2018/02/24 | 0 | 3927
سماحة الشيخ محمد العباد : فلسفة الثواب والعقاب
بسم الله الرحيم ، افضل الصلاة وأتم التسليم على أشرف انبياء الله وخاتم رسله سيدنا ونبينا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين.
قالت سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام في الخطبة الفدكية وهي في معرض بيان فلسفة المبادئ والأحكام الشرعية في خطبتها قالت : - (ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَهِ، ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ.) 1
السيدة الزهراء عليها السلام تجيب على سؤال قد يختلج الكثير من الأذهان وهو لماذا جعل الله سبحانه الثواب على الأعمال الصالحة الخيرة ؟
،ولماذا جعل العقوبة على الأعمال السيئة ؟ هل الله سبحانه وتعالى محتاج الى هذا الجزاء أم ان الأمر يرجع للإنسان ولمصلحته !
فلسفة الثواب والعقاب
تجيب السيدة فاطمة عليها السلام على هذا السؤال بجواب ينسجم أولاً مع مايحتاجه الإنسان من الجزاء وسواء كان ثوابا وترغيبا أم عقوبة وإنذارا وتحذيرا. ،
و كذلك ينسجم مع فلسفة القرآن الكريم عندما يتناول موضوع الثواب والعقاب في آيات كثيرة تبين أهداف وفلسفة الثواب والعقاب في القرآن الكريم
- الأمر الأول : -
فيما ينسجم مع واقع الإنسان فالناس يختلفون في أمر اندفاعهم إلى مافيه خيرهم وصالحهم كذلك ارتداعهم عما فيه خسارتهم وضررهم وهذا الأمر يرجع حتى في قضايانا الإعتيادية الحالية الموجودة التي يعيشها كل إنسان. ،
و كمثال بسيط نعيشه قضية ربط حزام الامان في السيارة هذا قانون عالمي ، لكن عندما لم تكن هناك عقوبة رادعة فالإنسان يتهاون في الإلتزام بهذا القانون العالمي المقنن منذ سنوات طويلة ، وعندما شددت الغرامة فالغالبية يلتزمون بربط الحزام خصوصاً عند اقترابه من نقاط التفتيش رغم انه قانون في مصلحة الفرد نفسه ، هنا العقوبة تعتبر رادعة عن المخالفة،
كذلك تقديم الأجر مقابل العمل يعطي اندفاعه للفرد نحو العمل . فمبدأ الثواب والعقاب قانون منسجم مع الطبيعة البشرية ،
و طبعا لا نشك أن هناك صنفا لايحتاجون إلى قانون الثواب والعقاب وهم الأولياء الصالحون
فهم لايحتاجون الى مبدأ الثواب والعقاب بقدر حاجتهم الى حسن العمل الحسن وقبح العمل القبيح لذلك يندفعون نحو الأعمال الحسنة ويرتدعون عن الأعمال القبيحة
روي عن الإمام علي عليه السلام : - " لو كنا لانرجوا جنة ولاناراً ولاثواباً ولاعقاباً لكان ينبغي لنا أن نطالب بمكارم الأخلاق فإنّها ممّا تدلّ على سبيل النجاح 2
فهذا صنف خاص من البشر يرتقي إلى أعلى درجات الكمال فمثل أمير المؤمنين لاينظر إلى مبدأ الثواب والعقاب وإنما ينظر إلى حسن العمل وقبحه فمادام العمل حسن يقدم عليه ومادام سيئاً يرتدع عنه.
و يقول الإمام الرضا (ع) : - " لو لم يخوف الله الناس بجنة ونار لكان الواجب أن يطيعوه ولايعصوه لتفضله عليهم وإحسانه إليهم ومابدأهم به من إنعامهم للذي استحقوه" 3
فهذه الدوافع كافية لأن تدفع الإنسان لطاعة الله عز وجل ، لمكارم الأخلاق وشكر المنعم لما أنعم بها على الإنسان ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) 4
لكن أغلب الناس بحاجة الى من يدفهم إلى العمل الحسن بالثواب والى مايردعهم عن العمل القبيح بالعقاب ،
إنسجام نظرية الجزاء مع القرآن الكريم
- دفع الإنسان نحو الإستقامة
بتجنب العقاب والرغبة في الثواب
- قال تعالى في الترغيب : - (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا(33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا(35) ) 5
فهنا ترغيب من الله عز وجل للإنسان بنيل هذه المقامات والنعم التي وعدها الله للمؤمنين في جنته.
وقال سبحانه في الترهيب : - (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِّلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) ) 6 وهذا تبيان لعقاب الله عز وجل للعاصين ليتصور مالذي ينتظره فيكون رادعاً له قبل ارتكابه للمعاصي والآثام
فهذا هو الهدف الأول من مبدأ الجزاء وهو الدافعية وتحصين الإنسان من الإنحراف والثبات على طريق الأستقامة .
تحقيق العدل
فلايمكن أن يتساوى من يعمل الصالحات ويحمل بداخله التقوى والخوف من الله عز وجل مع من هو منحرف سلوكياً وفكرياً و متهاون بالواجبات ويأتي بالقبائح والمعاصي . فلابد من وجود الثواب والعقاب من الله عز وجل على العمل الصالح والعمل القبيح ،
قال تعالى:- (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ) 7
- (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ ۚ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ) 8
فلايمكن لأعمى البصيرة وهو بعيد عن الله عز وجل وطاعته وهو مدرك ويستوعب مبدأ الجزاء وآخر ايضاً مدرك يأتي بالصالحات
لايتساوون في الجزاء حتى لو تساوى إدراكهما ،
إتاحة الفرصة للموازنة
لابد للإنسان المؤمن أن يكون هو ميزان عمله ويقيم أعماله بميزان الخير والشر والحسن والقبيح والثواب والعقاب ،
-- قال تعالى : -
(اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) 9 فلايعيش المؤمن الخوف وعدم الثقة بالله المؤدية به الى اليأس من رحمة الله وتوبته وثوابه ولا يكن في أمان مطلق و الذي يؤدي الى التساهل في أحكام الله عز وجل
- قال تعالى : - (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) 10
ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَه
لماذا عبرت السيدة الزهراء (ع) بكلمة (جعل) في الثواب و(وضع) في العقاب ؟
لأن الثواب هو تفضل من الله عز وجل ، ونحن مهما أطعنا الله إنما في ذلك شكر له سبحانه على نعمه علينا ، فإذا اعطانا الثواب يوم القيامة فذلك راجع إلى تفضله سبحانه علينا .. لذلك قالت عليها السلام جعل ..
وعبرت بالعقاب بكلمة (وضع)
كلمة وضع بمعنى أنزل ووضع شيئا على شيء ( وضع االعقاب على معصيته) بمعنى أن الله لايعاقب إلا من استحق العقوبة وبمقدار العمل فيضع العقوبة وينزلها عليه ،
ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ
أي حجزاً وإبعاداً للعباد عن النقم الدنيوية والآخروية لإن الإنسان عندما يرتكب المعصية فإن خلف المعصية نقمة
وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ أي أن الله ماجعل الثواب على الأعمال وماوضع العقوبة على المعصية إلا سوقا الى الجنة وما ذلك الا رحمة منه علينا ولنا
والحمدلله رب العالمين.
جديد الموقع
- 2024-12-26 نحو معارض للكتاب الخيري
- 2024-12-26 معادلة الانتصار الإلهي والقيم العليا
- 2024-12-26 أحياة هي أم ظروف حياتية؟
- 2024-12-26 د.نانسي أحمد أخصائية الجلدية :العلاج البيولوجي أحدث وأهم الخيارات في معالجة الصدفية
- 2024-12-26 "ريف السعودية" ونادي الشباب يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز المسؤولية المجتمعية
- 2024-12-26 تجهيز عربة عيادة أسنان في الأحساء
- 2024-12-26 4 مليارات لفرص المسؤولية الاجتماعية خلال 21 شهرًا
- 2024-12-26 نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء
- 2024-12-26 ما الكون إلا زمان .. إلاك
- 2024-12-25 قراءة في حياة الشاعر علي الحمراني