2018/03/27 | 0 | 4220
سماحة الشيخ محمد العباد :الصلاة وضبط السـلوك الإنـفعالي
تحدثنا في خطبة ماضية حول دور الأبوين في محافظة الأبناء على الصلاة ووعدنا أن تكون هناك سلسة مكملة حول فلسفة الصلاة وفوائدها ، حتى يكون المصلي مدركا لهذه الفلسفة ومستشعرا لدور الصلاة وأهميتها على الصعيد النفسي والسلوكي وفي كل جوانب الحياة .
-- معنى السلوك و الإنفعال : -
هناك مصطلحان موجودان عند علماء النفس مرتبطا بأخلاقيات الفرد هما السلوك والإنفعال
يعرف علماء النفس السلوك على ( أنه عبارة عن نشاط حيوي يصدر عن الفرد نتيجة لتفاعلة مع البيئة المحيطة به ) . فالإنسان قد يكون سلوكه متأثرا ببعض العوامل الإنفعالية بداخله من الإجهاد نتيجة عوامل خارجية من محيط العمل والأسرة وغيرها
أما الإنفعالات فيعرفها علماء النفس ( أنها عبارة عن حالات نفسية ووجدانية تتملك الفرد بشكل فجائي بسبب تعرضه لموقف ما ).
فاالإنفعال هو حالة طارئة قد تحدث بعد مرحلة السكينة والهدوء نتيجة التعرض لموقف محرك للحالة العاطفية قد يكون هذا الإنفعال بالضحك او بالبكاء و الفرح والحزن ،فهذا الشعور يعبر عنه بالإنفعال وهذه الإنفعالات تنعكس على سلوكيات الفرد الخارجية .
وفي كل العصور والأزمنة قد يتعرض الفرد للإنفعالات التي تؤثر على سلوكياته حتى في عصرنا الحالي الذي يعبّر عنه بعصر العلم والوعي لكن جانب التأثير الإنفعالي له دور كبير في طبيعة السلوك .
- وكل فرد مختلف عن الآخر في مواجهة هذه الإنفعالات بحسب طبيعة سلوكياته وتأثير الإنفعالات عليه ، فنجد شخصا هادئا في موقف ما وآخر سريع الغضب في نفس الموقف ، رغم وحدة الموقف لكن درجة الإنفعال تختلف باختلاف تفسير الموقف بشكل إيجابي أو سلبي مما ينعكس على سلوكه.
- هناك من يبحث عن طرق متعددة للسيطرة وضبط السلوك الإنفعالي ، ومن جهة علمية قد يتم علاج بعض الإنفعالات عن طريق المهدئات أو بالعلاج النفسي ، وأود أن اشير هنا أنه بطبيعة الحال ليس كل الإنفعالات تعتبر سلبية ، فبعض الإنفعالات ضرورية ، لكن الإنسان بحاجة إلى أن يسعى دائماً لعلاج وضبط الإنفعالات السلبية .
- في التربية الدينية نجد أن أفضل وسيلة لضبط الإنفعالات الموجودة عند الأنسان هي المحافظة على الصلاة ، فإذا تمسك الإنسان بهذه الفريضة وأدرك فلسفتها والعلم بأهميتها ويعلم لماذا يصلي ولماذا يركع ولماذا يقرأ ويتشهد فهذا العلم بأهمية بالصلاة والمحافظة عليها يعتبر من أهم العلاجات لضبط السلوك الإنفعالي عند الفرد .
الدكتور توماس من علماء النفس متحدثاً عن الصلاة يقول : - ( إن الصلاة اهم أداة عرفت حتى الآن لبث الطمأنينة في النفوس وبث الهدوء في الأعصاب ) فالعلاجات من الأقراص و ستئر الأدوية التي يلجأ إليها الإنسان و البعيدة عن الصلاة قد يكون تأثيرها مؤقتا ولها اعراض جانبية سلبية تؤثر على صحة الجسم .لكن الصلاة علاج لايوجد فيه أعراض جانبية سلبية فهي كلها إيجابيات ومحاسن و لها الآثار الكبيرة جداً في ضبط الإنفعالات الصادرة من الإنسان فليس هناك وسيلة وعلاج أفضل من الصلاة ، ومع الإلتفات هنا أن الصلاة التي يشير اليها توماس غير الصلاة التي نعنيها نحن في ديننا الإسلامي ، بل أن الصلاة في الإسلام اكثر تأثيراً وتميزاً كما ذكرت الآيات القرآنية ،فالصلاة المسيحية مجرد وقفة وحركات مختصرة بسيطة بالدعاء ،لكن الصلاة في الإسلام بالإضافة إلى الأدعية والأذكار لله هناك مميزات مختلفة وفريدة من نوعها لاتجدها في غير الصلاة عند المسلمين .
ضوابط الصلاة للإنفعالات : -
- الشعور بالكرامة
وذلك عند الوقوف بين يدي الخالق عز وجل الجامع لكل الكمالات المطلقة ،فالإنسان بطبيعته ضعيف ونستطيع إدراك ضعف الإنسان حين ندرك احتياجه لدخول الخلاء وخروج السموم من جسمه مما يجعله يشعر بالخجل أن يفعل ذلك أمام الناس فهذه حالة تجبر الفرد أن لايشعر بالعظمة عند الآخرين ، لكن عند الوقوف بين يدي الله عز وجل فإنه يستشعر بالعظمة والكرامة ويبدأ الصلاة بكلمة (الله أكبر) ومنذ لحظة التكبير يبدأ الإرتباط بأكبر من كل شيء في هذه الدنيا وترك كل شيء مهين وزائل في الحياة فيستشعر الإنسان بالكرامة من خلال هذا الموقف الذي يقفه أمام الله عز وجل ، فعندما يتيقن المؤمن بأن الصلاة هي أكبر موقف في الحياة فإن لذلك تأثيرا إيجابيا لضبط الإنفعال السلوكي في كل موقف مادون الصلاة ودون الله عز وجل . (كفى بي عزاً أن اكون لك عبداً ، وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً ، انت كما أحب فاجعلني كما تحب) فالإنسان في هذا الموقف يستمد العزة والكرامة والعظمة من صاحبها فتخلق الصلاة حالة التوازن الإنفعالي عند الفرد .
- الطاقة الإيجابية: -
هناك طاقة سلبية قد تتمكن من الإنسان فيستشعر الضعف لكن الوقوف في الصلاة بين يدي الله عز وجل يجلب الطاقة الإيجابية
قال تعالى : - ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) 2 هذه الطاقة الجالبة للعون والراحة والنظرة الإيجابية للأمور بامتلاك القوة الإيمانية الروحية والنشاط .
وفي قول النبي الأعظم(ص) : - (أرحنا يابلال)
وقول الله تعالى : - (وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) 3
تأكيد على أن الطاقة الإيجابية التي تعني الصبر لايمكن ان نحصل عليها إلا من خلال الإلتزام والمحافظة على الصلاة
- مواجهة المخاوف : -
وبطبيعة الإنسان القلق والخوف من الآتي والخوف من الإقدام على شيء جديد أو مقابلة أشخاص جدد أو مواجهة ظروف جديدة ، وقد عالج الإسلام هذه المخاوف والإضطرابات والقلق المصاحبة للإنسان في إقامة الصلاة والمحافظة عليها ،
قال تعالى : - (۞ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * *الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) فالإنسان المصلي يشعر بالإطمئنان والإيمان بأن الله هو المدبر للكون والحياة والأرزاق (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) 5 رسائل باعثة للإطمئنان النفسي عند الإنسان وإلى تدبير الله في الأرزاق مع سعي الإنسان لذلك الرزق فإن أبواب الرزق مفتوحة .
-- و قد روي عن الإمام الصادق (ع) ( إذا اصابك هم فامسح بيدك على موضع سجودك وامسح بها على وجهك ، ثم قل بسم الله الذي لاإله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم اذهب عني الهم والحزن ) فموضع السجود للإنسان المصلي والمحافظ على الصلاة فيه من الأسرار الجالبة للراحة النفسية والأثر الإيجابي على روحيته.
-- ضبط الغضب : -
ويعتبر الغضب من أخطر الإنفعالات السلبية على الإنسان
وقد ذكرنا أن الصلاة في الإسلام تتميز بعمق أثرها على الفرد أكثر من الدعاء في المسيحية بمسمى الصلاة ،
الصلاة الإسلامية تتميز بالحركة من الوقوف والركوع والسجود مما يؤثر تأثيرا إيجابيا على ضبط الإنفعالات لاسيما إنفعال الغضب .
و قد روي عن النبي الأعظم (ص) أنه قال : - " إذا غضب أحدكم وكان قائماً فليقعد أو قاعداً فليتكئ أو عليه بالوضوء" .
قد تواجه الفرد مشكلة تثيره وتسبب له حالة إنفعال من الضيق والحزن وفي هذا قال تعالى : - (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) وهذه دعوة من الله خالق البشر والعالم بعلاج كل أمراضهم النفسية بالإلتزام بالصلاة والسجود كعلاج لحلات السلوك الإنفعالي.
قال تعالى :- (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) 7 في خطبة لاحقة بإذن الله سنستعرض دور الصلاة وأثرها في محو الذنوب وتكفيرها . والحمدلله رب العالمين
جديد الموقع
- 2024-12-26 نحو معارض للكتاب الخيري
- 2024-12-26 معادلة الانتصار الإلهي والقيم العليا
- 2024-12-26 أحياة هي أم ظروف حياتية؟
- 2024-12-26 د.نانسي أحمد أخصائية الجلدية :العلاج البيولوجي أحدث وأهم الخيارات في معالجة الصدفية
- 2024-12-26 "ريف السعودية" ونادي الشباب يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز المسؤولية المجتمعية
- 2024-12-26 تجهيز عربة عيادة أسنان في الأحساء
- 2024-12-26 4 مليارات لفرص المسؤولية الاجتماعية خلال 21 شهرًا
- 2024-12-26 نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء
- 2024-12-26 ما الكون إلا زمان .. إلاك
- 2024-12-25 قراءة في حياة الشاعر علي الحمراني