2021/10/23 | 0 | 3535
وقفه مع الراحل المفكر حسن حنفي ١٩٣٥ - ٢٠٢١
يعد حسن حنفي من أكثر المفكرين تأليفاً ودراسةً للتراث من منطلقات حداثية تجديدية، فقد كتب حسن حنفي على عدة أصعدة ما بين الفكر والدين والفلسفة. بدأ حياته متأثراً بالفيلسوف الألماني إدموند هوسرل والفلسفة الظاهراتية (الفينومنيولوجيا) مترجماً لنماذج من الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط: أوغسطين، أنسيلم، توما الأكويني ١٩٨١، ورسالة في اللاهوت والسياسية ١٩٧٣، وتعالي الأنا موجود ١٩٨٢. أعاد حسن حنفي دراسة العلوم التراثية في مجلدات ضخمة موسوعية من أمثال: من العقيدة إلى الثورة ١٩٨٨ (٥ مجلدات)، ومن النقل إلى الإبداع ٢٠٠٠ (جزأين) ومن النص إلى الواقع: محاولة لإعادة بناء علم الأصول ٢٠٠٥، ومن الفناء إلى البقاء: محاولة لإعادة بناء التصوف ٢٠٠٩ (جزأين). كما كتب بتنوع في قضايا الفلسفة والفكر مُقدِّمًا دراسات فلسفية ١٩٨٨، وفي الفكر العربي المعاصر ١٩٩٠، ومقدمة في علم الاستغراب ١٩٩١، واليمين واليسار في الفكر الديني ١٩٩٦، والدين والثورة في مصر ١٩٥٢ - ١٩٨١ (ثمانية مجلدات)، وغيرها من دراسات جمّة لعب التراث فيها دوراً محورياً وهاماً.
فبخصوص "العلاقة بالتراث"، نلاحظ أن حنفي يعتمد منهجاً يقوم على الاستيعاب الإيجابي، بإعادة بناء مضامين علومه العقلية والنقلية انسجاماً مع متطلبات النهوض والتجديد. إنه لا ينظر إليه كنص مفصول عن الواقع، ولا يتبنى المقاربات البنيوية أو الإبستمولوجية الساعية إلى إبراز تاريخيته والوقوف عند سياقاته الدلالية وخصوصياته المفاهيمية. فهو "ما يصل إلى شعبٍ ما مما خلفه القدماء وتتوارثه الأجيال، ويحدث لتيارات عامة واتجاهات ومدارس فكرية ويؤثر في سلوك الناس. وهي مسؤولية تاريخية تتحملها الأجيال فتواصل تاريخها أو تتركها فتنقطع جذورها فتذوب في ثقافات مغايرة".
ويتميز حنفي بكونه يصدر عن موقف تأويلي متعاطف مع النص التراثي، على غرار المقاربات الظاهراتية والهرمنوطيقية التي ترى ثراء وخصوبة في قصدية القارئ، وإبداعاً في عملية التأويل. إنه يتعامل معه كمخزون ثقافي حي لدى الناس يوجه وعيهم، ويضبط سلوكهم، ويحدد خياراتهم. لذا، فإن منهج التحليل الشعوري الذي طورته المناهج الظاهراتية هو الأجدى في التعامل مع الثرات، مع مسحة هيغلية - فيورباخية تنظر إلى الوعي الديني، كوعي "مغترب" يقتضي تحويلة إلى وعي إنساني متناسق "من أجل إعادة بناء الحضارة الإسلامية، واكتشاف الذاتية، وتغيير محاورها وبؤرها بدلاً من أن تكون مركزة حول الله تكون مركزة حول الإنسان". فما دام التراث هو بمثابة "القوالب الذهنية للناس "فيجب إعادة بنائه لإيجاد "بدائل تقدمية مكان البدائل السائدة".
وبخصوص "علم العقيدة"، ينزع حنفي إلى نقل علم الكلام من بعده اللاهوتي ليصبح أنثروبولوجيا تبحث في "الإنسان الكامل"، بدل مباحث الذات والصفات التي يجب أن تمنح للإنسان، وبدل الدفاع عن التوحيد الذي يجب أن يستبدل بالدفاع عن الأرض، وهكذا يصبح علم أصول الدين: "هو العلم الذي يقرأ في العقيدة واقع المسلمين من احتلال وتخلف وقهر وفقر وتغريب وتجزئة ولا مبالاة، كما يرى فيها مقدمات التحرر وعناصر التقدم...لو تم إعادة بنائه طبقاً لحاجات العصر، بعد أن بناه القدماء تلبية لحاجات عصرهم".
إن التحليل الشعوري هو المدخل النظري والمنهجي إلى إعادة بناء علوم العقيدة، و"لاهوت التحرر" هو الجسر إلى استيعابه في الحقل الديني. ويعود هذا الاتجاه إلى اللاهوت الثوري المسيحي في أمريكا اللاتينية، فما يريده حنفي هو إبداع نسخه إسلامية من هذا اللاهوت تتمحور حول قضايا التنمية والتقدم وحاجيات المجتمع التاريخية، والعمل على بروز نمط جديد من رجال الدين "المستنيرين" الذين يحولون المعتقدات الغيبية إلى رهانات إنسانية، "فالعقائد ليست أحكاماً صورية، بل ذات مضمون اجتماعي من وحي العصر".
وبخصوص "علوم الحكمة" (أي الفلسفة)، يقف حنفي ضد مسلك المستشرقين الذين لا يرون في الفلسفة الإسلامية إلا نقلاً حرفياً عن "الأصل اليوناني" أو تأثر سلبياً به، والفقهاء المتعصبين الذين لا يرون في الفلسفة الإسلامية إلا علماً هامشياً، وفكراً منحرفاً منعزلاً، داخل الحضارة الإسلامية...إن المطلوب اليوم، بحسب رأيه، هو إعادة استئناف علوم الكلمة مع تجاوز الفلسفات القديمة، بالسعي إلى قيام منطق جديد وطبيعيات شعرية جديدة ورؤية أحادية للإنسان لا تنفصل فيها النفس عن البدن.
وبخصوص علوم "التصوف"، نلاحظ أن حنفي يقسمه إلى مراحل أربع: المرحلة الأخلاقية والمرحلة النفسية والتصوف الفلسفي والتصوف الطرقي. وإذا كانت قيم الصوفية، في السابق، هي الفناء والزهد والعزلة فإن المطلوب هو تحويل التصوف إلى قيم المقاومة والثورة والبقاء. فالفناء يتحول إلى "فناء في العمل" بدل عقيدة الحلولية، و"الاتحاد" يعني إنجاز القيم الدينية في الأرض والتاريخ.
وبخصوص "علم الأصول" الذي خصص له حنفي أحد أهم كتبه وأكثرها رصانة علمية، نلاحظ أنه يدرسه في مساره التكويني وبنيته النصية، منتبهاً على ما يسمه من انتفاخ "الوعي النظري" على حساب "الوعي العملي"، ما يؤدي إلى أولوية النص على الواقع واللفظ على المعنى، والنقل على العقل. فالمطلوب، إذاً هو تحويل علم أصول الفقه من "علم فقهي استنباطي منطقي إلى علم فلسفي إنساني سلوكي عام". ومن هنا الجهد المبذول في الصياغة المفهومية للمصطلحات القديمة باستخدام التحليل الشعوري الظاهراتي: الوعي التاريخي (المصادر الأربعة)، الوعي النظري (مباحث الألفاظ)، الوعي العملي (مقاصد الشريعة). كما يبدو جلياً في إعادة الاعتبار لأشكال الاستدلال الحر من استحسان واستصلاح واستصحاب، وتطوير مقاصد التكليف، وتحويلها مضامين جديدة تتناسب وحاجيات الأمة الراهنة.
أما بخصوص "العلاقة بالغرب"، فيوضح حنفي أن هدفه هو "تحجيم الغرب"؛ أي النظر إليه في حدوده الخاصة، برفض "المركزية الأوروبية " المهيمنة، وعقدة النقص لدى الحضارات والشعوب الأخرى. وهكذا يتحول التلميذ إلى أستاذ، وموضوع الدراسة إلى ذات دارسة .
لأجل هذا الغرض، يبتكر حنفي علماً جديداً أطلق عليه "علم الاستغراب"، أراد فيه دراسة الوعي الأوروبي، منطلقاً وخاتمةً، مع الوقوف على "أزمته" وإبراز الإمكانات المتاحة لتعويضه من خارج الحضارة الغريبة. "فكما أنشأ الغرب علم الاستشراق ليدرسنا حيث اعتبر نفسه ذاتاً والشعوب موضوعاً. فلا بد أن نجعل من أنفسنا ذاتاً ومن الغرب موضوعاً، وحتى لا نظل ننقل عن الغرب كالتلميذ للغائب".
جديد الموقع
- 2024-11-22 عادات قرائية مفيدة
- 2024-11-22 مع أن الأديان تتحدث عن قيمة التواضع الفكري، لكن قد يصعب على رجال الدين بشكل خاص تطبيق ما يدعون إليه الناس
- 2024-11-22 يرجع الفضل في استمرارك في تذكر كيف تركب دراجتك الهوائية إلى منطقة المخيخ في دماغك.
- 2024-11-22 نظرة على البنوك في المملكة.
- 2024-11-22 المخرج الشاب مجتبى زكي الحجي يفوز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان غالاكسي السينمائي الدولي35
- 2024-11-21 توقبع اتفاقية شراكة بين جمعية أدباء بالاحساء وجمعية هجر التاريخية
- 2024-11-21 أمانة الاحساء تُكرّم الفائزين بــ ( جائزة الأمين للتميز )
- 2024-11-21 سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة
- 2024-11-21 «الغربة باستشعار اللون».
- 2024-11-21 البيت السعيد