شمس بيضاء باردة

رواية شمس بيضاء باردة للكاتبة الأردنية كفى الزعبي عن شاب أردني يعمل معلما وهو من عائلة فقيرة مثقف تائه في مجتمعه يرمز إلى شخصية المثقف العربي الذي يصدم بواقع ديني واجتماعي واقتصادي يتناقض مع ما يصبو إليه.
بطلنا يتصادم مع والده حيث أن الأب لا تعجبه حياة ابنه غير التقليدية فهو يريده أن يتزوج ويكون أسرة بينما هو منصرف إلى أمور أخرى كالكتب والقراءة.
الخلاف بينه وبين أبيه لم يكن خلافا على القراءة بقدر ما كان خلافا على نوع الكتب المقروءة وعلى النظرة إلى الحياة فالأب نظرته واقعية تقليدية يطرحها بطريقة قاسية طريقة الفرض والولد نظرته حالمة متشائمة قادته القراءات إلى الإلحاد أو أوشك أن يدخله.
يحب فتاة يراها عن بعد ولم يصارحها بحبه بل لعله لم يتحدث معها حتى.
لأبيه قريبة أرملة تزورهم مع ابنتها وهما عائشة وأمها فتدعوهما أم بطلنا في كل مرة للمييت في منزلهم مجاملة لكن أم عائشة كانت تلبي الدعوة الأمر الذي يغضب الزوج في كل مرة فهو يتضايق من أم عائشة وابنتها البلهاء حتى يقع حادث لأم عائشة بعدما خرجت من منزل قريبها يودي بحياتها ويخلف ابنتها للوحدة. يتدخل والد بطلنا الذي كان بالأمس يزدريها ويزدري أمها فيظهر لها مقدارا كبيرا من التعاطف ويرحب بها من أجل حفظ أموالها ظاهرا وطمعا في مالها باطنا حيث يأخذ منها ذهبها بحجة المحافظة عليه لحين تتزوج ويجعلها تستخرج له وكالة على أموالها كي يتصرف في منزلها مستغلا بلاهتها وقرابته منها رغم وجود من هو أقرب لها منه من طرف والدها المتوفى.
تتكفل عائشة بشؤون المنزل تنظيفا وتنسيقا لكن مستضيفها يتضايق من المصاريف الزائدة المبذولة في المنظفات وفي طعامها.
وفي لحظة ضعف ينساق بطلنا وتنساق عائشة خلف الشهوات ويقع بينهما المحظور وقد كانت انتقلت إليهم خوفا من أبناء الحرام لكن ابن مستضيفها هو ابن الحرام كما اتضح. ينتهش الندم فؤاد البطل ويشعر أنه بات نذلا كأبيه لا يفرق عنه في شيء لكن الندم لن ينقذه من الفضيحة حينما اكتشف الأب والأم أن عائشة حبلى فقامت قيامة البيت على رأسه وبعد أن كان الأب والابن مجرمين في حق عائشة انضمت الأم إلى ركب المجرمين حينما تآمرت مع زوجها من أجل تزويج تلك المعتوهة بشاب معتوه مثلها وحضتها على عدم إظهار أعراض الحمل في الشهر الأول أمام زوجها وإن اكتشف كونها ليست بكرا أمرتها بأن تدعي عدم معرفتها بشيء وقد تعرضت عائشة للضرب من قبل المستضيف وتعمد توجيه الركلات إلى بطنها علها تسقط جنينها ولكنها كانت تتمتع ببنية قوية منعت الجنين من السقوط.
يتعجب البطل من الازدواجية في المعايير الإنسانية فوالده اللعين كان لا يترك الصلاة وأمه الطيبة شاركت في ظلم عائشة وهو الذي يدعي القيم فعل ما فعل مع عائشة والمجامع يزدري الفقراء والمتسولين وهو يزدري المجتمع. لكن موت عائشة كانت صدمة كبيرة رغم الفرحة الباطنية بخلاصهم من فضيحتها ولكن هل للضمير أن يبرد بعدما ماتت بسبب موت الجنين في بطنها؟!
الصراع بين البطل وأبيه كان محتدما رغم السلبية الظاهرية التي ظهر عليها البطل إزاء مواقف والده المشينة تجاهه أو تجاه المجتمع بل ربما كان يدافع عن أبيه في بعض الأحيان مراعاة للمجتمع لكنه في باطنه يمقت والده ويزدريه.
السرد كان من أهم جماليات الرواية فقد كان متناسقا منتظما كعقد من اللؤلؤ أو حبات سبحة لم تنفرط.
شخصية البطل الذي يسرد الأحداث والمشاعر كانت بارزة الأبعاد إذا استثنينا البعد الجسماني الذي كان الوصف فيه فقيرا أما بقية الشخصيات فكانت سطحية لم تشرح الكاتبة مبرراتها ومن أبرزها شخصية الأب الذي بدأ في الرواية سيئا وانتهى سيئا دون أن نعرف لسوئه خلفية أو سببا.
الصراعات كانت تعتصر البطل من كل صوب وحدب صراعات مادية تتمثل بعدم كفاية مرتبه سد حاجته صراعات ثقافية تتمثل في عشقه للقراءة ومحاربة والده لكتبه، صراعات عاطفية وجنسية تتمثل في تجاربه المحرمة، صراعات اجتماعية تتمثل في علاقته بالمجتمع الصغير مديره أصدقائه عائلته، صراعات وجودية وميل إلى الإلحاد من قبله.