2021/07/17 | 0 | 1929
موروث قبلي-
د. نافل بن غازي النفيعي
أثار عرض مسلسل"رشاش" والذي ينتمي إلى إحدى القبائل العربية الكبيرة جدالًا واسعًا بين عددًا كبيرًا من الكتاب والمثقفين ورواد وسائل التواصل الاجتماعي مابين مؤيدًا لعرضه، ومابين معارضًا لعرض المسلسل حفاظًا على مشاعر اسرته وأبناء قبيلته، وخشيةً من أن يؤدي ذلك إلى مزيدًا من الضغائن والأحقاد التي قد يخلفها بين أفراد المجتمع والتي قد تتسبب في زعزعة اللحمة الوطنية فمن حكم العرب: الفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء، وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله.. والفتنة إذا ثارت عجز الحكماء عن إطفاء نارها.
فالقبيلة هي جماعة من الناس تنتمي في الغالب إلى نسب واحد يرجع إلى جد أعلى أو اسم حلف قبلي يعدّ بمثابة جد، وتتكون من عدة بطون وعشائر. غالبًا ما يسكن أفراد القبيلة إقليما مشتركًا يعدونه وطنًا لهم، ويتحدثون لهجة مميزة، ولهم ثقافة متجانسة أو تضامن مشترك (أي عصبية) ضد العناصر الخارجية على الأقل.
ففي مقال للكاتب العراقي علي القاسمي بعنوان.. مفهوم السرقة في العقل العربي يقول: في أواخر عام 2002 أصدر الأديب العراقي فيصل عبد الحسن مجموعته القصصية ” أعمامي اللصوص” وتفضّل بإهداء نسخة منها إليَّ، قرأتها، فجذب انتباهي أنه يتحدَّث عن أعمامه السبعة الذين على الرغم من عملهم اليومي المعتاد، فقد كانوا يقومون كل ليلة بغزوتهم على المعدان، لنهب ماشيتهم أو سرقة ما خف حمله وغلا ثمنه من بيوتهم. إضافة إلى ذلك فالمجموعة القصصية تحفل بأنواع متنوعة من السرقة بأسلوب تهكمي ساخر يبعث على الضحك.
والسرقة لا تقتصر على أمَّة من الأمم أو شعب من الشعوب، بل هي ظاهرة إنسانية، فهي كالموت عامٌّ خاصٌّ عام من حيث وجودها لدى جميع الأمم، وخاص لأن كل أمَّة تسرق بطريقتها الخاصة.
يشير مصطلح ” أيام العرب” إلى المعارك والوقائع التي كانت تحصل باستمرار بين القبائل العربية قبل الإسلام. والسبب الرئيس لهذه المعارك هو غزو بعض العشائر لبعضها الآخر بقصد النهب والسلب.
فقد كانت كثير من القبائل العربية تعيش على النهب والسلب وقطع الطرق ولم يكن هذا الغزو مقتصرًا على عصر من العصور بل عمَّ جميع العصور من الجاهلية حتى العصر الحديث.
ويخبرنا تاريخ العرب قبل الإسلام أن العِير (أي القوافل التجارية والميرة) كانت تُبِذْرَق (أي تُحرَس وتُخفَر) من منطقة إلى أخرى طبقاً للقبائل التي تعيش في كلِّ منطقة، وإلا فهي معرَّضة لقطاع الطرق والسلب والنهب من قِبل تلك القبائل.
ويخبرنا أيضًا توماس أدورد لورنس (1888 ـ 1935) في كتابه ” أعمدة الحكمة السبعة ” الذي يتحدَّث فيه عن حياته وعمله جاسوسًا بريطاني شارك في خديعة العرب وحملهم على مناصرة بريطانيا في الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) ضد الدولة العثمانية، يخبرنا أنه كان يدفع مالًا أو صكوكًا لا رصيد لها للقبائل التي يمر بالقرب من مضاربها لمنعها من مهاجمة قوافله ونهبها، ولكي تقوم بدلًا من ذلك، بحراستها في تلك المنطقة.
ولقد عُرف في التاريخ الإسلامي ظاهرة الصعاليك ولهؤلاء الصعاليك أمثال..الشنفرى (قُتل سنة 70 ق.هـ.)، وعروة بن الورد (ت 15 ق. هـ.)، وتأبط شرًا (قُتل حوالي 530 م) والسليك بن السلكة، أشعار يفتخرون بها ذاكرين قوتهم وسطوتهم، وبعضهم يفتخر بمساعدته الضعفاء، كما فعل الشنفرى في قصيدته المسماة بلامية العرب التي تقارن بلامية العجم للطغرائي (ت 513 هـ) لأنهما يمثّلان قيمًا وأخلاقًا مختلفة.
وقد تصعلك بعضهم احتجاجًا على الظلم وانتفاء العدالة الاجتماعية وعدم تساوي الفرص أمام الأفراد، والشعور بذلك يؤدي إلى بغض المجتمع والنقمة عليه.
وقد ورد في شعر الأحيمر السعدي ( ت 170 هـ/ 787م) ومما يدل على ذلك:
عوى الذئب فاستأنست بالذئبِ إذ عوى.. وصوّتَ إنسان فكدتُ أطيرُ
يـــــــرى الله أني للأنيـــسِ لكــــارهٌ.. وتبغضهم لي مقلةٌ وضميرُ
وأنــــي لأستحـــيي من الله أن أُرى.. أجرِّر حبلاً ليس فيه بــعيرُ
وأنْ أســـألَ المرءَ اللئيمَ بـــعيرهُ.. وبعرانُ ربّي في البلادِ كثيرُ.
وإذا كان دافعهم إلى قطع الطرق هو الفقر والجوع أو الانتقام من المجتمع الذي لم ينصفهم، فإن ذلك قد يخفِّف من الحكم عليهم، ولكن لا يغير من حقيقة كونهم مجرمين يعتدون على أناس أبرياء، ويستحوذون على أموالهم بالقوة دون وجه حق.. علي القاسمي.
ومن هنا يتضح ان تلك الجرائم التي كانت تقع في الجاهلية وصدر الإسلام وحتى عصرنا هذا لم تكن تقتصر على فئة دون غيرها، بل من الغباء والحُمق نسبها إلى جماعة معينة.
جديد الموقع
- 2024-09-20 نادي أطياف يشع بأحلى القصيد
- 2024-09-20 حين تكون القراءة هي العقوبة
- 2024-09-19 سمو محافظ الأحساء يشيد بمضامين الخطاب الملكي في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى
- 2024-09-19 أمير الشرقية: الخطاب الملكي أكد على مضي بلادنا لتحقيق المزيد من التطور والازدهار والنماء
- 2024-09-19 سمو نائب أمير الشرقية يشيد بمضامين الخطاب الملكي السنوي
- 2024-09-19 قصيدة النثر باعتبارها صندوقا مملوءا بالذهب
- 2024-09-19 أفراح العباد والبخيت بالمطيرفي تهانينا
- 2024-09-18 التعصب والمتعصبون
- 2024-09-17 الفتيات الصغيرات تستخدم مستحضرات مضادة للشيخوخة شاهدنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. الضرر النفسي الحاصل بسببها أعمق من الضرر الذي أصاب البشرة
- 2024-09-17 التدخين أثناء الحمل يضر بالأم وبالجنين ولاحقًا بمستوى تحصيل الطفل الدراسي