2018/12/07 | 0 | 3134
الشيخ حسين العباد : النبي (ص) والخلق العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. [طه: 25 ـ 28].
الحديث في هذه الجمعة المباركة يتعلق بمنقذ البشرية نبينا محمد (ص) الذي تمر علينا ذكرى ولادته .
وفي هذه المناسبة نأخذ جزئية من خصائص رسول الله (ص) وهي التي ذكرها القرآن الكريم بقوله: ﴿وَإِنَّك لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. [القلم: 4]. فهذا الوصف والمدح جاء من الباري جل وعلا، لا من البشر، وهي شهادة للنبي الأعظم (ص) ممن أعطى وخلق وسوى وهدى. فهذا الوصف الذي تميز به رسول الله (ص) هو الخلق العظيم، بنص القرآن الكريم.
والخلق هو روح الإسلام، وليس جزءاً منه ولا فرعاً، فمن لا تتجسد فيه الأخلاق الحسنة، ولا تظهر هذه الخاصية فيه بشكل واضح، يكون بعيداً عن روح الإسلام، ولا معنى لانتمائه للإسلام إلا في الشكل والظاهر، فكأنه أجوف خالٍ من المحتوى والمضمون.
وقد ورد عن أهل البيت (ع) روايات مضمونها أن من يتخلق بأخلاق الله لا تضره السيئة والمعصية. وهذا هذا لبيان منزلة الأخلاق ودورها في الإسلام، وليس للتشجيع على ارتكاب السيئة والمعصية.
فقد ورد عنهم (ع): «أربعٌ من كنّ فيه كمل إسلامه ولو كان من قرنه إلى قدمه خطايا لم تنقصه، الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر». [الكافي، الكليني2: 57].
يقول أحد العرفاء: وهذا يعني أن الحسنة أيضاً لا تنفع إذا لم يكن معها أخلاق. فالمعيار في الإسلام في هذه الحياة الدنيا هو الأخلاق. وقد بُعث النبي (ص) بهذه الرسالة الخاتمة لإتمام مكارم الأخلاق.
إن الآية التي ذكرناها سابقاً، وهي قوله تعالى: ﴿وَإِنَّك لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. [القلم: 4]. تعتبر من معجزات رسول الله (ص) بل من أعظم معجزاته، إذ اخترق رسول الله (ص) تلك القلوب الصمّ، ونفذ فيها وأثّر، فمَنْ غير رسول الله (ص) يستطيع أن يؤثر فيها؟ وهي التي اعتادت عبادة الأصنام سنين طوال؟ لكن رسول الله (ص) استطاع بخلقه العظيم أن ينفذ فيها ويؤثر ويجعلها تتفاعل مع الدين الجديد.
أيها الإخوة : إن الإنسان يستطيع أن يأخذ هذا المنهج ويجسده عملياً ويشاهد النتائج كيف تكون. فالنتائج التي حققها رسول الله (ص) في الواقع الخارجي كانت واضحة وظاهرة وبينة.
في الحديث عن رسول الله (ص): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وكما هو معروف أن «إنما» أداة حصر، أي أن الهدف من بعثة الرسول (ص) ينحصر في إتمام مكارم الأخلاق.
والمتتبع لتعاليم الشريعة الإسلامية يلاحظ أن هناك بعض المفردات الشرعية تعطى زخماً كبيراً، وذلك لأهميتها ودورها الكبير في حياة الإنسان، ومن ذلك الأخلاق التي تعتبر أساساً متيناً من الأسس التي قامت عليها الشريعة الحقة.
فالنبي (ص) ينص على أنه بعث ليتمم مكارم الأخلاق، أي أنه يقرّ ما كان منها موجوداً قبل الإسلام في الجزيرة العربية وغيرها.فالأخلاق موجودة في سيرة بني البشر وسلوكهم، وليست جديدة، ومنها بقايا الشرائع السماوية السابقة، وهناك من كان على الديانة الحنفية، فكانت هنالك أخلاق لا تزال باقية، وجاء رسول الله (ص) لإكمال وتتميم هذه الأخلاق الفاضلة، وتهذيبها بالإضافة والتعديل .
ولعل البعض يتساءل : إننا لا نشاهد في مجتمعاتنا تلك الأخلاق التي جاء بها رسول الله (ص) وأتمها، بل البعض ممن سافر للغرب يقول : نرى إسلاماً ولا نرى مسلمين، وفي بلداننا نرى المسلمين ولا نرى الإسلام في سلوكهم وحركتهم. فالجار هناك يحترم جاره، والصغير يحترم الكبير، والكبير يعطف على الصغير، وهذه هي الأخلاق والمفاهيم التي جاء بها رسول الله (ص) إلا أننا ابتعدنا عنها، فلم نجسدها في حياتنا، بينما سار غيرنا بها وجسدها في حياته دون أن ينطلق من منطلق الإيمان بالنبوة.
فالتقصير من المسلمين أنفسهم، والخلل ليس في من أرسله الله تعالى ووصفه بالخلق العظيم او الرساله ، إنما في الأتباع ومن يدعي الانتماء لرسول الله (ص) وهو بعيد عن خلق رسول الله (ص). فلو أن المسلم التزم تلك القيم والمفاهيم الأخلاقية لانعكس ذلك على المجتمع الإسلامي، ولشاهد الآتي إلينا بوضوح، أثر تلك الأخلاق في مجتمعاتنا، ولقال : وجدت إسلاماً ووجدت مسلمين.
إننا نعيش الكثير من الأزمات والمشاكل بسبب عدم التزامنا بتلك المفاهيم الأخلاقية في ديننا الحنيف.
فمن تلك الأخلاق الجيرة وحقوق الجار، فقد قيل لرسول الله (ص) : إن امرأة عابدة زاهدة لكنها سيئة الخلق مع الجيران، فقال رسول الله (ص) بشكل واضح وصريح : بشروها بالنار.
فلم تنفعها عبادتها ولا زهدها لسوء أخلاقها مع الجيران، أي أن عبادتها فقدت الأساس المتين الذي تستند عليه وهو الأخلاق. فالأخلاق روح الإسلام، ولا قيمة للجسد بلا روح. فالعبادة والعلاقة مع الله بلا خلق كالجسد الخالي من الروح.
فلا بد إذن من تجسيد الأخلاق مع الأهل والجيران والمحيط الاجتماعي.
يقول أمير المؤمنين (ع): «لو كنا لا نرجو جنة ولا نخشى ناراً ولا ثواباً ولا عقاباً، لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنها مما تدل على سبيل النجاح». [مستدرك الوسائل، النوري الطبرسي11: 193].
فمن المؤسف أن نستشهد اليوم بما يشاهده أبناؤنا في الغرب من مكارم الأخلاق في الكثير من الجوانب، ولا نكون نحن مضرب المثل فيها، ونبينا (ص) هو الموصوف بالخلق العظيم، وجاء لإتمام مكارم الأخلاق. فالغربيون لا يرجون جنة ولا ناراً ولا ثواباً ولا عقاباً، لكنهم مع ذلك تحلّوا بمكارم الأخلاق، وهو عين ما يشير إليه أمير المؤمنين (ع). أي الإنسان بطبعه بحاجة للأخلاق وكلما اقترب من مكارم الأخلاق كان أقرب للسعادة في الدنيا، وتحقيق النجاح.
ويقول (ع) : «رُبَّ عَزيزٍ أذلَّهُ خُلُقه، وذليلٍ أعزَّه خُلُقُه».[الإرشاد، الشيخ المفيد1: 300]. وهكذا تفعل الأخلاق بصاحبها، فقد تُعزّهُ وهو ذليل، وتُذله وهو عزيز. فالجاه والعز لا يتحقق بالمادة والعشيرة إن لم يكن معه أخلاق . فمن تحلى بالأخلاق حصل على الجاه، وليس من جاه حقيقي إلا بالأخلاق.
لقد عايشنا الكثير من الناس، ممن لا مال له ولا جاه ولا سلطان، وفقدناهم منذ عشر سنوات أو عشرين سنة، إلا أن الناس لا زالوا يذكرونهم بالخير دائماً، لا لشيء إلا لأخلاقهم. والعكس بالعكس، فهناك من فقدوا وهم يملكون الأموال الطائلة ولكن لا تجد من يذكرهم ويترحم عليهم، فلو كان الجاه بالثراء لكان هؤلاء أولى بالذكر من غيرهم، لكن الأخلاق أعزت قوماً وأذلت آخرين.
والسؤال المناسب هنا : ما هي الأخلاق الفاضلة المطلوبة منا؟ الجواب : إن الأخلاق هي مجموعة الكمالات المعنوية والسجايا الباطنية في الإنسان، وتكون ظاهرة على جوارحه، وفي سلوكه وتصرفاته.
ومن المهم أن نلاحظ هنا أن من يفتقد الأخلاق الفاضلة الطيبة سيكون حيواناً مفترساً في المجتمع، ليس لديه رادع يردعه عن معصية، ولا مانع يمنعه من جريمة. وهو ما نشاهده بأمّ أعيننا قبل أن تذكره لنا الروايات والأحاديث الشريفة.
كما نشاهد أيضاً ازدواجية لدى البعض في هذا المجال، فتراه قمة في الأخلاق ظاهراً عندما يحضر عند زيد، بل يبالغ في تجسيدها ظاهراً، لكنه إذا رجع إلى بيته، أو حضر عند غير هذا انقلب رأساً على عقب، وتحول إلى حيوان مفترس.
وقد روي أن رجلاً جاء إلى رسول الله (ع) فقال : ما قبلت صبياً قطّ، فلما ولى قال رسول الله (ص): «هذا رجل عندي أنه من أهل النار». [الكافي، الكليني6: 50].
وقد يسأل سائل هنا: إذا كان المرء فاقداً لصفة الخلق الحسن، فهل بإمكانه التغيير؟ الجواب: لا شك في ذلك، بل هذا هو الهدف من البعثة النبوية الشريفة والرسالة الخاتمة. وهناك الكثير من الآيات الشريفة التي تؤكد على التزكية قبل التعليم. ومنها قوله تعالى : ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَکِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَإِنْ کَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾. [آل عمران: 164]. وغيرها من الآيات التي تؤكد هذه الحقيقة، وذلك لأن الإنسان لا يولد منذ اليوم الأول وهو على خلق كما ينبغي، إنما يحتاج للتربية والتزكية والتهذيب، كما تحتاج للمراقبة من أجل الثبات والاستمرار. فمن كان لديه نقص في هذا الجانب يمكنه تقويته وإكماله. وعليه أن يبدأ بنفسه وأهل بيته ثم يتوسع ليعكسها في الخارج.
روي أن أعرابياً سأل الإمام أمير المؤمنين (ع) فقال: عدد أخلاق رسول الله (ص). فقال (ع) : عدد لي متاع الدنيا. فقال الأعرابي : متاع الدنيا كثير لا يعدّ. فقال (ع) : عجزت عن عدّ القليل، والله تعالى يقول: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيْلٌ﴾. [آل عمران: 77]. وطلبت عدّ العظيم، والله تعالى يقول: ﴿وَإِنَّك لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾؟. [القلم: 4].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"
- 2024-04-29 جمعية العمران الخيرية بالاحساء للخدمات الاجتماعية تحظى بتكريم مرموق من مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري .
- 2024-04-29 مبادرة خطوة قبل الشكوى تبدأ فعالياتها بتأهيل اناث الدمام
- 2024-04-29 افراح الشبيب والعبدالسلام في قاعة الفارس بالاحساء
- 2024-04-28 الحاج معتوق الهدلق.. سيرة عاطرة
- 2024-04-28 بين لججِ الشك وفِخاخِ الغواية في ديوان (قبل التيه برقصة)