2020/12/30 | 0 | 4517
سماحة الشيخ أحمد حسين البخيتان :علاج قسوة القلب ( القسم الثالث )
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين خير الخلائق أجمعين من بُعث رحمة للعالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة والعذاب الأليم على أعدائهم ومنكري فضائلهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين .
قال تبارك وتعالى :
( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً )
آمنا بالله صدق الله العلي العظيم .
لا يزال كلامنا موصولاً بما تقدم في الأسبوع السابق ، وهو الحديث عن علاج قسوة القلوب ، وذكرنا الأسباب لقسوة القلوب ، ثم بدأنا في ذكر العلاج لهذه القسوة للقلوب ، وذكرنا علاجين وهما :
١- التوبة إلى الله تبارك وتعالى ، وقلنا بأن الإنسان يطهر وينظف قلبه من الذنوب ؛ حتى يكون هذا القلب محلاً ومكاناً للطف الله تبارك وتعالى .
٢- قراءة القرآن الكريم :
وفي هذا اليوم أيضاً إكمالاً لهذا العلاج - وهو قراءة القرآن الكريم - القرآن الكريم أيها الإخوة الأعزاء هو كتاب الله تبارك وتعالى ، وهو كتاب هداية ، وهو كتاب يُعبر ويظهر عظمة صاحب هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وقد أشارت الأخبار والأحاديث الواردة عن أهل البيت ( عليهم السلام ) بأن قراءة القرآن له دور في علاج قسوة القلوب ، يعني يحي القلب ، ويجعل هذا القلب قلباً مفعماً بالإيمان ، ومفعماً بالثقة بالله تبارك وتعالى ، ومن هذه النصوص :
١ - ما وردعن النبي محمد (صلى الله عليه وآله): ( لا تغفل عن قراءة القرآن ، فإن القرآن يحيي القلب ) ، فعندما يعيش الإنسان أجواء القرآن ويتدبر معاني القرآن فإن ذلك يحي قلبه ، وإذا حيا القلب بالنتيجة أنّ القلب يخشع ويخضع لله تبارك وتعالى ، والقرآن الكريم ليس له تأثير على القلوب القاسية فحسب ، بل حتى المكان الذي يُقرأ فيه القرآن يتأثر بقراءة القرآن الكريم ، يقول تبارك وتعالى : ( لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ ) إشارة إلى أنّ الكائنات الجامدة التي نراها أنها جامدة ولكنها تُسبح الله تبارك وتعالى ، فلو أُنزل هذا القرآن على الجبل الأصم لرأيناه خاشعاً وخاضعاً لله تبارك وتعالى ، فمن باب أولى أنّ هذه القلوب تكون خاشعة لله تبارك وتعالى ، إذا كان المكان يتأثر فيكون هذا المكان أو هذا البيت محلاً لعناية ولطف الله تبارك وتعالى ، ويكون محلاً لرحمة الله تبارك وتعالى ، فالإنسان لما يجعل بيته ومكانه فيه القرآن الكريم فإن البركات والرحمات واللطف الإلهي والنظرة الإلهية تكون محل عناية لذلك البيت ولأصحاب ذلك البيت.
ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( البيت الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب )
يعني البيت الذي لا يِقرأ فيه القرآن ، والقرآن مهجور ، فهو بيت خرب لا حياة فيه لا روح فيه - وإن كان في هذا البيت أشخاص وعامر بأهله ولكنه إذا نظرنا بعين الإيمان نجد أن ّهذا البيت في واقعه هو خراب بيت مظلم بيت موحش - وبالنتيجة هذا البيت المظلم الموحش البعيد عن القرآن الكريم سوف يترك أثراً سلبياً على أهل ذلك البيت ، فتكون قلوبهم قلوباً قاسية وميتة ؛ فإذن القرآن الكريم هو ربيع القلوب وإذا حل الربيع في مكان ترى الحياة ترى النشاط ترى الحيوية ، كذلك القرآن الكريم يجعل القلوب قلوباً حية ، فالقرآن الكريم ربيع لتلك لقلوب ، والربيع هنا إشارة إلى الحياة ، إلى النشاط ، إلى الحيوية في ذلك القلب .
فإذن نحتاج إلى أن نعيش في بيوتنا وأن نعود أبناءنا على أن يرتبطوا بالقرآن الكريم ، ولو سورة ولو صفحة واحدة ، نربي أبناءنا ونربي أنفسنا على أن نعيش مع أجواء القرآن ، فيكون لنا ورداً وزماناً نقرأ فيه القرآن ، حتى تحل البركة ، وينظر الله تبارك وتعالى لبيوتنا نظرة عطف ، ورحمة ، ورأفة منه تبارك وتعالى ، بل ورد في بعض الأخبار الواردة عن محمد وآل محمد ( صلى الله عليه وإله )
أن ّالبيت الذي يقرأ فيه القرآن يضيء لأهل السماء ، لأنه عامر بكلام وذكر الله تبارك وتعالى .
في الحديث الوارد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " البيت الذي يقرأ فيه القرآن ، ويذكر الله عز وجل فيه ، تكثر بركته ، وتحضره الملائكة ، وتهجره الشياطين ، ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب لأهل الأرض ، وإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله عز وجل فيه تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين " .
إذن البيت إذا كان محلاً للقرآن الكريم فإن ذلك يكون محلاً لعناية ولطف الله تبارك وتعالى .
وتارة يكون هذا البيت خالياً عن القرآن الكريم ، لا يُقرأ فيه القرآن الكريم ، فتقل بركته ، وتحضره الشياطين ، ولا ينظر الله إليه بلطف عنايته ، لكن المصيبة الأعظم والأدهى أن هذا البيت الذي لا يُقرأ فيه القرآن تجد فيه الغناء والطرب فيكون محلاً وعشاً لحضور الشيطان - فتارة بيت لا يقرأ فيه القرآن ولكن في المقابل تسمع الغناء والطرب في ذلك البيت - والنتيجة ترتفع بركة الله تبارك وتعالى عن ذلك البيت ، فترى الأحزان ، والمصائب ، والبلاء في ذلك البيت بسبب الغناء والطرب ، وهذا ما أشار إليه أهل البيت ( عليهم السلام ) ، كما ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " بيت الغناء لاتؤمن فيه الفجيعة ، ولا تجاب فيه الدعوة ، و لا يدخله الملك ) .
فنجد صاحب الغناء والطرب ، من مصيبة ، إلى بلية ، إلى محنة ، إلى مشاكل ، فيكون الغناء سبباً لفجيعة أصحاب ذلك البيت ، وربما الإنسان لا يدري ولا يعلم ما هي أسباب المشاكل التي يعيش فيها ، فتراه يخرج من مشكلة ، ويقع في أخرى ، يصاب ببلاء ومحن ، ولعل السر في ذلك بسبب الغناء والطرب الذي يعيش فيه ذلك البيت .
وقد نهانا أهل البيت ( عليهم السلام ) أن ندخل بيوتاً الله معرض عن أهلها ، إذا كان هذا البيت أو هذا المكان الله معرض عنه يعني رفع لطفه ، ورفع عنايته، ورفع بركته عن ذلك البيت فيكون بيتاً مغضوباً عليه من قبل الله تبارك وتعالى ، فالإنسان لا يدخل ذلك البيت ، يقول الإمام الصادق (عليه السلام) : " لا تدخلوا بيوتا الله معرض عن أهلها "؟و الإعراض إشارة إلى أن الله تبارك وتعالى ، لا ينظر بلطف ، ولا ينظر بتوفيق ، ولا برحمة لذلك البيت ، فإذن القرآن الكريم له أثر على إحياء القلوب ، والغناء واللهو والطرب له أثر على إماتة القلوب ، لأن هذا القلب إذا كان فيه اللهو والطرب يعيش الإنسان الميوعة ، يعيش في هذه الأجواء ، فلا يُقبل على الله تبارك وتعالى في عبادته ، وفي دعائه ، وفي مناجاته ، بل ربما لا يوفق لذلك بسبب سوء اختيار الإنسان لهذا الأمر ، وأيضا أشارت الروايات بأن الغناء يؤثر على إماتة القلوب ، بل ربما يؤدي إلى النفاق والعياذ بالله ، يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " الغناء ينبت النفاق في القلب ، كما ينبت الماء الزرع " فالغناء طريق إلى وجود النفاق في القلب ، فإذا حل النقاق مات القلب وقسا، فكما أن هناك أسباب مادية لتوفيق الله تبارك وتعالى كذلك هناك أسباب غيبية - (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) - فربما يبذل الإنسان الأسباب المادية ويسعى ويتحرك وينسى التوفيق الإلهي ، والأمور الغيبية ، لذلك الله سبحانه وتعالى يقول : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا )
فهناك أسباب طبيعية من أجل تحصيل الرزق ، وهناك أسباب غيبية ، كذلك أيضاً في المقابل الأمور السيئة المعاصي والذنوب فإذا كان هناك أسباب مادية بسبب هذه الذنوب أيضاً هناك أسباب غيبية ، يقول تبارك وتعالى : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) — فربما الإنسان يصاب ببلاء لعله يرجع إلى الله تبارك وتعالى — فإذن نريد أن نقول بأنَّ القرآن الكريم يكون سبباً لعلاج قسوة القلوب ، ويكون هذا القلب قلباً خاشعاً ، ، فإذا وقف للصلاة إذا وقف للدعاء إذا وقف للمناجاة ترى الإنكسار وترى الإقبال على الله تبارك وتعالى ، ورد عن النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) : ( نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن )
فهناك ضياء معنوي لوجود القرآن في تلك البيوت ، ويقول (صلى الله عليه وآله ) : ( إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد ، قيل يا رسول الله وما جلاؤها ؟ قال: قراءة القرآن وذكر الموت ).
نسأل من الله تبارك وتعالى أن يجعل قلوبنا عامرة بطاعته ، وعامرة بذكره .
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ، وطبيب نفوسنا ، وشفاء صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا ، ومغفرة لذنوبنا إنك على كل شيء قدير . وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
جديد الموقع
- 2024-11-25 أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء"
- 2024-11-25 أمير الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"
- 2024-11-25 سمو محافظ الأحساء يستقبل رئيس وأعضاء جمعية عناية بالمصاحف
- 2024-11-25 العباد عضوا في المجلس الاستشاري للتعليم الخاص بالاحساء
- 2024-11-25 الوصول إلى حالة الإنغماس وقياس مستواها
- 2024-11-25 اكتشاف أقدم أبجدية معروفة في مدينة سورية قديمة
- 2024-11-25 زوايا المدينة
- 2024-11-24 التفوق العلمي طريق الى التقدم والازدهار
- 2024-11-24 قافية أيوب الأخرس
- 2024-11-24 البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل