2024/06/13 | 0 | 213
أدباؤنا والمجتمع
مع نظرات في الكتب والصحف
سلسة إحياء تراث آل أبي خمسين في الأحساء
العلامة الشيخ باقر أبوخمسين (رحمه الله)
تحقيق /عبدلله الشيخ حسن أبوخمسين
الطبعة الأولى
1445 هجري/2023م
جزء من مقدمة التحقيق:
ومن الجانب الأدبي نجده في بعض المقالات يلتفت إلى دور الأديب، وعمله في هذه الحياة، فإضافة إلى الدور الجمالي الذي يقوم به في مقاومة القبح، هناك دور أخلاقي مطلوب منه، وهو علاقته بالمجتمع، فهو من هذا المجتمع وإليه، يقول عن دور الأديب في المجتمع : (فإذا ألقت إليه بفكرة فيها انبعاثه إلى الأمام، وفيها صلاح مجتمعه وتوجيهه إلى ما فيه وعيه وسلوكه الطريق اللاحب، فهو قد فتح الخط الذي عجزت عنه القاذفات والناسفات).
ويبدأ المقال بهذه الأبيات الشعرية :
لقد أصاب الأستاذ أبو ماضي الهدف حين تكلم عن الأديب، وعن عمله في هذه الحياة، فهو يسهر؛ ليناغي هذه النجمة يستوحي منها خياله، بل قل الثروة التي هي كل متاعه في هذه الدنيا، فإذا ألقت إليه بفكرة فيها انبعاثه إلى الأمام، وفيها صلاح مجتمعه وتوجيهه إلى ما فيه وعيه وسلوكه الطريق اللاحب، فهو قد فتح الخط الذي عجزت عنه القاذفات والناسفات.
لقد ضرب أبو ماضي على الوتر الحساس حينما يقول: (الباذلين)، فأي شيء أعظم من الجود بالنفس وأي شيء أغلى عند الإنسان من عصارة فكره حينما يغرف من بحر الأفكار؛ ليستخرج من كنوزها لؤلؤة يفلقها، فيقدمها للنظارة يهدي بها الحيران! وحينما يقدم للضلال بحر هذه الحياة؛ لتمر بهم في هدوء وراحة، فهو إذن كالشمعة تحرق نفسها لتضيء الطريق للسالكين.
لقد أعلمنا الأستاذ نفسية هؤلاء المساكين الذين حرمتهم الطبيعة نعيمها الباذخ وحرمت عليهم الراحة، فولدوا والبؤس توأمهم، فإذا أرادوا النعيم إنَّما يعرفونه في الحلم، وإذا أرادوا مسرة العيش إنما يلمسونها إذا غرقوا في تخيلات الأفكار، إذن فحتى الحياة تحتم عليهم إذا أرادوا نعيمها أن ينسوا كل شيء حتى أنفسهم، هذه دنيا الأديب وهذا مركزه فيها، ولو صوّرت الحياة شخصا ذا لسان من بدء تكوين هذه الكائنات الحية لما اعترفت لأحد بإدانة، ولما دانت لأحد بفضل، وإن كان فهي لا تعدو الأديب لأنه الذي عرف محاسنها، فتغنى بها وجرد اللؤلؤ من الصدف، فأبرزه للناظرين بهيا جليًا، وهو الذي عرف كيف يرفع دنيا الأناسي عن دنيا البهائم، وهو الفرد الذي جعل في بوتقة الحياة عصارة فكره، فهصرته، فقدمه للناظرين.
كل هذا وفوق هذا الأديب الذي فتح عنوان المقال باسمه، يوم كان شريك المجتمع، بل موجهه حقا في كل نواحيه؛ اجتماعيا، وأدبيا، وسياسيا، فكانت الحياة زهرة لا تحس لها بأذى.. يوم كان يضرب للأديب خيمة يقف فيها، فتدخل عليه الوفود كما تدخل على الملك، وتسلّم عليه كما تسلم على الأمير، وله من نفوسها الإكبار والإعظام .. يوم كان هو الدرع الواقي من طوارق الزمن، والسياج الحصين من حوادثه. يوم كان بيده دولاب هذا التوجيه، فكان شريك السياسة، فإذا أراد البلاط أن يوجه شيئًا، أو يصلحه فكثيرا ما استعان بالأديب، فأنت لأقل نظرة في التاريخ ترى البلاط لم ينشر مباديه، ولم يفرض إرادته على المجتمع الذي أراده والقطر الذي رام توجيهه إلا بالأديب، ولا أظنني بحاجة إلى سرد الشواهد، ولم يكن الأديب هو موجه الحركات، أو بيده دولاب السياسة فقط؛ فحتى الاجتماع قد شارك فيه.
كما حدثتنا الرواية القائلة: إنَّ تاجرًا من العراق حمل إلى المدينة خُمُراً، فكسد سوقها ففزع إلى الشاعر ربيعة مستنجدا به، فأجابه إلى طلبه وعمل له قصيدته التي أولها:
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بناسك متعبد ؟
هذا وأمثاله كثير حينما كان الأديب محل مثار النقع، يوم كان المجتمع يفهم معنى الأدب، فكان الأديب هو مصباح الظلام، من هذا كانت دنيا العرب دنيا العلوم والمعارف ودنيا السعادة والحقائق. وكانت التي أرادها الدين الحنيف، نعم لا أنكر أنَّ الأدباء في الآونة الأخيرة قد قبعوا في زاوية السكوت، وأخذوا على أنفسهم الصمت، فكأنهم عملوا بقوله تعالى :{ فَلَنۡ أُكَلِّمَ ٱلۡیَوۡمَ إِنسِیࣰّا }[سُورَةُ مَرۡيَمَ: ٢٦]
، وما ندري ما هذا التشاؤم الذي لبسهم ؟
هل هو ما ادعاه بعض الكتاب؟
أم أنهم رأوا من الخير ذلك، فبعد أن كان الأديب هو ما مر عليك، وبعد أن كان في يده جرس الأجيال يبعثه فيثير الهمم ويحفز النفوس، ويرفع ويضع، ويجعل هذا مكان ذاك، وبعد أن كان هو صولجان البلاط الحقيقي، وعكازة الدولة، والموجّه للإصلاح، والباعث للتوجيه؛ أصبح
لا نطق حتى ولا إيحاء، نعم أصبح الأديب وكأن
لم يكن بالأمس شيئًا، فبينما يرجى من الأديب
أن يكون أعظم مما كان عليه أخوه بالأمس، وأصبح الواجب الملقى على عاتقه أكبر مما كان ملقى على عاتقه بالأمس، فعليه أن يعمل تلبية لهذا الواجب ونداءً للطلب، فإذا به وقد ألقى حبلها على غاربها، فإذا هو يخاطب هذه الواجبات ويلبي نداء الطلبات بلسان (إليك عني غري غيري)
فهل يقبل منه الحقُّ ذلك؟ وهل يجوز له في شرعة العدل هذا العمل؟
وهل يجوز أن يحشر في عداد الصامتين وهو اللغة، وبيده قاموس الألفاظ، والإصلاح يحتم عليه أن يعود، وكما كان الشعلة الوهاجة والقبس المضيء، ليفهم العامة أنهم هم لم يغيرهم شيء، ولم تلفهم عجلة الدهر في طياتها، ولم تطحنهم ماكينة الحياة والانقلابات بأسنانها، ولكنها إغفاءة الوسن وقد نفضوا غبارها ؟
قلت لك فيما سبق إنَّ الأديب قد حل من عنقه طوقا كان فيه، وكان من واجبه المحافظة عليه والقيام بما يقتضيه فيدأب في تقويته وشدّ أصره، لا أن يتركه وحوادث الزمن، ويهمله وغبار الدهر حتَّى أخلق، فأصبح باليا لا تنظره إلا بأسماله البالية ومنظره المخوف، فأصبح يقرأ عليه : ( كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا)
1/ ولكن يجب في المقابل أيضًا أن لا ننسى الواجب الملقى على المجتمع الذي أهمله إزاء هذه الفئة من البشر، فبعد أن كان الأديب في المجتمع هو ما مر عليك، فإذا به وقد أصبح من الذين يصح التعبير عنهم (صار من الحقبة الماضية)، فلم كل هذا الجفاء من المجتمع ؟ فهل نسي ما له من خدمات في توجيه الأفراد والجماعات؟
2/لو أن المجتمع ساعد الأديب في إنتاجه وشجعه في طريقه لرأينا الأديب غيره الآن.
3/ لعل قائلا يقول إنَّ الأديب أصبح في عصوره الأخيرة غيره في العصور الأولى، فالملابسات غير تلك الملابسات والتوجيه غير ذلك التوجيه، فبعد أن كانت السلطة هي التي تشد من أزره وهي التي تنصب منبر الحرية يشدو عليه ما وسعه الشدو وهي التي تضرب له فسطاط العزَّة، فإذا بها وقد ضربت عليه سورًا من حديد، لذلك حل طوقا كان في عنقه، وترك زماما كان في يده ( فألقى حبلها على غاربها) ولكن لو تأملنا مليا لرأينا الصواب غير هذا ، والحقيقة غير تلك، فلقد لقي أخوه الأديب بالأمس كما لقي من الآلام، وتجرع كما تجرع من غصص فلم يسكن، بل ازداد صراحة وانفجر بركانًا وثار عاصفة، فما كان من الحقِّ إلا أن أدان له الخلق، وأنابت له السلطة، وألقت له الأمور مقاليدها.
4/نعم لا أنكر أنَّ الأديب كان يعمل هذا؛ لأنه كان يجد أذنا صاغية، ولسانا يطالبه بأن يفعل، ويدا تدرأ عنه كل عادية، فكان يفعل ما يفعل وهو في حمى المجتمع؛ فهل يجد ذلك الآن لو أراد أن يفعل كما كان يفعل أخوه بالأمس؟ لعل الجواب بعد في ضمير الغيب، أو عند بعض القراء، ولعله يجيب به بينه وبين نفسه لا أدري؛ ولكن الجواب الوحيد الذي لا يمكن أي فرد إهماله أن لا ننس.
جديد الموقع
- 2024-06-23 الفريدان عميداً للقبول والتسجيل بجامعة الملك فيصل
- 2024-06-23 جمعية البر بالأحساء تُحقق إنجازات بارزة في مشروع الأضاحي
- 2024-06-23 لماذا مناغاة الطفل الرضيع أكثر تعقيداً مما نظن
- 2024-06-23 سمو الأمير سعود بن طلال يستقبل منسوبي محافظة الأحساء المهنئين بعيد الأضحى المبارك
- 2024-06-23 دائرة مواريث الأحساء تعايد منسوبيها
- 2024-06-23 بلدية الجفر تحتفل بعيد الأضحى المبارك 1445هـ
- 2024-06-23 اسرة القطيفي تحتفل بزفاف نجليها عدنان وعلي تهانينا
- 2024-06-23 زواج ثنائي الغنام (( جاسم و عبدالله )) في قاعة فايف ستار بالاحساء
- 2024-06-21 افراح الشهاب والغانم في قاعة الوسام بالاحساء
- 2024-06-21 يشبه العطر قليلا