2012/10/21 | 0 | 3426
تفسير ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (3)
أما إذا لم يظهر العدل على أفعال الإنسان أو معتقداته أو عباداته أو جميع شؤونه فإن أعماله لا تمثل الحمد, وبالتالي لا يكون الإنسان حامداً لله. وإن جميع ما يتلفظ به من حمد هو مجرد لقلقة لسان. فالعقيدة هي ما يظهر على الأفعال, وبقدر ظهور العدل على أفعال الإنسان وحركته وقراراته, بقدر درجته في الحمد. لذلك أنزل الإنسان إلى الدنيا لكي يبتلى أيكون حامداً أو يكون كفورا. وكذلك يبتلى المؤمنون بدرجة حمدهم فيميزون, وكان أحمد الخلق هم محمد وآل محمد (ص), وجعل المولى عز وجل إتباعهم هو العدل وهو الصراط المستقيم, ليصبح الإنسان عادلاً في جميع شؤونه, حامداً لخالقه, ويصل إلى درجات الحمد. (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(76)) سورة النحل.
ماهية الصراط المستقيم
الصراط المستقيم هو العدل, والعدل يتحقق باتباع الشريعة التي يرضى بها الله عز وجل عن الإنسان, وهي الشريعة التي شرعها المولى عز وجل للإنسان ليكون حامداً له, ويصل إلى مقامات القرب. فبعد أن آمن الإنسان بالآخرة وبالحساب والجزاء, وجب عليه العدل. فمظهر الإيمان بالحساب هو العدل (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61)) سورة الزخرف. وبمعنى آخر فإن الإيمان بالحساب يستوجب طلب الهداية إلى صراط مستقيم. فمن تمام الحمد لله عز وجل وحمده على الحساب والجزاء هو العدل, والعدل لا يتحقق باتباع الهوى أو بالغلو, وإنما باتباع نهجه القويم وشريعته التي لا يشوبها أي انحراف.
(إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(56)) سورة هود, المولى عز وجل عادل, ولابد أن يطبق العدل في الدنيا ويحاسب عليه في الآخرة, ويشرع العدل لعباده, ويأمر بالعدل. فمن حمده عز وجل على عدله, وعلى شريعته للعدل هو اتباع صراطه المستقيم. ومن يبغ عن الصراط المستقيم ويرفضه فقد أنكر عدل الله, ومن أنكر عدل الله لم يوحده ولم يحمده, بل كفر به.
إتباع الإمام هو الصراط المستقيم
إن من حمد الله عز وجل بعد توحيده والإيمان بيوم الحساب, هو العمل على صراط مستقيم, وهو أن تكون جميع أعمال الإنسان هي مظهر الحمد, فتظهر الجوارح الحمد القلبي, فتتوافق جميع أفعاله مع الحمد فتمثل الصراط المستقيم, وذلك هو حقيقة حمد الخالق وليس مجرد التلفظ بذلك.
والإمام هو من يمثل حمد الخالق وهو يمثل الصراط المستقيم, لأنه الأعلم بأحكام الدين, وهو الذي يهدي إلى الحق بأمر الله كما سبق ذكره, وعنده علم الكتاب, وآتاه الله من لدنه علما, فأصبح إتباع الإمام شرط من شروط الحمد, وأصبح إتباع الإمام هو حمد الخالق, وأصبح إتباع الإمام هو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم.
إن الإمام هو مصداق حمد الخالق وهو الذي يرشد البشرية بكيفية الحمد, وهو خليفة الله في الأرض, وهو الذي يهدي إلى العدل, والخليفة لابد وأن يطاع, لذلك فإن إتباع الإمام الذي يعمل على تكامل جهود الصالحين هو حقيقة الحمد الكلّي لأعمال الإنسان, بل هو حقيقة الحمد الكلي للبشرية. فتصبح جميع أفعال البشر تدور في نفس فلك العدل الذي يرسمه خليفة الله في الأرض للبشرية لكي تحقق بأجمعها حمد خالقها, ولذلك خلقهم, والحمد لله رب العالمين.
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30))- سورة البقرة.
لذلك فإن مخالفة الإمام هي مخالفة لله عز وجل وحتى لو كان الإنسان عابداً, ذلك لإنه يفسد المنظومة البشرية التي تعمل بشكل متكامل ومتعاون لحمد خالقها بقيادة خليفة الله في الأرض. وإذا كان الإنسان عاصياً لإمامه فهو لم يطع الله الذي جعل عليه خليفة في الأرض, ولم يحقق شرط أساسي من شروط حمد الخالق. وضد الحمد هو الكفر بالنعمة (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8))- سورة التكاثر.
إن إبليس, عليه اللعنة, لعدم خضوعه للأمر الإلهي بالسجود لآدم, والسجود هنا بمعنى الخضوع والإتباع, طرد من الرحمة الإلهية, لأنه لم يصبح حامداً بإخلاله بشرط من شروط الحمد وهو إتباع إمام زمانه وهو آدم عليه السلام, هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنه يصبح مخل بالنظام الكوني القائم على حمد الخالق بقيادة الإمام, وهو سبب وجود الكون, وهو الحمد.
وكل نظام لابد وأن يتخلص ويطرد المخلين به لكي يستقيم. وإذا كان هذا النظام هو برحمة الله عز وجل, وهو نظام حمد الخالق, فإن معارضين النظام الإلهي القائم على حمده عز وجل, ويصدون عن شرع الله, هم مطرودون من رحمة الله (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ (18) سورة الأعراف. ومن أمثلة الذين يصدون عن سبيل الله, هم الذين يقتلون الأنبياء والأئمة والصالحين بغير الحق,أو يستهزئون بهم ويطمسون آثارهم, أو يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(21)) – سورة آل عمران.
وفي حديث بإسناده إلى المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصراط فقال: هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل. وهما صراطان: صراط الدنيا، وصراط في الاخرة، فاما الصراط في الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الاخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة، فتردى في نار جهنم.
علي (ع) الصراط المستقيم
إذا كان الصراط المستقيم هو إتباع التشريع الأمثل الذي يحقق حمد الخالق في كل حركات وسكنات وعقائد الإنسان, فإن الصراط المستقيم هو سبيل الله في الحياة الدنيا ولابد وأن يمثله بشر لكي تكون حجة الله بالغة. فالبشر يحتاجون لإنسان مثلهم يشعر كما يشعرون, ويألم كما يألمون, وكذلك يمثل الصراط المستقيم في كل أفعاله وأقواله, وأن لا يكون ملكاً أو خلقاً مختلفاً, بل بشراً يتبع الرسول ويمثل التشريع في حركته وهو الإمام علي عليه السلام والأئمة من ولده (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153)) سورة الأنعام.
فالرسول الأعظم يأمر الأمة باتباع الإمام علي عليه السلام كمصدر وممثل للتشريع والأحكام الإسلامية حتى لا تتفرق بهم المذاهب والسبل. فعلي (ع) هو الأعلم بالقرآن وبالأحكام وبالتشريع, وهو الأحق بالإتباع, وهو الذي يهدي إلى الحق ويأمر بالعدل وكما ورد في الحديث (علي مع الحق والحق مع علي).
وبمعنى أشمل فإن إعطاء منصب الولاية للأئمة من بعد الرسول الأعظم واتباعهم هو الصراط المستقيم. وهو أن يتبع الإنسان الإمام العادل العالم بالتشريع, ويرى أن الإمام أولى به من نفسه, لأنه يمثل خط الرسول, ولا يتبع أي سبيل آخر أو أي داعية ليس له بينة أو ليس بإمام. ففي حديث عن أبى عبد الله عليه السلام " اهدنا الصراط المستقيم " قال: (الطريق ومعرفة الامام), وفي حديث له آخر:(هو أمير المؤمنين ومعرفته), وفي حديث آخر( والله نحن الصراط المستقيم). فالإمام علي والأئمة من بعده هم الذين يأمرون بالعدل ويمثلون الصراط المستقيم.
ومن جهة إدارية للدولة الإسلامية حتى تستقيم, فلابد لها من إمام يأمر بالعدل ويقيم الدين, وتكن له الولاية بالاتباع ما أمر بالعدل. فإن انحرف عن العدل سقطة ولايته. وإن الأئمة الذين لا يأمرون بالعدل هم أئمة ضلال (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ(41)) سورة القصص.
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين