الناس عادةً يتركون ثرواتهم لأفراد أسرهم وأحبائهم الآخرين. ومع ذلك، قال أندرو كارنيغي Andrew Carnegie [رجل صناعي ثري مشهور في صناعة الصلب وفاعل خير أمريكي وتوفي عام 1919](1)، ذات مرة: "سأترك لابني وبالًا هو وبال الدولار الإله almighty dollar [المترجم: عبارة تستخدم للسخرية من هوس الثروة المادية] ". في الواقع، تبرع كارنيغي بأكثر من 90% من ثروته للأعمال الخيرية. تثبت دراسة جديدة(2) في دورية علم النفس الاجتماعي وعلم الشخصية أنه يمكن حث الناس على التأمل بعمق فيما هو أبعد من القراية النسبية والتفكير بجد في القيام بأعمال خيرية وذلك بإقناعهم في التأمل بعمق في تأثير حياتهم وفيما يتركونه من إرث [ترك أثر إيجابي يستمر عبر الأجيال اللاحقة(3)]. أطلق الباحثون على هذه الظاهرة: "تأثير أندرو كارنيغي".
"بينما يحاول المجتمع جاهدًا للتغلب على عوائق تمنع تحقيق الاستدامة [لما من شأنه أن يحافظ على نوعية الحياة للبشرية] ومسؤولية وواجبات الجيل السابق تجاه الأجيال اللاحقة، فإن النتائج التي توصلنا إليها تطرح اقتراحات لـ وكزات nudges [استراتيجيات غير مباشرة - في اللاوعي - من شأنها التأثير في سلوك الناس مما يحملهم على اتخاذ قرارت مرغوب فيها أو الامتناع عن أشياء غير مرغوب فيها، بحسب التعريف(4)] أو الحملات اللانتخابية العامة،" كما تقول المؤلف الرئيس طالبة الدكتوراه. جاسيكا بيك Jessica Paek من جامعة ديوك Duke. " بتوظيف الدوافع البشرية لترك إرث ايجابي يستمر بعد حياتهم ويمتد طويلًا عبر الأجيال اللاحقة وهي رغبة متأصلة فيهم للإحساس بأن لحياتهم معنىً(5)، بإمكان الشركات والحكومات تشجيع الناس وحثهم على دعم الجهود التي تعالج القضايا العالمية الكبرى [ كالقضايا الاجتماعية والمالية والبيئية والصراعات، وما إلى ذلك]."
وفي كل الدراسات الأربع(2) التي شملت 3656 مشاركًا، وجدت بيك والمتعاونون معها أنه عندما يُطلب من الناس التفكير في مدى تأثير حياتهم في الأجيال القادمة، فإنهم يخصصون المزيد من ثرواتهم للقضايا المجتمعية المشتركة مثل الجمعيات الخيرية، وفي المقابل، يخصصون نسبة أقل منها لأفراد أسرهم.
على الرغم من أن استراتيجية التشجيع هذه [التي شملت عددًا محدودًا من المشاركين] قد يبدو أن لها تأثيرًا بسيطًا، إلا أن توسيعها لتشمل عددًًا كبيرًا من السكان يمكن أن تكون لها فوائد مجتمعية جمة.
"لو تبرع عدد كبير من الناس بتبرعات بسيطة نتيجةً لتأثير الإرث [تأثير كارينغي] الذي يحملهم على التبرع، فإن التأثير الجمعي يمكن أن يحدث تغييرًا مجتمعيًا إيجابيًا كبيرًا،" كما تقول بيك. "وهذا يعني أن الشخص العادي، عند التأمل بعمق فيما لحياته وما يتركه من إرث إيجابي من تأثير في الأجيال اللاحقة، يمكن أن يحثه ويحمله على الانخراط في دايرة اعتبارات (إلتزامات) أخلاقية أوسع، لا تؤثر فقط في قراراته المالية ولكن أيضًا في تصرفاته وسلوكياته اليومية."
لكن بيك تلفت النظر وتحذر من المبالغة في تعميم النتائج الحالية، والتي ركزت في الغالب على أشخاص من ذوي البشرة البيضاء في الولايات المتحدة. وتشير أيضًا إلى الطبيعة قصيرة الأمد للتأمل العميق فيما يُترك من إرث ايجابي وتركيزها على المخصصات المالية في الورقة الحالية(2)، ولكنها ترحب بالأبحاث المستقبلية لدراسة آثارها طويلة الأمد بما يتجاوز مجرد المخصصات المالية.
وبالنظر إلى الأبحاث المستقبلية، تقترح بيك بأن يصار إلى تتبع المشاركين بمرور الزمن لتحديد التأثير الدائم لتأمل الشخص العميق في حياته وفيما يتركه من إرث ومدى تأثيره الإيجابي في الأجيال اللاحقة وما يتركه من تأثير في كيفية توزيع الثروة [أثناء الحياة]. وتوضح أنه من المهم أيضًا مراعاة أن الثقافات المختلفة يمكن أن يكون لها تفسيرات مختلفة لمكونات الإرث، وفهم هذه الفروق الدقيقة يمكن أن يساعد في جعل التأمل العميق في الإرث أكثر فعالية.
تقول بيك: "إن تأثير أندرو كارنيغي، كما هو موضح في دراساتنا، لا يشير إلى أنه يجب على الناس أن يعطوا الأولوية للتبرعات المجتمعية بشكل حصري على حساب المستفيدين من الإرث من أفراد العائلة القريبين". "ولكن يكشف عن إمكانية توسيع دائرة إحساسنا بالمسؤولية المجتمعية والإحسان عندما نجد أنفسنا محمولين على التفكير في التأثير الطويل الأمد لأعمالنا وتصرفاتنا في الأجيال اللاحقة .