2024/11/14 | 0 | 218
في ديوان «هاجسُ الريح»لهاني الملحم.. ما نتوقعه من الشعر، وما تعد به القصيدة.
اليمامة
لا يبدو أن سؤال الشعر؛ طبيعته وأهميته، قد أُشبع طرقاً وتجوالاً من قبل شعرائنا المعاصرين. فقبل أن يكتب الشاعر أوكتافيو باث كتابه «الشعر ونهاية القرن» والشعراء يجادلون المعنى ويقدمون أطروحات تقترب وتبتعد من مناوشته. فما يقرره أوكتافيو، هو أن القصيدة الشاملة القديمة كانت دائماً موضوعية، أي أن الشاعر لا يظهر فيها. والشعر العربي أيضاً، وبعد التبدل الملحوظ في مواضيعه الشعرية ببروز ذاتية الشاعر، يمكننا أن نلحظ فيه ثبات «سؤال الشعر» كموضوع رئيس يتناوله الشعر الحديث بكافة أجناسه؛ العمودي والتفعيلة وكذلك قصيدة النثر. وسؤال الشعر هو في حقيقته وثيق الارتباط بسؤال الوجود وعلاقة الشاعر بالعالم، وعنده تكون ماهية القصيدة هي الجزء الظاهر والمحرض للمسألة الأعمق والأكثر شمولية وهي فهم الكينونة بمساءلة الذات. فالتماهي ببين الذات والقصيدة هي ما عناه الشاعر البريطاني ويليام بتلر ييتس في نصه الشعري:
«أولئك الأصدقاء الذين يرون أنني أرتكب خطأ
كلما نقحت قصائدي وراجعتها
لا يدركون حقيقة الأمر
وهي أنني إنما أراجع نفسي وأنقحها».
الشاعر هاني الملحم بدوره، وفي ديوانه «هاجس الريح» الصادر حديثاً عن دار مدارك، كان في مجمل نصوصه الشعرية يطرح سؤالاً مفتوحاً لا يريد إغلاقه عما يتوقعه من الشعر، وماذا تعد به القصيدة. فبالرغم من تنوع مواضيعه وتنقلها بين الوطني والعاطفي والاجتماعي، إلا أن الحضور البارز للسؤال يبقى لافتاً، كما في نصه«صمت فوق الجدار»:
«وحدي أسائل كل أوراقي التي
كتبت أنيني فوق صمتِ جدارِ
كم في القصيدِ مواجعٌ دفاقةٌ
فيها أعيشُ نبوءتي ودماري».
ولعل بإمكاننا التعويل على كلمات مفتاحية ثلاث: «الشعر، الحرف، الريح» والتي هي مفردات لا تغيب في أي نص من نصوص الديوان، مما يشي بأن ذلك ما هو إلا تمديد للسؤال الشعري من أجل الدفع به إلى استبطان مناحي الوجود على ضوئه، كما يقول في نص «مختلف:
«حبري سحابُ الوقتِ، شعري أنهرٌ
وأنا وذاتي هاجسانِ ونختلف».
ويتضح أيضاً في نصه «هاجس الريح» حيث يكشف عن تلك الغاية وذلك المسعى، وما الريح سوى تعبير عن القلق المحرك لكل تلك الرؤى والمشاعر، والهاجس هي الظنون التي ما زالت قيد الاختبار:
«حبري أنا الماءُ، سطري شاطئٌ وهوىً
فكيف في لحظة الميعاد أحتارُ؟
هذي المرايا، كأشعاري وقافيتي
فكيف بيني وبين الحرفَ أختارُ
فيا طيورَ الأماني قربي حلمي
غداً ستذكر هذا الشعرَ أزهارُ».
الشاعر في تعبيره عن الريح يعمد إلى استثارة الروح بتحريضها على الغوص أكثر داخل الذات كما هو بارز في نص «بحار الشوق» من أجل الوصول إلى ضفة اليقين، علها تبرز المعنى الوجودي الذي طالما أرقه ونشده:
«وقلتُ للريحِ كوني مركباً لفمي
كم في الحروفِ التي أخفيتُ أوتاري».
المثير أن الشاعر هاني الملحم، وعلى الرغم من ثيمات القلق الوجودي الطافية على نصوصه الشعرية، إلا أنها لا تنعكس توتراً على جمله الشعرية، فتأتي رقراقة؛ لتلبسها بعواطف الحب تارة، ومندسة أو متوارية، بين جنبات مواضيع شعرية لا يكون التعبير عن القلق من أهدافها، وبهذا يقل منسوب التوتر في النصوص ولا يبرز كثيراً. هذا بخلاف ما يحاوله الشاعر من إيحاءات بالتطمين لمتلقيه بأنه قد وصل إلى ضفة اليقين وعليها استقرت روحه، حسبما جاء في نصه «بين الشك والحلم»:
«أمسكت بالسر من أطرافِ حيرته
فزغردَ الحرفُ مثكولاً على قلمي».
أخيراً، ما القصيدة سوى مشروع سؤال منفتح على الذات من أجل استكشاف أعماق كينونتها، ليعاد طرحه كلما أستيقظ الوجدان مرة أخرى باستثارة من المشاعر والرؤى.. ولا وعد بانغلاقه طالما كان هناك شعر.
جديد الموقع
- 2024-12-03 الحضور الأدبي في فكر الأديب
- 2024-12-03 إيلون ماسك والقراءة
- 2024-12-03 قراءة في كتاب (مزاج الكتابة، الكتابةمفهوما، ومزالق، ومقومات)
- 2024-12-02 بر الفيصلية وحي الملك فهد ومسجد الإمام الصادق في رحلة بحرية.
- 2024-12-02 كيف يتعامل الأطفال مع الشائعات وماذا نستفيد من ذلك؟
- 2024-12-02 حُب الحسا أجنني إلى كل مسؤولٍ رسميٍ، وناشطٍ اجتماعيٍ وتفاعلي بالتأثير..
- 2024-11-30 ثلاثة يجب الحذر منها
- 2024-11-30 "جمع من شيعتنا ومحبينا".. إيمان وأُنس
- 2024-11-30 هل نبحر نحو الهلاك؟
- 2024-11-30 إلى أمين الأحساء مع التحية سعادة المهندس: عصام الملا (سلمه الله)