حسن الخلق لا بد أن يكون على جميع الأصعدة وفي جميع المجالات، لا في جانب دون آخر. وهذه الأخلاق هي التي تكون صلة بين العبد وبين ربه. والمنطلق الأساسي لجميع المجالات الأخرى هو البيت والأسرة.
كان لدى أحد الأئمة (ع) عامل يعمل في البيت، فدخل على الإمام (ع) فرآه مستلقياً على ظهره، وأطفاله يصعدون عليه وينزلون. فتعجب ذلك العامل الخادم مما رأى، وانبهر مما رأى من معاملة الإمام لأبنائه، فقال له الإمام : هكذا طلب منا. أي أن نتعامل مع الطفل بالرأفة والرحمة.
ثم سأله الإمام (ع) : وأنت، ماذا تفعل مع أبنائك؟ قال: إذا دخلت البيت فالنائم يستيقظ، والواقف يجلس، من الرهبة التي يشعرون بها. فقال له الإمام (ع): خذ هذا الأجر على ما مضى من عملك، وما يأتي أيضاً، وانصرف. فأنت لا تستطيع أن تكون حسن الخلق مع الغير وأنت تتعامل بهذا الشكل مع أبنائك.
نلاحظ أحياناً أن بعض الآباء يشتكي ولده، ولكن لو سألنا عن كيفية تعامله مع ولده منذ أيام الصغر لما وجدنا لديه برنامجاً صحيحاً. فقد ولد هذا الولد على فطرته ورداً كما يقول أبو ذر، ولكنك جعلته يتحول إلى شوك، لأنك لم تحسن تربيته، فأنت السبب في ذلك.
نعم، هنالك تأثير للمدرسة والمجتمع والبيئة، ولكن عليك أن تؤدي ما عليك من مسؤولية.
أما عن أهمية حسن الخلق، فإن حسن الخلق من أهم الصفات التي تمتاز بها الإنسانية وترتبط بالإنسان المؤمن على الأخص، وهي من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها.
يقول رسول الله (ص) : «الخلق الحسن نصف الدين». [بحار الأنوار، المجلسي68: 385]. وعن الإمام الباقر (ع) : «إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً». [الكافي، الكليني2: 99].
وقد جاء رجل أمام النبي (ص) فقال : يا رسول الله ما الدين؟ فقال له: حسن الخلق. ثم قال له ثانية: ما الدين يا رسول الله؟ فقال: حسن الخلق. وهكذا قال الثالثة فأجابه النبي (ص) بنفس الجواب.
ومن المعروف أن النبي (ص) يخاطب الناس على قدر عقولهم، فتارةً يجيب هذا الأعرابي على مقدار ما لديه من عقل وإدراك، ويجيب الآخر بنفس الميزان.
إن الهدف من بعثة الأنبياء هو حسن الخلق، وإتمام مكارم الأخلاق، وهذا واضح وصريح. قال رسول الله (ص) : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». [بحار الأنوار، المجلسي16: 210].
فالأخلاق ليس وليدة اليوم، ولم تولد مع الإسلام، إنما كانت قبل الإسلام أيضاً، ولذلك يؤكد النبي (ص) أنه جاء ليتمم مكارم الأخلاق، أي ليزيد عليها ويهذبها ويحيي ما اندثر منها من الشرائع السماوية السابقة. وقد التفّ العرب القرشيون وغيرهم حول النبي (ص) قبل البعثة لأنه كان يتميز بالصدق والأمانة، وهي من أبرز مكارم الأخلاق. وكذلك الأئمة (ع) مع ما كانوا يعيشونه من الضغوط إلا أنهم دخلوا قلوب الناس وهيمنوا على مشاعرهم بسبب حسن الخلق.
وهنالك علاقة وثيقة أيضاً بين العمل العبادي وحسن الخلق، فمن عمل عملاً عبادياً ولم ينعكس على أخلاقه فعليه أن يراجع نفسه وحساباته.
فقد جاء أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) إليه فسأله : كيف أعرف أن صلاتي مقبولة؟ قال الإمام: هل تنهاك صلاتك عن الفحشاء والمنكر؟ فقال: لا. قال : إذن لا قيمة لصلاتك هذه سوى إسقاط الواجب.
فالعمل العبادي فيه جانبان: جانب الامتثال، وجانب الثواب. فالامتثال يسقط التكليف، أما الثواب فيكون على أمر آخر، وهو حقيقة تلك العبادة ومقدار ما ينعكس منها على السلوك والواقع الاجتماعي.
وكذلك سائر الأعمال من حج وصوم وزكاة وزيارة وغيرها. فمن يعود من زيارة الأربعين وليس هنالك انعكاس على سلوكه وخلقه، فعليه أن يراجع نفسه.
والحديث في هذا الصدد طويل، وسوف نحاول مواصلته في الأسبوع القادم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-11-26 مؤسسة رضا الوقفية لتنمية الإبداع المعرفي تحتفي بالدكتور سعيد بن عبدالله الوايل
- 2024-11-26 افراح العبدرب النبي والعامر تهانينا
- 2024-11-26 عبر مؤتمر إعلامي رئيس مجلس إدارة صبّاحات يعلن المشاركة في سيف الملك وشلفا ولي العهد
- 2024-11-26 أمير الشرقية يطلع على آخر الاستعدادات للمؤتمر الدولي السادس لمدن التعلم ٢٠٢٤م
- 2024-11-26 القاهرة تشهد إنطلاق مبادرة كرتنا ثقافتنا أكبر مبادرة رياضية ثقافية في الوطن العربي
- 2024-11-26 رصد اصطدام بين مجرتين بسرعة مليون ميل في الساعة بتفاصيل غير مسبوقة.
- 2024-11-26 فداك عمري.. أبي
- 2024-11-26 وزير السياحة يستعرض الفرص الاستثمارية ويكشف عن دعم السياحة في الأحساء بـ 17 مشروعًا نوعيًا تتجاوز قيمتها 3.5 مليارات ريال
- 2024-11-26 حلول ابتكارية وتقنية للتحديات التي تواجه المصانع في مجال الكيمياء .. هاكاثون بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل
- 2024-11-26 المركز الجامعي للإعلام والاتصال بايوثون الأحياء ملتقى علمي في تطبيقات الذكاء الاصطناعي على الكائنات الحية في منطقة الخليج العربي بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل