الشيخ كاظم الصحاف شاعــراً ..1313 هـ - 1399هـ

                مدهشٌ و عجيبٌ كثرةُ ما كان يتناقله الناس في الأحساء عن الشيخ كاظم بن الشيخ علي  الصحاف رحمه الله  , وكأنه قطب رحى العلم والأدب فيها  , رغم كثرة مَن كان  يعاصره من مراجع و فضلاء وخطباء من العيار الثقيل .

            ولن يحتاج الباحث إلى جهد كبير ليكتشف أن الشعر ذلك المخلوق الساحر هو أحد أهمّ أسباب شهرة الشيخ كاظم الواسعة و أهم أسباب افتتان الناس به و حبهم له .

            نعم إنه الشعر  , ذوب القلوب , و عصارة الأكباد , وخلاصة الأفكار ,       و مرآة النفوس . أما إذا كان حب أهل البيت عليهم الصلاة والسلام  المتكأَ والمنطلقَ لذلك الشعر فلا شيء سيحد اندفاع تباريحه و شجونه , ولا مدى سيستوعب صدى تراتيله و لحونه ! .

ولم يكن الشعر بدْعـًا في الشيخ كاظم رحمه الله , فهو من أسرة عريقة توارثت العلم والأدب والشعر جيلا بعد جيل , فوالده الشيخ علي بن الشيخ محمد الصحاف رحمه الله كان شاعرا مجيدا  , ومن شعره في استنهاض الإمام الحجة عجل الله فرَجَه :

مـابـالُ ثـاركَ عـن مـثـاركَ نـازحُ

وكذلك جده الشيخ محمد بن الشيخ حسين الصحاف رحمه الله كان شاعرا مجيدا أيضا و من شعره في تخميس إحدى القصائد الشهيرة في أهل البيت عليهم السلام :

والمدهش أيضا أن الشيخ كاظم الصحاف رحمه الله إنسَلّ وكالشعرة من العجين من براثن الغزل الماديّ الذي قلّمــا يستطيع شاعر مهما كانت درجة ورعه      و تدينه الإنفلاتَ منها , فنادرا ما تجد أبيات نسيب أو تشبيب للشيخ كاظم ,     و حتى وإنْ وجدتَ فستكتشف أنها مجرد مقدمة لقصيدة مدح أو رثاء لأحد أئمة أهل البيت ا لطاهرين عليهم السلام أو لأحد رموز الأمة , يجاري بذلك أسلافه من الشعراء الذين اعتادوا افتتاح قصائدهم بأبياتٍ من الغزل لجذب انتباه السامع وليس قصدا للغزل و التشبيب . وذلك لعمري دليل واضح وإشارة جلية إلى امتلاء قلبه واكتناز مشاعره بمودتهم وبالولاء لهم عليهم السلام وقد عبّـر هو عن ذلك بقوله :

وكأنّ الشيخ كاظم رحمه الله أراد أن  يدخل فيما دخل فيه  عميد شعراء الولاء الهَجَريّ ( سفيان بن مصعب العبدي ) وشاعر بني عبد القيس الخالد الذي استأثر بشرفٍ لم يحض به شاعرٌ من قبله ولا من بعده عندما  قال الإمام الصادق عليه السلام في حقـه ( علّموا أولادكم شعرَ العبدي فإنه على دين ا لله ) .

            وسأورد من الشواهد ما يثبت أن الشيخ كاظم رحمه الله لم يكن يقصد الغزل إلا لجذب انتباه المتلقي ولفتح نوافذ روح السامع لنور مناقب وطيب سجايا مَن أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا  , يقول في مقدمة قصيدة في مدح النبي الأعظم محمد صلى ا لله عليه وآله :

ويقول في مطلع قصيدة أخرى في النبي الأكرم أيضا عليه الصلاة والسلام :

ويقول في مطلع قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام :

وحتى عندما يشكو الشيخ كاظم الزمان و جور بعض حساده عليه فلا يعوذ ولا يلوذ إلا بحبل الله و سفينة النجاة عليهم الصلاة والسلام ,  يقول رحمه الله:

ويمكن للباحث و الدارس اعتبار هذه القصيدة الرصينة دليلا على ما كان يتوفر عليه الشيخ كاظم رحمه الله من موهبة شعرية وقّادة و حس أدبي ثري .

