2024/03/07 | 0 | 1402
هي حكاية لا تنتهي
كائن حي يتنفس هواءنا ويعيش معنا وبيننا، لابد منه ولا غنى عنه، ولا مفر منه، هو نصفنا الثاني، بل هو المجتمع كله؛ لأنه يصنعه على عينيه بإرادة الله عز وجل.
تحمله في بطنها وهناً على وهن، فيشرب من دمها، ويتغذى من لحمها، ويتنفس من هوائها، وقد تمرض أو تستشهد بسببه لكنها تستلذ هذه المعاناة، فتتحدث مع صويحباتها أن حملها أتعبها وأمرضها وأسقط بعض أسنانها، وتعاهد الله وتعاهدنا أنها لن تعيد الكرَّة، وما أن تتعافى من جراحها، وقبل فطام فلذة كبدها، تنكث عهدها، وتخلف وعدها وتحبل مرة أخرى مدعية أنها حملته بالخطأ، وأنها لا ترغب فيه، وكأن حملها السابق كان برداً وسلاماً عليها، فأي شجاعة وقوة امتلكتها فاقت بها مفتولي العضلات!
كانت المرأة عند اليهود أساس الشر في العالم، ورأس الخطيئة الأولى بسببها "عصى أدم ربه فغوى " فأخرجه الله من الجنة.
واحتلت عند النصارى مكانة أدنى بكثير من الرجل. قال بولس:" أعتقد أن حواء أخطأت أولاً، ثم أغوت آدم فانقاد وراءها ثانياً". وعاشت في أوروبا محتقَرةً وقذرة ولا قيمة أو وزن لها، وأنها خُلقت لخدمة الرجل ومتعته!
وكانت في الجاهلية تعتبر من سقط المتاع، تُوأد ولا ترث وإذا مات زوجها تصبح إرثاً لابنها الأكبر " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون".
وحين انبلج فجر الإسلام أكرمها، وأعلى قيمتها وساواها بالرجل في الأجر والخطاب وأضاف لها قيمة مضافة بأن جعل الجنة تحت أقدام الأمهات، وجعل حقها في بر الأبناء ثلاثة أضعاف حق الأب. وجعلها سكناً للرجل وجعل بينهما مودةً ورحمة حتى صارت نفسه الثانية، فقال المصطفى (ص): " النساء شقائق الرجال". وقضى على الظلم الجاهلي الواقع عليها كوأد البنات ومنعها ميراثها وغيرها، فصارت شريكةً للرجل لا نداً له، وأوصى بهن الرسول(ص) قائلاً: " رفقاً بالقوارير"، وأنزل الله سورة النساء تذكرنا بهن نتلوها آناء الليل وأطراف النهار. فأم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية (ض) سقت وداوت الجرحى في معركة أحد، ودافعت عن الرسول(ص) بسيفها حتى جُرحت. وأمنا خديجة (ض) وضعت جل أموالها في نشر الدعوة فأوفى لها الرسول (ص) بحبه لها ولم يتزوج عليها في حياتها. وحين اشتكت له سيدتنا الزهراء (ع) من تعبها في أعمال منزلها قلدها وساماً من الطبقة الأولى سُمي بتسبيح الزهراء يردده المسلمون دبر صلواتهم الخمس، ولقبها بأم أبيها. وحين توفيت فاطمة بنت أسد (ض) أم الإمام علي (ع) كفنها بردائه اعترافاً بفضلها. وفي القرون السابقة المظلمة على العرب والمسلمين تراجعت قيمتها إلى أبعد مدى في وقت علت قيمتها قليلاً في أوروبا، فكان الرجل إذا جاء ذكر النساء على لسانه استدرك مخاطباً مستمعيه بعبارة: كرمكم الله! بل أصبح ذكر اسمها عورة على لسان بعضهم فإذا أراد بعض المراهقين أو الأطفال أن يعير صديقه أو عدوه ذكر أمام أقرانه اسم أمه، فيشتاط غضباً وكأن معرفتهم لاسمها من المنكرات!
وقد ظهرت في بدايات القرن التاسع عشر الميلادي حركة تحرير المرأة في أوروبا تطالب بإعطائها بعض الحقوق، مثل: الحرية ومساواتها بالرجل في العمل وبعض الحقوق وغيرها. وحين صدقت المرأة أكذوبة تحريرها، ومشت في ركابها منطلقةً نالت قليلاً من حقوقها بعد أكثر من مئة سنة تقريباً. وقد تطورت حركة تحريرها فظهرت في القرن العشرين في أوروبا بمسمى جديد هو" الحركة النسوية " من قبل نساء طالبن بجعل المرأة مساوية للرجل في كل شيء ومنافسةً ونداً له بغض النظر عن العادات والتقاليد والأديان والاتجاهات واختلافها عن الرجل حتى تمادت الرأسمالية الغربية بجعلها مادةً وسلعةً تدور حولها رحى الاقتصاد في مجالات كثيرة كالأزياء والإباحية والبغاء والسينما والفن والترفيه والإعلان والسياحة والإعلام. وجردوها من أنوثتها؛ لتعمل في أعمال لا تناسبها، تعمل نهاراً في وظيفتها وليلاً في منزلها، ثم أكملت الأمم المتحدة عام 1977المسرحية بجعل الثامن من شهر مارس من كل عام يوماً عالمياً اعترافاً بفضلها وتكريماً لإنجازاتها كما تزعم!
وفي الربع الأخير من القرن العشرين ظهر مشروع "تمكين المرأة"، الذي أعتبره نسخة معدلة من حركتي التحرير والنسوية الحديثة ويعني باختصار تقوية وتعزيز دورها في مجالات التنمية والاقتصاد وغيرها، وإشراكها فيها لتكون فعالةً في عالمها.
إن الأمم المتحدة والغرب استغلوا قضية حقوق المرأة وجعلوها أوراق ضغط سياسية وعسكرية واقتصادية وتجارية يبتزون بها دول العالم الثالث كما يسمونه خاصة الدول الإسلامية مدعين بأن الإسلام غمطها حقوقها، وأن من واجبهم أن يدافعوا عن نسائنا ويساووهن بنسائهم كأنهم أوصياء عليهن "إنهم ساء ما كانوا يعملون"!
حواء حكاية طويلة لم ولن ننتهي من سردها، ولن يكفيها البحر ولو كان مداداً لسرد ما قيل عنها وفيها: بإنها خلقت من ضلع أعوج من أضلاع الرجل، وأن كيدها عظيم، وأنها ناقصة عقل ودين، وصوتها عورة، وأنها رأس الخطيئة وأساس الشر، والمتسببة بخروج آدم من الجنة، وأنها عدوة لبني جنسها، وشاوروهن وخالفوهن، وأنها شر لابد منه، وجمالها فتنة تؤدي إلى الفوضى، والارتباط بها قفص ذهبي!
هي قوة التغيير القادمة، هي أسئلة التحدي في الماضي والحاضر والمستقبل لم يستطع الرجل حسم الإجابة عليها بدون قوانين وتشريعات بشرية أو ربانية في قضاياها الكثيرة مثل: العصمة وخروجها للعمل والأمومة والحضانة والقوامة والمساواة بالرجل والاستقلال عنه، والتعدد والحجاب والسفور والتحرش وتحديد النسل، وتوليها الحكم والقضاء، والترشح للانتخابات ودخولها معترك السياسة، والاختلاط والخيانة، ومساواتها بالأجر والعمل مع الرجل، وقتلها حفاظاً على شرف الأسرة أو القبيلة، وغيرها الكثير الكثير.
وستبقى حكايتها سجالاً طويلاً ومختلفاً عليها اجتماعياً ودينياً وسياسياً واقتصادياً وغيرها. هي شقيقة الرجل يفني شبابه كادحاً للارتباط بها بميثاق غليظ يكمل به نصف دينه؛ ليسكن إليها ويستمتع بها ويحميها ويرفق بها من الكسر ولها حقوق وعليها واجبات.
هي قصيدة الشعراء العصماء ومعلقتهم، وأغنية الحب للفنانين وبطلة مسلسلاتهم، وموضوع الكتَّاب والأدباء.
يدَّعون بأنها "ضعيفة" لكنها أقوى من الرجل، تتحمل الألم أكثر منه، فإذا ترملت أو تطلقت تستطيع أن تكون لأبنائها أماً وأباً حيث تؤدي معظم أدوار الأب، بينما الرجل إذا فقد زوجته بالوفاة أو الطلاق لا يستطيع أن يقوم بأدوارها لأبنائه؛ فيسرع بالبحث عن زوجة تساعده في تربيتهم قبل أن يجف ثراها!
هي مدرسة الإنسان الأولى: هي الأم والجدة والأخت والبنت والزوجة والقريبة والصديقة والزميلة، والجارة، هي ملح الحياة وسكرها وربيعها بل فصولها الأربعة، وحياتنا دونها لا جمال ولا ألوان ولا مشاعر ولا عواطف ولا حب فيها، إليها يأوي الرجل إلى ركن حنون لكنه كم يتضجر منها، ومن طلباتها ومن استماعه إلى حكاياتها "حكايات ألف ليلة وليلة"، فحين تهجره وهو يحبها حباً جماً يعود إليها صاغراً وقد يدفع الجزية لها!
في يومها العالمي لنقف وقفة إجلال وتقدير لكل امرأة حقة لم تصرفها زخارف الحياة عن أداء رسالتها لنفسها ووالديها وزوجها وأولادها ومجتمعها، فأثرت حياتنا بالحب والعطاء والخير والنماء، ونبتعد عن الجدل العقيم في قضاياها التي قتلناها بحثاً، فمن كان منا بلا خطيئة فليرمها بحجر، ولنتذكر أن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة.
جديد الموقع
- 2024-11-22 عادات قرائية مفيدة
- 2024-11-22 مع أن الأديان تتحدث عن قيمة التواضع الفكري، لكن قد يصعب على رجال الدين بشكل خاص تطبيق ما يدعون إليه الناس
- 2024-11-22 يرجع الفضل في استمرارك في تذكر كيف تركب دراجتك الهوائية إلى منطقة المخيخ في دماغك.
- 2024-11-22 نظرة على البنوك في المملكة.
- 2024-11-22 المخرج الشاب مجتبى زكي الحجي يفوز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان غالاكسي السينمائي الدولي35
- 2024-11-21 توقبع اتفاقية شراكة بين جمعية أدباء بالاحساء وجمعية هجر التاريخية
- 2024-11-21 أمانة الاحساء تُكرّم الفائزين بــ ( جائزة الأمين للتميز )
- 2024-11-21 سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة
- 2024-11-21 «الغربة باستشعار اللون».
- 2024-11-21 البيت السعيد