2021/02/24 | 0 | 3524
يعيشون بيننا (مريم حسين الحسن)
الأحساء. مدينة العمران – الرميلة
كنتُ على موعدٍ مع الدهْشةِ حين وقعتْ عينايَ في مكتبة رامز بالظهران على رواية (الضياع) و(أشرقتِ الأيامُ) للروائيةِ مريم الحسن بعد ما يقاربُ العشرينَ عاماً - هي المدةُ الفاصلةُ بين قراءتي الأولى لبعض كتاباتها في القصةِ القصيرة وبعض الخواطر، قبل انتقالها بقليلٍ من محافظةِ الأحساء "قرية الرميلة" إلى المدينة الكبرى للمنطقة الشرقية "الدمام"، كانتْ حينها لم تَبلُغْ فِطامَ الكلمة بعد، وكان قلمي يتثاءبُ متثاقلاً على بابِ الكتابة والقصيدة، ولعلمي التام في تلك السنواتِ أنَّ الحُبلياتِ بالإبداعِ من نسائنا في مدينة العُمران كُثُرٌ واللائي يُخفينَ حَملَهُنَّ أكثرُ، مخافة الأسرة، والمجتمع وإرضاءً للعاداتِ والتقاليدِ؛ وأنَّى لجنينٍ أدبيٍّ يخرجُ ويصبحُ فتيًّا مِن رَحِمِ الخجل والسائد من عادات وتقاليد.... في حين أنَّ الإبداعَ كالنبتة: يحتاجُ نموُّها إلى التربةِ والماءِ والأكسجين.
اليوم هي الأستاذةُ مريم الحسن التي رقم كل المعوِقات العائلية، والاجتماعية بأحمالها المثقِلة جاءتْ سحابةٌ تحملُ الماءَ والنواة، لتُبشرَ بواحةٍ جديدةٍ غصونُها الكتابة وثِمارُها التألُّقُ؛ الحَسَن لم ترتدِ وشاحَ الاستكانةِ والخمولِ قط، بعد أنْ علمتْ أنَّ للقراءة والكتابة تأثيراً إيجابياً لحفظ الإنسان عقله وروحه، وآمنتْ أنَّ ((كتابةَ الرواية ثورةٌ ثقافية واتجاهٌ نحو وعيٍ أفضلَ والتزامٍ أشملَ لرسالةِ الفنون الأدبيةِ))، فبعد أنْ قرأتْ بنهمٍ واستيعابٍ منذ حداثةِ سنها لكثيرٍ من الروائيين والروائيات، أصدرتُ ما بين 1427 و 1428هـ رواية (الضياع) أتبعتْها برواية (وأشرقتِ الأيام) اللتينِ تعالجانِ قضايامجتمعِها بكلِّ تفاصيله، دون مسٍّ لحفيظةِ القارئ أو تسفيفٍ للمفردات،وهذا ما يتناغمُ وقناعتِها المبنية على ركائز ثقافيةٍ وتربويةٍ تتناسبُ ومحيطها الاجتماعي.
* سألتُ كاتبتَنا عمَّا إذا كانتْ مع من يقول: بأنَّ ((من لا يمتلكُ الجرأةَ لتعريةِ السلبياتِ فليبتعدْ عن كتابةِ الرواية)).
فأجابتْ: أنَّ (تعريةَ السلبياتِ بأسلوبٍ تشمئزُّ منه الأذنُ وتقطِّبُ له العينُ ليس شرطاً من شروطِ نجاحِ الرواية، الروايةُ تعتمدُعلى أسلوبها السردي سواءً كانتْ واقعيةً أو خياليةً يمتلكُ كاتبُها جرأةً أم لا يمتلك، الكاتبُ هو مَن يمسكُ بزمامِ موهبة السرد، وليس الذي يضخُّ وهجَ الجرأةِ ويعزفُ على وترِ الإثارة ويدقُّ طبلَ الغرائز في النص، بل على العكس من وجهة نظري: أنَّ الكاتبَ الحقيقي هو الذي يستطيعُ أنْ يصبَّ الخيالَ ويبذرَ الصورَ وينسقَ المواقفَ بشكلٍ فنيٍّ جميلٍ وجذَّابٍ، يسمو بالنفسِ نحو أفقٍ رحبٍ مِن المشاعرِ الأنيقةِ التي ترتقي بنا إلى أعلى درجاتِ الكمالِ الروحي مِن العاطفة, وليس الذي ينقلُ واقعاً بسلبياته الرديئة المؤثرة في النفس، فالسلبياتُ كثيرةٌ ومتنوعة وهي أشهرُ مِن نارٍ على علَمٍ، منتشرةٌ بشكلٍ يُخشَى منه على أخلاقياتِ المجتمع. والكلامُ لايزالُ (للحسن) تقول: السلبيات بحاجةٍ للتدثُّرِ والتستُّرِ عليها لكي تنكمشَ وتتقلَّصَ وتختفي، لا أنْ نوجِّهَ عليها أشعةَ الشمسِ ونوضِّحَها ونشِّجِعَ انتشارَها؛ كثرةُ تكرارِها والحديثُ فيها يجعلُها مستساغةً، يعتادُ عليها ذوقُ الناس فيتناولها الجميع استمراءً وهوانا، فتؤثرُ تأثيراً سلبياً على حياة الأجيال).
وبعيداً عن قناعةِ كاتبتِنا في طريقة الطرح وأسلوبِ الكتابة والجدليات الكثيرة التي ليستْ محلاً للنقاش هنا، يتبينُ لنا أنَّ الحسن نبتةٌ ريفيةٌ سُقيتْ بكفِّ فلاحٍ وقور؛ فَرُغم صريرِ الأقلام وتطايرِ الورق, هي ثابتةٌ لم يُلوَ عنقُ إرادتِها، أنَّ تتبُّعَ ما يملي عليها حسُّها الاجتماعي في مراعاة محيطها الملتزم وعائلتها المحافظة, حتى كأنها تكتبُ من وراءِ حجاب, وفي الوقتِ ذاتهِ هي منطلقةٌ بأجنحةٍ مِن طموحٍ نحو مجرةٍ أكثرَ فسحةٍ للانعتاقِ مِن قبضةِ المثبطين وسدنة الموروثِ
وحُراس النسقِ القديم على كوكبِ البسيطة؛ الحسن لها الفخرُ كلُّ الفخر أنَّها حرصتْ على طرح وعلاج القضايا الإنسانية والاجتماعية في رواياتها، وأنَّها تلامسُ ظواهرَ مهمةً في حياتنا اليومية دون أنْ ينفرطَ عقدُ بنائها الذوقي الاجتماعي، ودون أنْ ييتمزَّقَ حجابُها الأسري، ممَّا أهَّلها أنْ تكونَ على رأس كثيرٍ مِن لجانِ التحكيم للقصة القصيرة
والقصيرة جداً.
كتبتْ الدكتورة شيمة الشمري في سياق قراءتها لمجموعة الحسن (نثار): (أَنَّ القاصةَ مريم الحسن تحاولُ أنْ تُلبسَ قصصَها لباساً فنياً مختلفاً على صعيد الشكل الفني مِن خلالِ التمازج البصري باللغوي، فتنافستْ في ذاتها الساردة مع التشكيلية، فتناثرَ ذلك على البياض جمالاً وألقاً وشُهباً، لا يخفى جمالُه على القارئ الحذق). الأستاذة الروائية القاصة مريم الحسن وكما أشار الدكتور عبد الله الطيب: (تجيدُ الرسمَ بالكلمات، تطوِّعُها تارةً رواية، وأخرى قصصاً قصيرة، لتعودَ فتُخرجَ لنا نصوصاً تمزجُ بين خواصِ اللغة الشعرية وأدواتِ القصةِ القصيرة)..
وليس هذا كلَّ شيءٍ فالأستاذة مريم الحسن فنانةٌ تشكيلة أرتقتْ إلى النخبوية، تحاكي لوحاتُها الحياةَ بكلِّ أبعادِها وألوانها المختلفة. لها مشاركاتٌ عدة في كثيرٍ مِن التجمعاتِ والمهرجانات الفنية، مثل: مجموعة كلنا رسامون، ومهرجان الدوخلة، كما شاركتْ في فتح معرض مشترك في مؤسسة
نساندكم المقام في الدمام، وشاركتْ في رسم قبة الجمعية للثقافة والفنون فيجدة.
الحسن مِن القلةِ اللواتي استطاعتْ أنْ تتغلبَ على مغرياتِ وسائل الاتصال أنْ يستنزفَ وقتَها إلا فيما يدعمُ نشاطَها الإبداعي، فاستحقتْ كلَّ هذه الأوسمة:
- بكالررس لغة عربية كلية الآداب جامعة الملك فيصل.
- عضو الجمعية العمومية للنادي الأدبي بالأحساء
- عضو جمعية الثقافة والفنون بالأحساء
- عضو جمعية الثقافة والفنون بالدمام ومنسقة بيت السرد فيه.
- عضو ملتقى ابن المقرب الأدبي بالدمام.
- مشرفة ملتقى القصة القصيرة الألكتروني (التفاعلي) الصفحة الثقافية في
جريدة اليوم.
- ثروة هي كاتبتنا مريم الحسن على الرغم من صغر سنها إذا ما قيس
بعمر الكُتاب والمبدعين فَرصيدُها مِن الروايات ما يقارب العشرين رواية
مخطوطة، والكثير من القصص الفصيرة والقصيرة جداً.
صدر منها:
- رواية (الضياع)
- رواية (وأشرقت الأيام)
- رواية (شرفةٌ لامرأةٍ واحدة)
- مجموعة نصوص قصيرة جدا
(آخر المطاف)
- مجموعة قصصية قصيرة جدا (خذلان)
- مجموعة قصصية قصيرة (صقيعٌ يلتهب)
- "نثار" مجموعة ق ق ج
- وقصة للطفل (بحيرةُ البط)
- ولها كثيرٌ مِن الأمسيات والمشاركات في مؤتمرات أدبية داخل وخارج المملكة.
كما شاركت في كتب مشتركة مع أدباءَ مِن الوطن العربي
- ك (ترانيمُ القصص) و (وشذراتُ القوافي) قصائد شعرية وفن تشكيلي)
ومشاركات وندوات ومؤتمرات أدبية وفنية تشكيلية عربيا ومحليا
------
نماذج من قصصها القصيرة جداً :
حفـــــــــــــــــار ــ ق ق ج:
يحمل معوله ويسير، يحفر القبور،
يخرج الموتى وهم يحملون أكفانهم، هاب المنظر، أراد أن يعيد كل شي إلى مكانه.
انطبقت السماء على الأرض..!
قربان
يغيب عن عالمها أمداً بعيدا.،
تراه عبر المنام ضاحكا مستبشرا.
تحادث طيور السماء :
– خذيني إليه ..
تعود اليها بأشلاء ممزقة ..
تنثرها نحو الأفق وتزغرد ..!
تساقط عليها شهباً..!
أقفال
هممت برفع قلمي لأدون فكرة نصي الجديد، ناوشتني تساؤلات حيري:
- لماذا نكتب؟
هز الطرب زنزانتي الغارقة في الظلام، تناهى إلى سمعي صوت تمزق ورق، وقطرات حبر، وصلصلة مفاتيح، هرولت في طرقات السجن الشاهقة، قبضت عليها، تفتقت قريحتي، وتفجرت دما.
معاناة
رمت رأسها على الوسادة ، أخذت نفسا عميقا.
صدى صوته يردد:
- ارحلي من هنا..!
أثقلتها الأفكار، اختنقت، مزقته بأظافرها.
تحولت وسادته إلى خيوط سوداء!
تشظي:
تدخل غرفة ظلماء ، تغلق على نفسها، تشعل شموعاً ملونة، تتراءى لها أشباح عدة،
رائحة عفنة تنتشر من أفواهها.
تقترب منها وضحكاتها ترن في الأصداء ، تصر على قتلها ، تأخذ قضيباً وتضرب به الفراغ، تتطاير الدماء على وجهها ..!
تصدع:
يرقد وفي عينيه دمعة ، تدمي قلبه حكاياته التي تحاك خلف الأبواب المؤصدة ..من وراء حيطان محطمة يسرق دقائق من رحم الحلم؛ يؤدي فيها خلسة النشيد الوطني.
صباحية:
يتسابقان عند الشاطئِ، خطواتُهما تسبِقُهُما في حبورٍ.. يجريان هنا وهناك، يتراشقانِ حباتِ رملٍ وقطراتِ مياه، زفافُهما البارحةُ، ارتديا بذلتيهما الحلم ..
قبض عليها بقوةٍ؛ مزق فستانَها الأبيضَ، صرخت، ارتاع، وقع من سريرِه ممسكا بجامتَه الممزقةَ...!
كواكب
يُسدِل الليل ستارَه عليهما، يعدان الأجرامَ واحدا تلو الآخرِ ، تهديه كوكباً، يختل توازنُ السماء ، تنطبق عليهِما...!.
جديد الموقع
- 2024-12-26 نحو معارض للكتاب الخيري
- 2024-12-26 معادلة الانتصار الإلهي والقيم العليا
- 2024-12-26 أحياة هي أم ظروف حياتية؟
- 2024-12-26 د.نانسي أحمد أخصائية الجلدية :العلاج البيولوجي أحدث وأهم الخيارات في معالجة الصدفية
- 2024-12-26 "ريف السعودية" ونادي الشباب يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز المسؤولية المجتمعية
- 2024-12-26 تجهيز عربة عيادة أسنان في الأحساء
- 2024-12-26 4 مليارات لفرص المسؤولية الاجتماعية خلال 21 شهرًا
- 2024-12-26 نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء
- 2024-12-26 ما الكون إلا زمان .. إلاك
- 2024-12-25 قراءة في حياة الشاعر علي الحمراني