وعاملٌ آخر من العوامل التي تشكلت منها ( الكاريزما  ) المذهلة للشيخ كاظم الصحاف رحمه الله وهو جرأته الكبيرة ضد كل ما يتعارض مع الإخلاص في الوفاء لمبادئ أهل البيت عليهم السلام  وكل ما ينافي ما دعوا إليه من معرفة و تمجيد وطاعة الله سبحانه و تعالى ,  ومن ذلك رده الشهير على قصيدة ( الطلاسم ) للشاعر إيليا أبو ماضي , فقد تصدى الشيخ كاظم لكل ما أطلقه أبو ماضي  في تلك القصيدة من شكوك وحيرة , يقول الشيخ كاظم في مواضع متفرقة من رده :

ولا شك  أن علاقة الشيخ كاظم رحمه الله بكبار علماء عصره و ثقتهم به و اعتمادهم عليه كآية الله الميرزا موسى الحائري قدس سره و آية الله الشيخ حبيب بن قرين قدس سره و آية الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس سره وآية الله الشيخ موسى بو خمسين قدس سره  كانت أحد أسباب إيمان الناس بما ينطوي عليه هذا الرجل من سجايا كريمة و مواهب شريفة ,

فقد بعثه آية الله الميرزا موسى الحائري إلى سوق الشيوخ نائبا ووكيلا عنه , كما كان وكيلا أيضا عن آية الله الشيخ حبيب بن قرين و آية الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء .

وعندما عاد الشيخ كاظم من العراق إلى الأحساء استضافة آية الله الشيخ موسى بوخمسين  وأكرمه أيّما إكرام  , وعندما سافر الشيخ كاظم إلى البحرين أحسّ بشوق عارم إلى الأحساء  وأهلها , فنظم قصيدة جميلة و بعثها إلى الشيخ موسى يمدحه و يعبر عن حنينه للأحساء وأهلها بحنينه للشيخ موسى  يقول فيها  :

وعندما انتقل آية الله الشيخ موسى بو خمسين إلى جوار به رثاه بقصيدة عبّر فيها عن صدق محبته له و حزنه على فقده يقول فيها :

إنه الحب الحقيقي والمشاعر الصادقة عندما تنهمر سحْرًا و لوعةً ووفاءً ووجداَ . ولماذا لا يكون الشيخ كاظم كذلك وهو ربيب مدرسة الوجد الحسيني  , وفارس منابر الشّجى الكربلائي , ولسان الباكين على سيد الشهداء عليه السلام و ما تأبينه للشيخ موسى إلا حرف واحد من أبجدية حزنه على أبي الأحرار  الذي قال في رثائه في إحدى روائعه العاشورائية :

ومن الفنون الشعرية التي برع فيها الشيخ كاظم رحمه الله فن التخميس الذي كان مضمارا يتنافس فيه الشعراء آنذاك لإبراز قدراتهم ومهاراتهم في ترويض البيان لمشيئتهم الإبداعية . وقد أبدع الشيخ كاظم وجلّى في هذا المضمار و تفوّق على الكثير من شعراء عصره , يقول مخمّسا لأبيات من قصيدة في رثاء الإمام الحسين عليه السلام مخاطبا  أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام :

وقال في تخميس البيتين الشهيرين للمتنبي في أمير المؤمنين عليه السلام :

وقال في تخميس البيتين المنسوبين للإمام الحسين عليه السلام في حبه لإبنته سكينة و لزوجته الرباب :

وسببٌ آخر من أسباب تعلق الناس بالشيخ كاظم وشغفهم بشعره وهو ولعه بنظم الطريف والظريف من الأشعار و خاصة في عدد من المخترعات الحديثة التي بدأت تظهر في البلاد في أيامه , فلم يفته تسجيل اندهاش المجتمع بها و تفاعله معها لأول وهلة  بروحه المرحة  ولغته المنسابة , فقد كتب في الطائرة و في المذياع وفي المروحة و في غيرها .

يقول في السيارة من قصيدة طويلة :

وقال في المروحة من أرجوزة طويلة أيضا :

وقال في المذياع :

ذلك هو الشيخ كاظم الصحاف رحمه الله , الشاعر الذي ملأ الدنيا       و شغل الناس أينما حلّ , واستأثر بكل الدهشة والإعجاب , وتلك هي الأحساء التي كانت ولم ولن تزال  محطة للعشق الإلهي , وأرجوحةً للمودة المحمدية , و منهلاً للولاء الحيدري , يقف الزمان أمامها كل يوم وقفة إجلال و إكبار لهذا الوفاء الذي لا تزيده العواصف الهوج إلا ثباتا في الأرض             و شموخا في السماء .

هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين