2019/11/17 | 0 | 5111
شهادة الإمام العسكري (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. [ طه: 25 ـ 28].
هذه الجمعة سيكون الحديث حول الرحيل والتنصيب ، وهي من الأيام النادرة، فنحن نعيش ذكرى شهادة الإمام العسكري (ع) الذي صادفت ذكرى شهادته في الثامن من شهر ربيع الأول، وبعد ذلك مباشرة نعيش أيام تولي الإمام الحجة (عج) مقاليد الإمامة التي تصادف في اليوم التالي مباشرةً، ألا وهو اليوم التاسع .
بالأمس فقدنا الإمام المظلوم المسموم المهضوم، الذي لم يعش سوى ثمانية وعشرين سنة، لم تُتَحْ له الفرصة كما ينبغي، فلو أنه كان حراً طليقاً لا يعيش المضايقة الملاحقة والسجون، وعاش العمر الذي قال عنه رسول الله: أعمار أمتي بين الستين والسبعين، فكيف يكون وضع المجتمع والأمة؟.
إن المتتبع المترصد لحياة الأئمة (ع) ابتداءً من الإمام علي (ع) حتى الإمام العسكري (ع) الذي نعيش ذكرى شهادته، يجد أنهم لم يُتركوا على ما هم عليه، فإما الإقامة الجبرية في البيوت أو في السجون، ومع ذلك ظهر ما ظهر منهم (ع). فالبركات والنعم التي نعيشها هذه الأيام، وعاشها آباؤنا وأجدادنا قبلنا، هي نتاج الفترات القليلة التي كان الأئمة (ع) يعيشونها أحراراً طلقاء.
فالإمام الحسن العسكري (ع) عاش ثمانية وعشرين سنة فقط، ومع ذلك كان له دور كبير وفاعل في إسباغ النعم على الأمة والمجتمع من حوله. فكم من السنوات عاشها في السجن، وكم منها عاشه تحت الإقامة الجبرية، ومع ذلك وصل إلينا ما وصل من بركات هذا الإمام العظيم.
لقد كان الإمام العسكري آخر الأئمة (ع) الذين كان لهم ارتباط مباشر مع عموم الأتباع والمحبين، فلما تولى الإمام الحجة (عج) الأمر من بعده بدأت مرحلة الغيبة، وكان ذلك في التاسع من ربيع الأول، وهو نفس اليوم الذي تولى فيه الإمامة بعد دفن أبيه الإمام العسكري (ع). وعندما تولى الإمامة بعد أبيه غاب عن أنظار الناس إلا الخواص منهم، ومنهم النواب الأربعة، وعاش فترة الغيبة الصغرى سبعين عاماً. وفي الغيبة الصغرى لم يكن هنالك انقطاع تام عن الأمة، من الأتباع والمريدين، بل كانت هنالك حلقة وصل بينه وبين الأتباع، وهم النواب الأربعة.
وبالعودة إلى حياة الإمام العسكري (ع) نجد أنه تولى الإمامة وعمره ثلاث وعشرون سنة، واستمرت إمامته الفعلية ست سنوات فقط، فالإمام مختار من الله تعالى، وهو إمام منذ ولادته، لأنه مصطفى من الله وهو في الأرحام والأصلاب، إلا أنه يتولى الإمامة الفعلية في بعد وفاة الإمام الذي يسبقه. وبعد هذه الفترة التي قضاها من حياته الشريفة ارتحل عن هذه الدنيا مسموماً.
وقد مهد الإمام العسكري (ع) للغيبة، وأراد أن تعيش الأمة والأتباع هذه الحالة الجديدة، كي لا يشعروا بالصدمة بغياب الإمام. فكان (ع) يؤكد على الرجوع للثقات من الأصحاب، والعودة للفقهاء، بمواصفات ذكرها وقررها، ولا شك أنكم سمعتم بالحديث المعروف : «فأما من كان من الفقهاء حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه». [وسائل الشيعة، الحر العاملي27: 131].
فالإمام العسكري (ع) كان يدرك أن هنالك تتبعاً وترصداً وترقباً للإمام المهدي (عج). بل كانت المتابعة والمراقبة قبل أن يولد، وكانت السلطة آنذاك ترسل العيون من النساء لتفتيش بيت الإمام (ع)، للتأكد من وجود حمل أو ولادة بين جواريه ونسائه. وقد قلنا فيما سبق من الأسابيع: إن الله تعالى أظهر علامات الحمل والولادة في ساعة، ولم يكن قبلها أية علامة على ذلك. وقد دعا الإمام العسكري (ع) عمته لحضور الولادة، فكانت تتساءل في نفسها: كيف يمكن أن تكون هنالك ولادة ولا وجود للحمل. فدعاها الإمام لحجرة أخرى وطلب إليها أن لا تستعجل. وإذا بأم الإمام (نرجس) تظهر عليها علامات الولادة.
هكذا كانت ولادة الإمام الحجة (عج) فعلامات الحمل والولادة لم تظهر على أمه إلا في فترة قصيرة قبل الولادة، وكانت ولادته تحت المراقبة الشديدة وفي ظروف قاسية.
من هنا كان هنالك تمهيد من الإمام العسكري (ع) للأمة كي تعيش حالة الرجوع للعلماء، ممن خالف هواه وأطاع أمر مولاه. وكان عندما يُسأل يقوم بإرجاع الأتباع للفقهاء والأصحاب الثقات، كل ذلك لتعتاد الأمة على هذا الوضع الجديد.
وصايا الإمام العسكري (ع):
ومن الظواهر التي نلاحظ أنها بارزة في حياة الإمام العسكري (ع) كثرة الوصايا التي خرجت على لسانه إلى أتباعه ومحبيه، فكان يعتم بها ويكثر منها، لأن الأمة سوف تعيش الحيرة بعد وفاته وغيابه.
ومما وصلنا من وصاياها أنه كان يؤكد على المعروف، يقول أبو هاشم، وهو من أصحاب الإمام العسكري (ع): قال لي الإمام العسكري : «إن في الجنة لباباً يقال له: المعروف، ولا يدخله إلا أهل المعروف، فحمدت الله في نفسي، وفرحت مما أتكلّفه من حوائج الناس. فنظر إليّ أبو محمد، وقال: نعم، قد علمت ما أنت عليه، وأن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، جعلك الله منهم يا أبا محمد». [ إعلام الورى بأعلام الهدى، الطبرسي: 375] . وقد كان أبو هاشم يمارس هذا الدور في المجتمع، وكان ممن يوكل إليه الإمام الكثير من أمور المعروف.
ومن الوصايا المهمة التي أكد العلماء على تناولها بعد الفرائض، وكانت تطبع في السنوات السابقة وكانت تعلق في المساجد لتقرأ، وكانوا يوصون المؤمنين المحبين بقراءتها في البيوت لما فيها من بركة. وهي:
«أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (ص). صَلُّوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحسَّن خلقه مع الناس، قيل: هذا شيعي، فيسرني ذلك»(). [ تحف العقول، ابن شعبة الحراني: 487 ].
فمن أبرز ما ورد في هذه الوصية أداء الأمانة للبر والفاجر، فإذا ائتمنك أحدٌ على أمانة فلا تنظر لدينه ولا خلقه ولا إيمانه، فالأمانة لا بد أن تُردّ. ومع الأسف من يراجع المحاكم الشرعية أو غيرها يجد الكثير من الدعاوى والشكاوى في هذا الشأن. فالأمانة لا بد أن تؤدى لصاحبها برّاً كان أم فاجراً.
ومنها طول السجود، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فليس هناك حالة أقرب من هذه الحالة إلى الله تعالى. ولعل البعض يسأل قائلاً: إن إطالة السجود في الصلاة تُخلّ بالموالاة. أقول: المطلوب ليس في صلاة الفريضة أو النافلة فحسب، فهناك الكثير من الموارد التي يستحب فيها السجود، كما في سجود الشكر، فإذا أنعم الله على عبد نعمة يستحب له أن يسجد. فالإمام (ع) كان إذا فرغ من صلاة الفجر وهو في السجن ـ كما ينقل عنه السَّجَّان ـ لا يرفع رأسه إلا عند طلوع الشمس، ثم يسجد بعد طول الشمس فلا يرفع رأسه إلا عند صلاة الظهر.
وكان الإمام العسكري (ع) يسأل الله تعالى ويتوسل إليه أن يطيل خلواته كي يتعبد، وكان يشكر الله تعالى أن أدخله السجن ليتفرغ للعبادة.
ثم حسن الجوار: بأن يكون المسلم مع جاره في أحسن حال، يقول رسول الله (ص) : «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننات أنه سَيُورِثُه». [ دعائم الإسلام، ابن حيون المغربي2: 88].
ثم يقول (ع) : فبهذا جاء محمد (ص) : فهذا هو الهدف من البعثة النبوية الشريفة، فلا بد من مراعاة ذلك، وتجسيده في حياتنا، وأن نسعى لإبراز هذه المفاهيم، فإن لم يبرزها نحن فمن يبرزها؟
والله إن غيرنا يفتقر لهذه المدرسة، ونحن مغبوطون بالأئمة (ع) ولكن علينا أن نجسد أخلاقهم وسلوكهم وسيرتهم.
وبعد أن يبين لنا (ع) كيف نعيش مع أنفسنا، انتقل لبيان كيفية العيش مع الآخر، فقال (ع) : «صلوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم». وهي من أعظم القيم الإنسانية السامية في التعامل مع الآخر «فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحسَّن خلقه مع الناس، قيل : هذا شيعي، فيسرني ذلك». فالإمام (ع) يشعر بالسرور إذا سمع أن الشيعي يتحلى بمثل هذه المواصفات والقيم السامية. فمن أراد أن يدخل السرور على الإمام العسكري (ع) وكذلك الإمام الحي الغائب (عج) الذي نعيش ذكرى تنصيبه، فلا بد أن يجسد هذه القيم والمبادئ والأخلاق الراقية.
أيها الإخوة المؤمنون : إن الإنسان محسوب على صاحب العصر والزمان في هذه الفترة التي نعيشها، وهي الغيبة الكبرى، فإن عمل السوء لا يقال : هذا فلان، إنما يقال: هذا شيعي، فيسوء الإمام (ع). والعكس بالعكس إذا ما عمل العمل الصالح.
فلا بد أن نسعى ونجهد أنفسنا أن ندخل السرور على الإمام (ع).
ولا بد أن أشير في الختام الى أن في اليوم التاسع فيه الكثير من المستحبات، منها الإنفاق والتوسع بالنفقة على العيال. والإطعام والإنفاق على العيال فيه الكثير من الروايات.
ويستحب في مثل هذا اليوم الإكثار من العبادة، ويستحب فيه صلة الرحم والصدقة والزيارة، وغير ذلك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين