2024/11/01 | 0 | 94
العوامل الخارجية للسلوك الإجرامي
مع كتاب علم الإجرام د/ عبد الله بن أحمد الشعلان، الطبعة الأولى 1440 هــ / 2019 م
مفهوم الجريمة:
تكمن أهمية تحديد مفهوم الجريمة بشكل دقيق لعلم الإجرام في أن تعريف الجريمة يحدد نطاق موضوع علم الإجرام ويرسم حدوده، هذا بالإضافة الى أن تعريف الجريمة يتحدد معه أسباب الجريمة التي يدرسها علماء الإجرام.
يقصد بالعوامل الخارجية الظروف الخارجية:
التي تحيط بالإنسان وتؤثر في تكوين شخصيته وتوجيه سلوكه، وتسمى بالعوامل البيئية. وإذا ربطنا بين العوامل الخارجية وظاهرة الإجرام سميت تلك العوامل بالعوامل الإجرامية. والعوامل التي لا صلة للفرد بها تخرج من عداد الظروف التي تتكون منها بيئة الفرد، ونعني بذلك أن بيئة الفرد تقتصر على العوامل الخارجية التي نحيط به شخصيا دون غيره، لذا فإن عناصر البيئة تختلف باختلاف الأفراد، وهذا يقودنا إلى التمييز بين ما يسمى بنسبية البيئة ووحدة البيئة.
نسبية البيئة:
يقصد بنسبية البيئة أن لكل فرد بيئته الخاصة به، وتتحدد بناء على درجة اتصاله وتأثره بها، وقد يشترك شخصان في نفس الظروف الخارجية ومع ذلك يكون لكل واحد منهما بيئته الخاصة به، وذلك بسبب عاملين: درجة الاتصال، ومدى التأثر. وقد تختلف بيئة الفرد الواحد بحسب المكان والزمان؛ فبيئة الفرد في مرحلة الطفولة غير بيئته في مرحلة الشباب، وغير بيئته في مرحلة الكهولة. وبيئته في مكان عمله غير بيئته في الحي الذي يسكنه وهكذا.
وحدة البيئة:
البيئة هي وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة، ونعني بذلك، أن أثر البيئة على الفرد يقصد به مجموع ناتج تفاعل العوامل الخارجية المختلفة المحيطة بالفرد، فلا يتأثر الفرد إلا بهذا التأثير الإجمالي. وهذا يعني أنه لا يمكن أن ترجع الأثر في سلوك الإنسان إلى عامل واحد فقط، بل إلى عوامل متعددة كوحدة متكاملة.
وإذا تعارضت العوامل الخارجية فيما بينها، فسيكون الأثر على سلوك الفرد للأقوى منها، فإذا تفوقت عوامل السوء على عوامل الخير انحرف الفرد، فمثلا إذا نشأ الفرد في أسرة منحرفة، وانضم إلى صحبة سيئة وقع الفرد في براثن الجريمة، أما إذا نشأ الفرد في أسرة صالحة وحظي بالتربية السليمة كانت له وقاية ووجاء من أثر عوامل السوء. فانضمام إلى رفاق السوء في المدرسة مثلا يخلق تعارضا بين عاملين: الخير والشر. فإذا تغلبت الأسرة في تأثيرها على الفرد نجا.
أهمية العوامل الخارجية في علم الاجرام:
تكمن أهمية العوامل الخارجية في أنها تكمل الجانب الآخر في تفسير الظاهرة الإجرامية؛ فالعوامل الداخلية، تفسر إجرام بعض الأفراد، في حين أن العوامل الخارجية تفسر إجرام طائفة أخرى، فالعوامل الداخلية وحدها لا تستطيع أن تقدم تفسيرا متكاملا للسلوك الإجرامي، فقد تتوافر عوامل داخلية لدى بعض الأفراد ومع ذلك لا يرتكبون جميعهم السلوك الإجرامي وإنما يرتكبه بعضهم. لذا لابد من الرجوع إلى تأثير العوامل الخارجية التي ينشأ بها هؤلاء الأفراد، والتي دفعت بعضهم إلى ارتكاب السلوك الإجرامي، وهذا يقودنا إلى القول بأن الجريمة هي نتاج تفاعل عوامل داخلية وعوامل خارجية.
1- الأسرة:
الأسرة هي الخلية الأولى في تكوين المجتمع وهي الجماعة الأولية للفرد، ومن خلال وظائفها المتعددة التي أوكل لها المجتمع تقوم بتشكيل وتطبيع وتهذيب سلوك الأفراد، لذا فالأسرة تقوم بدور مهم في دعم واستقرار المجتمع. وتعد الأسرة من قوى التنشئة الاجتماعية الأكثر أهمية في حياة الفرد؛ فهي تعلم الفرد كيف يضبط سلوكه، ويؤجل متعته، ويحترم الآخرين، ولكن قد يعتري الخلل بناء أو وظائف الأسرة، مما يعوقها عن القيام بأدوارها على الوجه المطلوب، وبذلك يصبح أفرادها عرضة للسلوك الإجرامي؛ فقد تعلم الأسرة أفرادها سلوك العنف، والسلوك غير الاجتماعي والعدوانية، لذا فالأسرة قد تسهم بشكل مباشر في تكوين وتطوير الميل إلى السلوك الإجرامي.
فعلى سبيل المثال، ضعف إشراف الوالدين على أطفالهما كأحد السمات السلبية للأسرة قد يعد من عوامل الخطورة التي قد تؤدي بالأبناء إلى الانحراف أو الجريمة في المستقبل. فالأطفال الذين يأتون من أسر تفتقد إلى ذلك الإشراف هم أكثر عرضة للانحراف والجريمة من أقرانهم الذين يأتون من أسر سليمة.
وقد تناول علماء الإجرام الأسرة وعلاقتها بالسلوك الإجرامي بالدراسة من خلال زاويتين: زاوية بناء الأسرة، وزاوية وظائفها. ويقصد ببناء الأسرة تلك الوحدات الأساسية المكونة لها وأنماط العلاقات بين أفراد الأسرة؛ فاختلال بناء الأسرة والذي قد يكون من أسبابه الطلاق، أو وفاة أحد الوالدين، أو الانفصال ينتج عنه ما يسمى بالتفكك الأسري أو التصدع الأسري، أما وظائف الأسرة فيقصد بها طبيعة العلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي داخل الأسرة.
فيما يتعلق بالخلل الذي يصيب بناء الأسرة، فقد أشارت العديد من الدراسات إلى أن التفكك الأسري بسبب الطلاق أو الوفاة أو الانفصال يؤدي إلى وجود أبناء لديهم نقص في التنشئة الاجتماعية والذين قد ينتهي بهم المطاف إلى الوقوع في السلوك الإجرامي. للتعرف على أثر التفكك الأسري على السلوك الإجرامي، وتوصلت الدراسة إلى أن الأطفال الذين يعيشون في أسر مفككة بسبب الطلاق أو الانفصال، هم أكثر احتمالا الممارسة العنف في الكبر خاصة إذا تعرضوا إلى سوء في التنشئة الاجتماعية.
توفر العلاقات الأسرية المحتوى الجيد للأطفال لتعلم القيم الأخلاقية وضبط النفس وعاطفة الحب، والثقة، كما تحقق الاحتياجات العاطفية للكبار. وعلى الرغم من أن الأفراد في المجتمعات الحديثة يتأثرون بمصادر وعوامل أخرى غير الأسرة، إلا أن الأسرة تبقى عاملاً مهما في تفسير السلوك الانحرافي.
2- جماعة الرفاق:
لم يغفل علماء الإجرام علاقة جماعة الرفاق بالسلوك الإجرامي، جماعة الرفاق بأنها مجموعة أفراد متساوون تقوم بينهم روابط طبيعية على قدم المساواة وفقا لميولهم ويعبرون عن أنفسهم تعبيرا ذاتيا، إذ إنها نوع الاتصالات التي يمكن القيام بها. فالأحداث يقضون جل وقتهم مع رفاقهم، ويولوهم اهتمامهم، ويتأثرون هم بشكل كبير، فخلال مرحلة المراهقة، تصبح جماعة الرفاق قدوة للأحداث إن اختلاط الحدث وتفاعله مع رفاق السوء لاسيما رفاق المنطقة السكنية ورفاق المدرسة والمنحرفين يعد من العوامل الهامة التي تدفع الفرد إلى ارتكاب والوان الإجرامي، فالفرد يتأثر بسرعة كبيرة بأصدقائه ورفاقه أكثر من تأثره بوالديه ومدرسته.
وتمارس جماعة الرفاق دوراً مهما في التنشئة الاجتماعية لأن الأفراد يحاولون الالتزام بتوقعات جماعة الرفاق. على أن جماعة الرفاق لـهــا مــن التأثير على أعضائها ما يجعلهم مستعدين أن يخالفوا قيم المجتمع ومعاييره من أجل مصالح وقيم وتوقعات الجماعة، أي جماعة الرفاق، لذا فهم تحت ضغط الجماعة في الامتثال المعاييرها. وجماعة رفاق السوء يدفعون الفرد نحو الانحراف والجريمة، حيث تقوم بتعريف الفرد بالعادات السيئة كالإدمان على الخمر وتعاطي المخدرات والمقامرة والرهان وغيرها من الأمور السيئة التي تجلبها رفقة السوء.
3- الفقر:
من الشائع النظر إلى مفهوم الفقر على اعتبار أنه انعدام الدخل، ولكن هناك من الباحثين من ينظر إلى الفقر على أنه العجز في الحصول على الاحتياجات الأساسية، أو الفشل في امتلاك قدرات أساسية معينة.
وعند تعريف الفقر يبرز لنا ثلاثة أنواع من الفقر: الفقر المطلق، والفقر النسبي والفقر الشخصي؛ فالفقر المطلق يقاس من خلال مبلغ من المال الضروري لتوفير الاحتياجات الأساسية من طعام، وملبس، ومسكن، هذا التعريف للفقر المطلق لم يتضمن جودة الحياة بمفهومها الواسع، لذا فهذا المفهوم للفقر فشل في إدراك الحاجات الأخرى الاجتماعية والثقافية للأفراد.
وتكمن أهمية الفقر في أنه يرتبط بجميع مقومات الحياة، حيث ترى نظرية الحلقة المفرغة للفقر أن انخفاض مستوى الدخل يؤدي إلى انخفاض المستوى الصحي للفرد، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى المقدرة على العمل، وهذا بدوره يؤدي إلى انخفاض مستوى الدخل، وأن انخفاض مستوى التعليم يؤدي إلى انخفاض مستوى المهارات والمؤهلات، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى الدخل، وهذا يقود إلى انخفاض المستوى التعليمي.
وما يهمنا هنا هو التعرف على دور الفقر كعامل من العوامل الخارجية البيئية في السلوك الإجرامي، حيث تشير الكثير من الدراسات إلى أن للفقر علاقة في ارتكاب السلوك الإجرامي.
4- الاعلام:
يعد الإعلام مؤسسة اجتماعية غير تقليدية، تقاطعت وظائفها مع وظائف المؤسسات الاجتماعية الأخرى كالأسرة، والمدرسة. ويرى البعض أن الإعلام تفوق على تلك المؤسسات في تأثيره على سلوك أفراد المجتمع، وبعد الإعلام أحد مؤسسات التنشئة الاجتماعية.
وتشير الدراسات إلى أن مشاهدة العنف في وسائل الإعلام يؤدي إلى الآثار الرئيسة التالية:
1- بالنسبة للمعتدي، زيادة في العدوان، وسلوك العنف تجاه الآخرين.
2- بالنسبة للضحية، زيادة في الخوف وعدم الثقة، واتخاذ سلوك الحماية الذاتية
(حمل للسلاح).
3- بالنسبة للمتفرج، زيادة في بلادة الإحساس، والقسوة، واللامبالاة تجاه ضحايا
العنف.
4- بالنسبة للنزعة السلوكية، زيادة في الميل نحو المخاطرة باستخدام أدوات العنف.
وتؤكد الدراسات على أن هناك علاقة موجبة وقوية بين مشاهدة العنف في التلفاز والسلوك العدواني بين مختلف الفئات العمرية، كما أن التعرض للعنف في التلفاز يخفض من مستوى السلوك الاجتماعي الإيجابي. وقد أفرز عصر المعلومات الحالي نمطا إعلاميا جديدا يختلف عن النمط الإعلامي التقليدي في سماته ووسائله، كما يختلف في سعة تأثيره على مجالات مختلفة في المجتمع، لدرجة أن البعض أطلق على العصر الحالي عصر الإعلام؛ نظر العمق تأثيره وقوة توجيهه.
وتعد وسائل التواصل الاجتماعي مظهرا من مظاهر الإعلام الجديد والتي تعني الاندماج ما بين التكنولوجيا والعلاقات الاجتماعية، وقد أخذت بالانتشار الواسع بين المجتمعات في فترة قصيرة تويتر وفيس بوك والواتس اب على سبيل المثال.
وهناك اتصال واستمرارية للسلوك الإجرامي في عالم الاتصال الالكتروني، والإنسان في العالم الإلكتروني هو نفسه في العالم الحقيقي، وجد في هذا العالم مكانا فسيحا دون قيود تمنعه من ممارسة كل ما هو ممنوع في عالمه الحقيقي، ولمن له دوافع إجرامية وجد في هذا العالم فرصا كثيرة للكسب المادي غير المشروع.
جديد الموقع
- 2024-11-05 كلية الحاسب بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تستضيف ورشة عمل مبادرة منح رواد البحث والابتكار في الأمن السيبراني
- 2024-11-04 القراءة وكسر التنميط
- 2024-11-04 لماذا يكثر الكتّاب في آيسلندا؟
- 2024-11-03 حسن اليحيى عريسا في قاعة الاحساء
- 2024-11-03 قراءة في يسرق الليل نجومي
- 2024-11-02 تكريم التشكيلي الصندل بعد 13 عاما من وفاته
- 2024-11-02 الأحساء منفذ للتأشيرة الموحدة
- 2024-11-02 التوازن الدقيق بين الانفعالات الايجابية والسلبية
- 2024-11-02 الأنف يكشف علاقتنا بالإنفعالات
- 2024-11-02 عبر أربعة إصدارات جديدة نادي خيمة المتنبي يدشن مجازه الأول