2012/12/30 | 2 | 3335
الأمة الإسلامية مذنبة بقتل الحسين (ع)
السنن الإلهية في محاسبة الأمم
لو نظرنا إلى سنن الله عز وجل ومحاسبته, لوجدنا أنه يحاسب الأقوام والأمم بقوانين كما يحاسب الأفراد. فمن سننه عزّ وجل في الأمم التي ترفض الإيمان وتصر على الانحراف فإنه لابد وأن ينزل بها العذاب الإلهي, إذا لم يكن هناك موانع ترفع البلاء.
إذا فإن من سنن الله عز وجل في محاسبة الأمم والقرى والأقوام إذا ما انحرفوا, فإنه يرسل إليهم حجة ليأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر, وليغير ما في قوبهم, وليصحح أسلوبهم في التفكير واتخاذ القرارات. فإن آمنوا متعوا إلى حين. وإن كفروا فإنه لابد من قطع دابر الكافرين ونزول العذاب بهم, وتطهير الأرض منهم. ولكن هناك شروط وموانع لنزول البلاء.
فالمولى عز وجل لابد وأن يعطي مهلة وأجل لنزول البلاء فسحة منه عز وجل للتوبة والإيمان. وكذلك لابد من خروج الحجة والمؤمنون من القرية أو منطقة نزول البلاء رحمة منه عز وجل. فالعذاب لا يسبق الرحمة, ولا ينزل في مواقع الرحمة, والحجة هو مصداق الرحمة الإلهية التي تدفع البلاء.
ثمود ونزول البلاء
فقوم نبي الله صالح مثلاً, عندما عقروا الناقة نزل بهم العذاب جميعاً. ولكن العذاب قد نزل بعد خروج النبي والذين آمنوا من القرية وإمهالهم ثلاثة أيام للتوبة. فالمولى عز وجل أمهل ثمود ثلاثة أيام قبل نزول العذاب, وفي هذه الفترة يخرج فيها النبي والمؤمنين من القرية إيذاناً بنزول العذاب. هذه الثلاثة أيام هي فترة للتوبة أو للإيمان وعلامة الإيمان هي الخروج مع النبي. أما الذين لم يؤمنوا ولم يخرجوا من القرية ولم يتوبوا فقد نزل بهم العذاب. إذا من سنن نزول البلاء الإلهي على الأقوام هو عدم الاستجابة للحجة المرسول إليهم, والإصرار على الخطيئة, وهناك علامات للإصرار كعقر الناقة أو ملاحقة بني إسرائيل في البحر, وأخيراً عدم التوبة في المهلة قبل نزول البلاء.
قد يتصور البعض أن من عقر ناقة صالح هم تسعة رهط مفسدين, إذاً فلماذا نزل العذاب بكل قوم ثمود. والحقيقة أن الذنب الحقيقي هو رفض الإيمان والإصرار على الكفر وتكذيب النبي, والتأييد القلبي للتسعة المفسدين. فبعد عقر الناقة لم يتظاهروا على التسعة ولم ينكروا عليهم فعلهم, ولم يؤمنوا بالنبي ولم يخرجوا معه, فلم يتوبوا. إذاً كل قوم ثمود كانوا مذنبين بعدم الاستجابة للدعوة, والإصرار على الخطيئة, وعقر الناقة التي كانت تأتيهم بالخير ولا تضرهم هو حجة أخيرة أمامهم إما أن يتبعوا النبي أو يتبعوا أئمة الفساد. ولكنهم أصروا على العمى القلبي فهلكوا, إلا النفر الذين آمنوا وخرجوا مع نبي الله صالح.
قوم يونس: دفع البلاء بالبكاء
المهلة التي يعطيها المولى عز وجل للأمم قبل نزول البلاء هي رحمة منه عز وجل للبشر ولعلهم يرجعون ويتوبون من أخطائهم ويؤمنون بالحق. فالقرآن يذكر أن المولى عز وجل أعطى الأمم مهلة قبل نزول البلاء كما أعطى قوم يونس ثلاثة أيام قبل نزول البلاء.
فقوم يونس عليه السلام عندما كفروا بالنبي وكفروا بالإيمان, ودعا عليهم نبيهم, وخرج عن أرضهم إستوجبوا نزول البلاء. ولكنهم عندما ضجوا بالبكاء إلى الله وتابوا وآمنوا في فترة الثلاثة أيام المهلة, رفع المولى عز وجل عنهم البلاء, وتاب عليهم. إذاً البكاء والتوبة والإيمان بعد الذنب يدفع البلاء عن الأمم. فكما أنه من سنن الله نزول البلاء بالأمم الكافرة, كذلك من سنن الله التوبة ورفع البلاء عمن تاب.
(فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) سورة يونس.
الأمة الإسلامية وقتل الحسين (ع)
فالأمة الإسلامية مثلا هي مذنبة بقتل عترة الرسول الأعظم (ص) وتشريدهم وإزالتهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها, ولا تزال الأمة مصرة على هذا الذنب رغم تقادم الزمن. وكانت الحجة الأعظم على الأمة هي بخروج الإمام الحسين عليه السلام على يزيد بن معاوية, فالأمة كانت بين خيارين, الأخذ بوصية الرسول في الإمامة من بعده وبيعة ابن رسول الله الحسين ونصرته, أو بيعة ابن معاوية يزيد وتأييده, أو على أقل تقدير خذلان الإمام الحسين وعدم تحمّل المسئولية. وهنا أبتلى الله الأمة أتؤمن أم تكفر بتمام النعمة. ولكن لم يخرج لنصرة الإمام إلا نفر من المؤمنين, بينما خرج لقتله وسبي نساءه وتشريد أهله قرابة الثلاثين ألف.
إذاً فقتل الإمام الحسين (ع) هو علامة إصرار الأمة على الذنب في إنكار الولاية. فالأمة مذنبة بقتل سبط الرسول (ص) وتصفيته جسدياً, وطمس آثار أهل البيت وآثار الأئمة عليهم السلام, وإزالتهم عن مراتبهم. وإن قتلة الإمام الحسين (ع) فكرياً الذين يطمسون آثاره, ويحاربون فكره ومجالسه, أو قتلة الإمام علي (ع) وبقية الأئمة, هم لا يختلفون كثيراً عن الذين سفكوا دمائهم. وفي المقابل فإن أنصار الإمام الحسين (ع) فكرياً وعملياً هم لا يختلفون كثيراً عن أنصاره الذين بذلوا مهجهم دونه عليه السلام. فهم أحيوا الحسين بدمائهم أو بفكرهم وأعمالهم.
ليس ذنب يزيد وحده
إن قتل الإمام الحسين (ع) ليس وليد يوم وليلة, وليس ذنب يزيد وحده بل كان ذنب الأمة بشكل عام. إن ذنب الأمة بدأ برفض بيعة الإمام علي (ع) الذي وصى بها الرسول الأعظم. ومن ثمّ قتال الإمام علي (ع) في معركة الجمل وصفين والنهروان. ثم خذلان الإمام الحسن (ع) وقتله. ثم قتال الإمام الحسين (ع) وسبي نساءه وأطفاله. إذاً ذنب الأمة بدأ بعدم تحمّل المسئولية في إتباع وصية الرسول الأعظم بالولاية وخذلان الإمام علي (ع) ورفض بيعته.
ذنب الأمة.. وخذلان الإمام
فالأمة الإسلامية كلها مذنبة بقتل الإمام الحسين (ع) لأنهم خذلوه واعترضوا على خروجه على يزيد. فبدلاً من أن يبايعوا الإمام الحسين (ع) وينقضوا بيعة يزيد, رفضوا على الإمام الحسين (ع) مطالبته بالحق ورفضه لبيعة يزيد. ورفضوا أن يخرج الإمام ليستجيب لمن دعاه لبيعته, وكيف للإمام أن يرفض بيعته ولو كان من دعاه للبيعة غير متم لها. وذلك يدل على أن الأمة كانت لا ترى أن الإمام الحسين (ع) هو إمام يستوجب الطاعة, وإلا لما جادلوه عن رأيه. ومن المفروض أن تخرج الأمة كاملة مع الإمام الحسين عليه السلام رجالاً ونساءً, شيوخاً وأطفالاً, مسلمون وغير مسلمين ولو أن الأمة اتبعت الحسين وأطاعوه لنجوا وكان حالهم أفضل حالاً.
وكذلك فإن الإمام الحسين (ع) لم يقتل غيلة أو أن خروجه كان سرّاً, بل إن الأمة كاملة كانت تعلم بخروجه على يزيد, وذلك بفضل حنكة الإمام السياسية واستغلاله لوسائل الإعلام. فالإمام خرج إلى مكة ومكث فيها قرابة الأربعة أشهر وهو يعلن من مكة خروجه على يزيد. وكذلك فإن خروج الإمام الحسين (ع) من مكة وفي يوم التروية, يدل على أهمية الأمر الذي خرج إليه الإمام تاركاً الحج, فرفض بيعة الإمام الفاسق هي أولى من أداء فريضة الحج, بل إن العمل السياسي هو عمل عبادي لا يتجزأ من الدين.
لذلك فالأمة كلها مذنبة في التقصير والتخاذل عن نصرة ابن رسول الله, لأن تقريبا الجميع كان يعلم بخروجه. وفي حين أن الأمة تريد من الإمام أن يصبح رجل الدين العابد الكهنوتي الذي لا يتدخل في الحياة العامة للأمة ولا يتدخل في السياسة, ولا يتحمل مسئولياته, ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر. ومن أولى من سبط الرسول بذلك مهما كلّف الأمر. إذاً عدم الخروج مع الإمام الحسين (ع), والاعتراض على خروجه كلها تمثل مدى بعد الأمة عن بيعة الإمام, ومفهوم ولاية الإمام, وهي مصاديق ذنوب الأمة جمعاء بجميع أطيافها ومشاربها, وقتل الإمام كان دليل الإصرار على الذنب.
كذلك فإن خروج الإمام الحسين (ع) من مكة في الحج وهي الثقل الديني والإعلامي للأمة الإسلامية, وتوجهه نحو العراق وهي مركز القلب تقريبا للعالم, ومسيرته لقرابة الشهر, فإن ذلك يعطي الفرصة الكافية لمن أراد أن ينصر الإمام أن يستعد ويخرج (وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ).
وكذلك فإن سبي النساء والأطفال من كربلاء وحمل رأس سبط النبي, والطواف بهم من بلد إلى بلد, في العراق والشام ولبنان, وقيل مصر, مع عدم نهوض الأمة واستنفارها لاستنقاذ بنات رسول الله من ذلّ السبي يدل على تقصير الأمة وعدم تحملها للمسئولية, وعدم أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر. فالأمة مذنبة بين قاتل للإمام أو خاذلاً له.
النصرة الناقصة
وإن أهل العراق وإن كانوا قد دعوا الإمام للخروج إليهم ووعدوه بالنصرة, ولكنها كانت دعاوى كاذبة, ومجرد لقلقة لسان, ولم تكن دعوة عملية, صادرة من الشعور بالمسئولية, فلو كانت دعوة حقيقية لمهدوا الأرض لقدوم الإمام وطردوا والي يزيد, وأقاموا من هو أولى بالإمام وأعلم بالدين أو أقاموا رسوله مسلم بن عقيل.
وكذلك فإن الدعوات التي تنطلق لظهور الإمام المهدي (ع) ولتعجيل فرجه الشريف, إذا لم تكن متبوعة بتحمّل لتلك المسئولية, وبأعمال تمهد له الظهور فهي لا تتعدى كونها لقلقة لسان, ودعوات كاذبة وليست دعوات حقيقية. فالدعوة التي تنطلق من القلب لابد وأن تترجم بالجوارح. ولو أنهم أقاموا النظام الإسلامي وأقاموا الولاية للفقيه الأعلم بالدين بمعناه الواسع سياسياً وإدارياً واقتصادياً واجتماعياً وشرعياً فإنهم قد مهدوا الطريق لظهور الإمام.
ذنوب الأمم فكرية .. عقدية
إن حقيقة الذنب على مستوى الأمم هو الذنب الفكري الذي يسود تفكير الناس في تلك الأمة, وإن المصلحين دائما ما يسعون إلى تصحيح هذه الأفكار الخاطئة. فعبادة الشمس, أو عبادة الأصنام, أو الطيّرة مثلا هي أخطاء في التفكير وهي ذنوب فكرية وعقدية, والمصلحون يعملون على تصحيح هذه الأفكار بالدرجة الأولى. بمعنى آخر, فإن نزول البلاء هو ليس للذنوب التي قد تحدث بشكل فردي, بل إن الإصرار على الذنب وبشكل جماعي, دون أي إنكار, فهذا من دواعي نزول البلاء.
