2024/09/05 | 0 | 598
النور.. غاية الوجود
محاضرات عاشوراء 1446 المحاضرة الثانية
أن حقيقة حركة الإمام الحسين (ع) في عاشوراء هو كشف السرّ الأعظم للوجود, وإشراق نور الأسماء والصفات وتنزّله من عالم الملكوت إلى عالم الملك, إنقاذاً لأرواح البشرية, وهدايةً لهم, ورحمةً بهم. فغاية الوجود هو مغرفة الله وإشراق نور الأسماء والصفات في قلب الإنسان المؤمن. فكان الإمام الحسين (ع) وعاشوراء هو الميقات الأعظم لإشراق هذا النور, الذي لم يظهر للأمم السابقة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا), سورة النساء.
علّة الوجود
ماهي العلّة الغائية من خلق الخلق, من البعد الإلهي. أو بمعنى آخر’ لماذا خلق الله عز وجلّ الخلق. إن وجود الخلق هو نتيجة تجلي الأسماء والصفات الإلهية, وهو نتيجة للفيض بالرحمة لخروج الوجود والمخلوقات من العدم إلى الوجود. فالكريم المطلق يفيض بالكرم, والخالق المطلق يفيض بالخلاقية, والرحمن المطلق يفيض بالرحمة والتي من مظاهرها خلق جميع أسباب الوجود, وكذلك الرحيم يفيض بالهداية والنور على الوجود.
فالعلّة الغائية من الوجود هو الفيض والعطاء والرحمة الإلهية, وتجلّي الإسم الأعظم بمرآة الرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية, وهو ما توضحه الآية الكريمة ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. فالآية توضح أن علّة الوجود هو تجلّي الإسم الأعظم, والذي يرمز له بالإسم الجامع (الله) في الآية, وهذا التجلي هو بمرآتي الرحمة الرحمانية (الرحمن), والرحمة الرحيمية (الرحيم).
غاية الوجود هو ذكر الله
ولكن ماهي غاية الوجود من البعد الإنساني. إذا كان وجود الإنسان هو مظهر من مظاهر الفيض الإلهي بالرحمة, وهو مظهر لتجلّي الأسماء والصفات الإلهية, أو مظهر لتجلّي الآية الكريمة (بسم الله الرحمن الرحيم). ففي قبال هذا الفيض العظيم والرحمة الإلهية اللامتناهية (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها), على الإنسان أن يكون حامداً لله, وهو مصداق الآية الكريمة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. وأول مصاديق الحمد هو معرفة الله (المنعم) والتصديق به.
فغاية وجود الإنسان هو معرفة الله والذكر القلبي لله, وأن يتجلّى نور الله في قلب الإنسان المؤمن. وإن الإنسان إذا وجد هذا النور فسوف يلهى عمّا سواه. ولجاذبية هذا النور والجمال والجلال ما يجعل الإنسان متيّم بالعشق الإلهي, وعلى استعداد للتضحية بكلّ شيء من أجل هذا الإشراق. فلا شيء يضاهي هذا الإشراق, لا الدنيا ومتاعها, ولا الآخرة ونعيمها (ما عبدتك خوفاً من نارك, ولا رعبة في جنتك, ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك).
إن الإنسان, من دون الوصول إلى النور, يصبح تائها في صحراء عالم الوجود. ولا يستقرّ قراره دون العودة إلى مبدأ الوجود, وخالقه والمتفضل به (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). وعندما يصل الإنسان إلى هذا النور, فإن روحه تتعلّق بجاذبية هذا الفلك, ولا تستطيع البعد حتى لا تغشاها ظلمات القلب, فهي لا تتوقف عن الطواف بمحلّ القدس, ومصدر الأنس.
العلّة السببية للوجود
وكما أن هناك علّة غائية, فإنّ هناك علّة سببية للوجود, وهو الرسول الأعظم, الذي هو مرآة تجلّي الاسم الأعظم, وميقات القرب, والداعي إلى الله, وخليفة الله في العالمين, ورسوله إلى الخلق أجمعين. فالرسول الأعظم هو الميقات الأول والأكمل لنزول النور من عالم الأمر الى عالم الملك, وهو الداعي الى الله, وهو مرآة الأسماء (مثلُ نوره كمشكاة فيها مصباح).
وكما أن غاية الوجود هو تجلّي نور الأسماء والصفات, الذي لم تحمله السماوات والأرض, وحمله الإنسان, الذي كان ظلوماً لنفسه في عدم حمل هذا الفيض, جهولاً بقيمته وجماله وجلاله. فالإنسان الكامل (الرسول الأعظم) هو الذي يحقق المرآة الأكمل لهذا التجلّي (لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك). وكذلك الإنسان المؤمن السالك, هو الذي يسعى إلى كماله, وأن يصبح مرآة للنور (هو الذي أنزل من السماء ماءا فسالت أودية بقدرها).
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين