2024/12/25 | 0 | 92
قراءة في حياة الشاعر علي الحمراني
مع كتاب علي الحمراني حياته وديوان شعره، للمؤلف/ حسن جعفر البناي ، الطبعة الأولى: 1429هــ /2008 م.
جزء من توطئة وتمهيد:
ثروة التجارب: هناك فارق نفسي وفكري كبير بين الشباب والكهول، فالشباب يقعون تحت تأثير عواطفهم الشديدة المتهيجة، ويتطلعون لكل شيء بمنظار الإحساسات، فمرحلة الشباب هي مرحلة الغرور والتمرد.. مرحلة القلق والهيجان. مرحلة الوهم والخيال.. مرحلة التطرف والإفراط، وباختصار هي مرحلة الأفكار العشوائية اللامتزنة ، وعلى عكس ذلك هي مرحلة الكهولة، حيث تهدأ عاصفة المشاعر، وتتفتح طاقة العقل يوماً بعد آخر، ويزداد خزين التجارب، فمرحلة الكهولة هي مرحلة النظم والاعتدال الفهم والفكر.. الحساب والاتزان.. الواقعية والإدراك، وبالتالي فهي مرحلة النضج والكمال.
اسمه ونسبه وكنيته ولقبه:
هو علي بن حسن بن أحمد بن محمد المعروف شهرة بـ «الحمراني». ويرجع نسبه إلى قبيلة عبد القيس العربية الشهيرة. وقد عرف في الأوساط الاجتماعية بكنيته ولقبه وهو (بو عباس الحمراني). وكنيته السابقة (بو حسن)، ولد (رحم الله) عام 1346 هـ حسب ضبطه شخصياً عن والديه، لكن تاريخ ولادته في الوثائق الرسمية هو سنة 1341هـ.
دراسته وتعليمه:
دخل الكتاب (المطوع) كما هو سائد في ذلك العهد، ولكنه لم يستمر في هذا الحقل التعليمي بل اعتزله في أول الطريق.
الروافد التي ساهمت في بناء شخصيته:
فقد نشأ في أجواء وظروف تاريخية واجتماعية وتأثر بها تأثراً بالغاً، بما يحفها من ملابسات، وبما فيها من انطلاقة وما فيها من حدود. فقد كان لتلك البيئة تأثير كبير في تكوين شخصيته ونشأته، وبذلك تجدنا ونحن نحاول أن نلم إلمامة سريعة بنشأته نضطر أن نبحث عن البيئة الأحسائية، ونتحدث بشيء من الإلمام السريع عن ذلك المحيط الذي ظل محافظاً على طابعه ومكانته الإيمانية والدينية منذ بزوغ فجر الإسلام.
حياته العملية:
كانت ظروف الحياة القاسية في بلادنا قبل عقود قليلة من الزمن، تدفع العائلة إلى حياة الكدح والنشاط، ويفتح الطفل عينه ليرى أفراد عائلته نساء ورجالاً، كباراً وصغاراً، وهم يعملون ويكدحون، لتحصيل لقمة العيش، وتسيير شئون المنزل، ولم يكن هناك شيء من وسائل الرفاه، أو أجواء التنعم والرخاء، إلا ضمن نطاق محدود.
مهنته:
الخياطة (الخياط الذي يحترف مهنة خياطة البشوت)
أسفاره من أجل طلب الرزق:
نحن نرى في الرحلة نوعاً من الحركة، وهي أيضاً مخالطة للناس والأقوام، وهنا تبرز قيمة الرحلات كمصدر لوصف الثقافات الإنسانية، ولرصد بعض جوانب حياة الناس اليومية في مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة. لذا كان للرحلات قيمة تعليمية من حيث أنها أكثر المدارس تثقيفاً للإنسان، وإثراء لفكره وتأملاته عن نفسه وعن الآخرين، ولذا قيل إن السفر مدرسة التجارب.
فالحمراني لم يتجمد عند أي مشكلة اعترضت طريقه، بل شق طريقه نحو الحياة، مقتحماً المغامرات في حله وترحاله. ولذلك تجول في مختلف الدول المجاورة، والمناطق والمحافظات داخل المملكة؛ من أجل تحصيل لقمة العيش، فعمل في الخياطة والنجارة. ولقد هاجر إلى الكويت والبحرين والعراق. وعمل أيضا في مهنة النجارة في شركة أرامكو السعودية بالظهران، وكذلك في رأس تنورة.
مصادر ثقافته:
أولاً: المنبر الحسيني.
لقد أصبح المنبر الحسيني يستأثر باهتمام الشيعة، ويشغل حيزاً من ثقافتهم، وأصبح جزءاً من حضارتهم، فهو تلك المدرسة السيارة التي لا تعرف الجمود والتوقف. ويتبرعم هذا الحب كذلك عندما نشاهد الحمراني يعشق المنبر الحسيني ويرتبط به ارتباطاً وثيقاً، وذلك من خلال تواجده المستمر عنده في كثير من حسينيات المنطقة الهفوف ومرة أخرى نرى الحمراني يقبل المنبر ويجتهد للبحث عن غبار ولو بسيط من على المنبر الشريف ليمسح به وجهه وبدنه، لأنه يعرف ما للمنبر من مكانة عظيمة. لقد جير كل شعره في مدحهم ورثائهم راجياً بذلك المثوبة والأجر.