وإذا لم تصحح هذه الأفكار فإن الأمم لا تتقدم ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا, ويكونوا من أسباب فساد الأرض. فإصرار الأمم على الذنب يستوجب نزول البلاء رحمة بالعالمين. وحتى لو كانت الذنوب هي ذنوب عملية كالتطفيف في المكيال مثلاً, فإنها لا تستوجب البلاء إلا إذا كانت مسلمة عامة لدى الأمة. أما إذا كانت أخطاء فردية, مع نكران الفكر العام لها فإن ذلك لا يستوجب نزول البلاء بتلك الأمة, والله هو الغفور الرحيم.
بالنسبة لقضية قوم صالح, فإنه ليس فقط التسعة الذين قاموا بعقر الناقة مذنبون, بل كلّ قوم صالح الذين رفضوا الإيمان واتباع النبي وأصرّوا على التكذيب, كانوا مذنبين. فالتسعة لم يقوموا بهذا العمل لولا وجود أرضية تسمح بهذا العمل الشنيع. بل إن الذين كفروا من قوم ثمود أيدوا ورضوا بعقر الناقة, ولم يرفضوا ذلك وينكروه. إذاً الإصرار على الذنب بشكل جماعي, دون وجود أي أمر بالمعروف ونهي عن المنكر, يستوجب نزول البلاء. وإنما كان عقر الناقة حجة يظهر مدى بشاعة المفسدين وظلمهم, وفتنة لقوم ثمود أيؤيدون الظلم والفساد والكفر, أو يؤمنوا بالله ورسوله ويتبعوه. وعدم خروجهم مع النبي أو توبتهم يدل على إصرارهم, فبعدا لقوم ثمود.
إن حقيقة ذنب الأمة الإسلامية هو عدم إيمانهم بولاية الإمام, وإنما قوّة الإمام تصدر من ولاء الناس له فيستطيع أن يقيم الدين, فتتقدم الأمة الإسلامية. ولكن كيف للإمام أن يقيم الدين إذا رفضت بيعته, وتخلى المسلمون عن ولايته التي شرعها الله عز وجل له. وهذا الذنب نوعاً ما مسلّمة لدى عامة المسلمين من رفض الولاية للأعلم بالدين, كمنصب إداري في الأمة. فكأن الأمة لم تجعل من الدين حاكماً عليها, وإن كانت أسلمت.
فرعون والقيادة الفكرية
إن القوة الحقيقية التي كانت بيد فرعون أو يزيد هو ولاء الناس له, أو عبادته, وذلك بالقيادة الفكرية لأمته وأتباعه. فالفرعون كان يخادع قومه ويستخف بعقولهم لكي يؤمنوا به ويحافظ على ولائهم له. إذا هو كان يقودهم فكرياً, وكانوا يؤمنون بأفكاره الباطلة. فلقد اتهم موسى بالسحر, وخرج مظاهرةً لقتله. فلو لم يخرج جنوده معه, ولو لم يدخلوا البحر لقتل بني إسرائيل ظلماً, لما أغرقوا فأدخلوا نارا. وقتل موسى رغم ضعفه فرعون رغم جيشه, وقتل الحسين عليه السلام يزيد. فالثورات التي قامت بعد مقتل الحسين عليه السلام زعزعة عرش يزيد من القواعد.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)) سورة هود.
قتل الحسين (ع) حجة على الأمة
وكما كان عقر الناقة حجة على قوم ثمود أيتبعون النبي, أم يتبعون أمر الفاسقين, فإن قتل الإمام الحسين (ع) كان الحجة البالغة أمام الأمة أتتبع يزيد وبني أمية الذين عطّلوا الخلافة وأن يكون الأعلم بالدين هو خليفة الله على المسلمين, وهو الذي يقيم الدين كما أراد الرسول الأعظم, أم أن تتحول الخلافة إلى ملك, ويقودهم فراعنة الزمان وتنحرف الأمة عن خط الرسالة. وفعلاً استنهضت ثورة الإمام الحسين (ع) الأمة, وقامة عدة ثورات ومحاولات لتصحيح المسار, إلى أن سقطت دولة بني أمية. ولكن هل تصحح مسار الأمة الإسلامية وعادة إلى الخلافة الإسلامية أم لا.
فالحسين (ع) في قضيته أراد أن يغير أسلوب التفكير لدى البشرية من الخضوع لفراعنة الزمان, وأن يحكّموا دين الله عليهم. إن من أهداف ثورة الإمام الحسين (ع) هو إيقاظ البشرية بعدم الخضوع لفراعنة الزمان والطواغيت وعبادتهم من دون الله, وإقامة دين الله الذي يحكمه الإمام والكتاب. ويكون الإمام هو الأعلم بالكتاب, فيصبح الدين هو الحاكم, وهذا هو مفهوم النظام الإسلامي. وأن لا يصبح الدين حبيس المسجد أو دور العبادة, ولكن أن يصبح هو مصدر التشريع والحاكمية. فقضية الحسين (ع) هي قضية عالمية وللبشرية جمعاء بحيث لا تستعبد من قبل الطواغيت والمفسدين والفراعنة, ويكون ولائهم لله عز وجل, ومن يقيم الدين والعدل الإلهي.
الإمام زين العابدين يشرع العزاء والبكاء رحمة بالأمة
إن البكاء على الإمام الحسين (ع) هو مظهر التوبة والندم عن عدم تحمل المسئولية من قبل الأمة. فجمهور الأمة الإسلامية لم يتحملوا مسئولياتهم في بيعة الحسين (ع) في قبال يزيد, ولم يتحملوا مسئولياتهم في إقامة الخلافة الإسلامية الصحيحة. فتشريع البكاء على الإمام الحسين (ع) من قبل ابنه الإمام زين العابدين (ع) كان رحمة بالأمة ولإصلاحها, ولرفع العذاب عنها, كما رفع عن قوم يونس, وإلا لنزل البلاء كما نزل بقوم ثمود أو الأمم السابقة. ولو لم تبكي الأمة على الإمام, ورضيت بقتله لنزل العذاب بالأمة. بل إن البكاء على الإمام هو عين الرحمة بالأمة, فالبكاء ينقل الأمة من اللامسئولية إلى المسئولية.
لقد شرّع الإمام زين العابدين (ع) البكاء على الإمام الحسين (ع), كما بكى قوم يونس (ع) فرفع الله عنهم البلاء. فالبكاء على الإمام الحسين هو توبة واستغفار للأمة من ذنب قتله وخذلانه, وهو سبب لدفع البلاء عن الأمة, وهو وسيلة لتغيير التفكير لدى الأمة من التقصير واللامسئولية تجاه واجبهم من البيعة لإمامهم, وتحريكها وجدانياً نحو تحمّل المسئولية. وعندما تتحمل الأمة مسئولياتها, وتستغفر وتتوب من ذنبها, وتعمل على تمهيد الأرض للولاية, فإن الإمام المهدي (ع) لابد وأن يظهر, ويقيم دولة التوحيد والعدل الإلهي العالمية.
فالبكاء على الإمام الحسين (ع) هو استغفار من التقصير في نصرته وعدم تحمّل المسئولية تجاه الولاية وإقامة الدين, وهو مقدمة للتوبة والاستغفار وتحمّل المسئولية تجاه الرسالة السماوية, وإقامة الدين بإقامة الكتاب والإمام.
الحسين أراد أن يقيم الحجة على الأمة
لم يكن نهوض الإمام الحسين (ع) لإقامة الحجة على يزيد أو محاولة إصلاح يزيد, بل كان لإقامة الحجة على الأمة ولإصلاح الأمة. فلو لم يخرج الإمام الحسين وتم اغتياله بأي طريقة كما تم اغتيال الإمام علي أو الإمام الحسن لما شعرت الأمة بالذنب وأدركت الخطأ وسعت نحو التوبة والإصلاح (ما خرجت أشراً ولا بطراً, ولكن خرجت للإصلاح في أمة جدي).