ثانيا: ارتياد مجالس العلم والعلماء.
إن الإسلام منذ فجره الأول جاء يمجد العلم والعلماء ويحث على طلب العلم والمعرفة وأن يتسلح المجتمع بسلاح العلم، فالمجتمع الذي لا يمتلك رصيداً من العلم والثقافة مجتمع خامل محكوم عليه بالموت، فالعلم هو الحياة وهو مقياس تقدم الشعوب والمجتمعات وعنوان نهضتها وازدهارها.
ثالثاً: المجالس العامة.
إن الإنسان يميل إلى الحياة الاجتماعية، وكما قيل: إن الإنسان اجتماعي بطبعه، فهو موجود ناقص لا يستغني عن الآخرين من أجل تعاونه معهم وتعاونهم معه، لأن هناك علاقة تبادلية بين الإنسان وأخيه الإنسان الآخر.
الحمراني .... ثقافة وسلوكا.
أولاً: ثقافته ونباهته.
إن الوعي الديني الصحيح والثقافة السليمة هو ضمانة الاستقامة، وتجاوز محاولات الاستغلال والتضليل. وهذا ما يملكه الحمراني (رحمه الله) وإن لم يتقن الكتابة والقراءة، لأننا إذا غضينا الطرف عنها، فإننا نعتبرها جسراً للثقافة والوعي والمعرفة وليست هي الغاية، فإن الأمية تنقسم إلى قسمين:
1/ الأمية الأبجدية: وهي عدم معرفة القراءة والكتابة.
2/ الأمية الحضارية: وهي عدم الوعي والبصيرة، أو عدم ترجمة العلم إلى سلوك وواقع عملي. فالحمراني إن لم يتجاوز الأمية الأولى فإنه قد تجاوز الأمية الثانية.
ثانيا: سلوكه وأخلاقه.
يشكل الالتزام بالقيم والضوابط الأخلاقية دوراً مؤثراً وفاعلاً في صياغة الشخصية الإنسانية، وبدون ذلك يفقد الإنسان إنسانيته، إذ لا معنى للإنسانية في ظل غياب المعايير الأخلاقية، وبمقدار ما يتخلى الإنسان عن الالتزام بالأصول الأخلاقية بنفس المقدار يفقد المعايير الإنسانية من شخصيته. فأخذ يتكيّف على مر الزمن، مع ظروف البيئة الجديدة، واكتسى ثوباً يتناغم مع ذوقها. بمعنى أن شخصيته الإنسانية أصبحت عرضة لأن تتكون من جديد بصيغة جديدة، وصار من الممكن والمحتمل أن تهتز شخصيته حين ينتقل فوراً إلى مرحلة عليه أن يواجه فيها الحياة والناس والأشياء والقضايا بوجه جديد، بشخصية ولعل من أبرز صفاته الإيمانية هو صبره في معترك هذه الحياة. وكان دقيقا في تنظيم أكله وشربه من حيث الوقت، من حيث نوعيتها وكميتها.
فكان الحمراني لا يكتفي بالركوب في السيارة لوحده، بل يصر على أصدقائه من كبار السن - وما أكثرهم - أن يشاركوه للتنقل من مأتم حسيني إلى مأتم آخر، أو للذهاب إلى مجالس الفاتحة وغيرها، حتى للنزهة والترويح عن النفس في بعض الأحيان. فكان كل همه أن يخدم الناس دون أن يُخدم، ويدخل السرور على قلوبهم، بكل ما أوتي من استطاعة ومقدرة.
ولشفافية الحمراني (رحمه الله):
ولطافته نقل لي ذات يوم هذه الحادثة اللطيفة، يقول: كنت في طور الشباب أحلق اللحية بالشفرة، وفي يوم من الأيام صرت أتمشى في سكك الكوت، فصادفت في طريقي المرحوم الشيخ أحمد البوعلي (رحمه الله) فوقف، ووقفت لوقوفه، فسلم علي، فرددت عليه السلام. فرمقني بنظرة باردة، وصار يتملى في صفحة وجهي، ثم قال لي: قف أمام المرآة وتصفح وجهك وتعمق في هذه الحقيقة جيداً، وقارن بين حلق لحيتك وبين تركها وتنظيمها، وانظر أيهما أفضل في نظرك؟! ثم انصرف. وبالفعل تمعنت في كلام الشيخ (رحم الله) وبعد ذلك استجبت لطلبه، وتركت لحيتي ولم أحلقها، فأضفت بهاءً ونوراً وجمالية وحسناً على شخصيتي، ولم أكن أعلم بهذه الحقيقة من قبل، فعلمت حينها أن اللحية من المحاسن العظيمة والنعم الجزيلة للرجال. ونختم بهذه الحادثة لنصائحهم وارشاداتهم التي تدل على احترام الحمراني للعلماء واستماعه هذه الزاوية من مكانته عند الناس واحترامهم له.
ثالثا: صلته بأرحامه.
الأرحام هم الأقارب من أهل النسب والأصهار، وصلة الرحم هي التودد إلى الأقارب، ومعاونة محتاجهم بالمال والجاه وعيادة مرضاهم، وتخفيف آلامهم، ومشاركتهم في فرحهم وحزنهم، وإظهار البشر والسرور بلقائهم، وبذل المساعدة الممكنة لهم، ودفع الأذى عنهم.
تقريظ وتأبين:
1- الخطيب الحسيني سماحة الشيخ عقيل الشبعان:
رأيته في الأمس القريب جاء كالسفير من الأمس البعيد، تجاعيد وجهه، نبرات صوته، كلها السن تنطق عن ألف ذكرى عاشها قومي فوق ثرى هذه البلاد لست أنساه كظل في أفنية المآتم، لست أنساه كصوت يتهدج بين أبيات الرثاء، مشى والعشق الحسيني يطبع في غرته بصمات الولاء، كنت أهواه؛ لأني أراه أحسائي الملامح هجري الطبع والنبع والهوى.
2- الخطيب الحسيني سماحة الشيخ حسن المحمد صالح:
فهو الشاعر الذي يُفرغ حبه لأهل البيت (ع) في قوالبه الشعرية، ولكنه الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة. وهو الغني بحبه لعلي وأولاده الطاهرين (ع)، والزاهد المتقشف في مأكله وملبسه، وهو صاحب الذكر الجميل، فلا يكاد يُذكر إلا وترتسم صورته في الأذهان، وهو المتواضع صاحب البشاشة الدائمة على محياه الكريم. وفي ختام القول، أختصر العبارات في كلمة مكثفة، مضغوطة معبرة: هو حسيني الهوى بما للكلمة من معنى.
بواكير شعره:
إن شعر الحمراني من النمط النبطي من الشعر، حيث تفتقت شاعريته عن نظم هذا الشعر، وهو فتى صغير، وكانت أولى محاولاته في هذا الحقل الشعبي من الشعر في صباه قبل بلوغه، وكان عمره آنذاك يتراوح بين الثالثة عشرة والرابعة عشرة سنة، حيث نظم هذين البيتين على لسان حال السيدة زينب (ع) وهي تندب أخاها أبا الفضل العباس اللام عندما قرر الأعداء سبيهم من كربلاء إلى الكوفة، إذ قال الحمراني في هذا الموقف الحزين:
عباس يا شبه البدر ليلة تمامه
دگعد يخويه بو الفضل بار اليتامى
سرن إلى الشامات لا زاد ولامه
ترضی یساری نروح للطاغي هدية
قال في مدح في ولادة الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام):
أشرق علينا يوم أصبح عيد ميلاد
بنت النبي المختار علة كون ليجاد
أنفوسنا بسرور فرحانة بهيجة
في مهرجان انقيم تقديس برهیجه
نهني المختار بالزهرا وخديجة
مع حيدر الكرار بكرم خير ميلاد
أم البتوله أرسـلـت واتــريـــد نـســوان
إلها قوابل من قريش تكون أعوان
عيوا يجيبوا وانزلوا من الحور الجنان
مريم ولعيا وآسيا وجلثم للمراد
خجلت بليا ابساط للنسوان بدهوش
أقسم ورازق الطيور أفراخ بعشوش
لحظة وبيت المصطفى بدرنوك مفروش
سرت خديجة والنسا الجاو وفاد
أول عليها سلموا ابشوق والهين
ردت عليكن السلام یا خیر وافدين
قالوا لخديجة وفدنا من الحور العين
جينا قوابل والشرف منكم لنا زاد
حفوا بخديجة الحور لجل الوضع وبها
ووضعت خديجة ابفاطمه كالشمس وابهى
وأشرقت الأراضي بأنوار ربها
وسبحت الأكوان والأطيار غراد
وفاته:
إن الموت زئر كريه مزعج، لا يشجع على التفكير أو الحديث. ومن حسن حظه أنه في طريق مجلس الإمام الحسين (عليه السلام)، توفى الشاعر/ علي الحمراني (رحمه الله) صباح يوم الأحد 3/ شوال/ 1423 هــ، الموافق 9/12/ 2002 م. ودفن بمقبرة الهفوف في وطن بالأحساء الحبيبة.
جديد الموقع
- 2024-12-26 نحو معارض للكتاب الخيري
- 2024-12-26 معادلة الانتصار الإلهي والقيم العليا
- 2024-12-26 أحياة هي أم ظروف حياتية؟
- 2024-12-26 د.نانسي أحمد أخصائية الجلدية :العلاج البيولوجي أحدث وأهم الخيارات في معالجة الصدفية
- 2024-12-26 "ريف السعودية" ونادي الشباب يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز المسؤولية المجتمعية
- 2024-12-26 تجهيز عربة عيادة أسنان في الأحساء
- 2024-12-26 4 مليارات لفرص المسؤولية الاجتماعية خلال 21 شهرًا
- 2024-12-26 نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء
- 2024-12-26 ما الكون إلا زمان .. إلاك
- 2024-12-25 أغنى لغات العالم