فالإمام الحسين (ع) أراد أن يستنهض الأمة بخروجه, لكي تتحمّل مسئولياتها, ولكي تعلم مدى تقصيرها في إقامة الدين, والأمة مطالبة بالإيمان بعدالة قضية الحسين (ع) وعليهم أن ينصروه ويأخذوا الثأر له بتصحيح مسار الأمة من اللامسئولية إلى المسئولية وجعل الدين هو الحاكم. فأعداء الإمام الحسين (ع) وقتلته في كلّ زمان ومكان هم الذين يطمسون الدين, ويرفضون ولاية الإمام الأعلم بالكتاب, ويطمسون آثار أهل البيت عليهم السلام.
وفي المقابل فإن أنصار الإمام الحسين (ع) هم الذين يعملون على إقامة الدين, وإقامة الولاية للإمام الأعلم بالكتاب, ولا يفصلون الدين عن الحياة, ويجعلون من الدين هو الحاكم في واقع الحياة, ولا يجعلونه حبيس الطقوس العبادية فقط, ولا يعطلون الدين أو يأكلون به ثمناً قليلا. وهم الذين يظهرون علوم أهل البيت ومنهجية الإمامة عندهم, ويطبقونها على واقع الحياة, ويرفضون قتلة الإمام الحسين (ع).
وجوب نصرة الإمام الحسين (ع) على كلّ فرد
فالعزاء على الإمام الحسين (ع) واستمراريته على مدى السنوات هو من أسباب دفع البلاء عن الأمة, ورفع مستوى المسئولية لدى الفرد المسلم تجاه الولاية وإقامة دينه بوعي وعلم, وأن يكون ولائه للإمام الأعلم بالدين, وأن يعمل على إقامة النظام الإسلامي والخلافة الإسلامية الصحيحة. وبما أن الإمام الحسين (ع) هو إمام على الأمة كما قال (ص): (الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا), فنصرة الحسين واجبة على الأمة. ونصرة الإمام الحسين عليه السلام تكون بتحقيق منصب الإمامة في الأمة وهذا هو التمهيد لظهور الإمام المهدي (ع).
إن ما قتل الإمام الحسين عليه السلام, وهو سبب تخلّف الأمة الإسلامية عن الموقعية المرادة لها, هو عدم تحمل المسؤولية لدى الفرد المسلم. ولكي تتقدم الأمة وتتطور عليها أن ترفع من مستوى المسؤولية لدى الأفراد, وتفتح أبواب الوعي والمشاركة والعمل لديهم. إن كل الأعمال التي يكون فيها تشويه للإمام الحسين, أو الإنتقاص من شعائره أو فكره أو رسالته فإن فيها قتل للإمام الحسين (ع) مجدداً, سيان ظهرت هذه الأعمال ممن يدعي الحب للإمام أو ممن يبغضه.
إن الجهاد الحقيقي للصالحين هو بتغيير وتصحيح أسلوب التفكير لدى الناس لتصحيح مسارهم. وإنه إذا لم يتم تصحيح أسلوب التفكير, فإن الأمة تتوارث هذا الأسلوب الخاطئ في التفكير جيلاً بعد جيل, ولا تتخلص من هذا الذنب الفكري إلا بالوعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالحسين (ع) هو ذبيح الكعبة العظيم الذي به تصحح ذنوب البشرية, وتستيقظ من الغفلة واللامسئولية إلى تحمل المسئولية وإقامة الدين على الأرض. ويجب أن يصل إلى الإمام الحسين (ع) شيء من النصرة, لإقامة الدين, من كلّ فرد من الأمة الإسلامية حتى يحسب من أنصار الحسين (ع), وأن لا تخذله الأمة. فثورة الحسين مستمره, لم ينهيها زمن, أو يحتويها مكان. (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ), سورة الصافات.
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين
تعليقات
عبدالحميد المعيرفي
2012-12-31أحسنت مهندس ايمن الحسين عليه السلام ثورة فكرية وعلمية وإحياء للقلوب وكلما زاد مستوى الوعي والفكر كلما أصبحنا أكثر تمسك واتباع
المدني
2012-12-31فكر راقي ورائع لكن نتسائل عن مدى ملائمة اقحام ولاية الفقيه في سياق الموضوع وعن مدى الحاجه الى تاصيلها قبل طرحها.