2013/01/12 | 0 | 6866
الإمام لا يغسله إلا إمام-3
النقطة الأولى: الهدف إثبات الإمامة:
أما الأولى: فهناك جملة من الروايات تشير إلى أن الهدف من ذلك هو إثبات الإمامة؛ نذكر منها:
رواية أحمد بن عمر الحلال المتقدمة، عن الرضا عليه السلام قال: قلت له: إنهم يحاجونا يقولون: إن الإمام لا يغسله إلا الإمام ....) [1].
ومفاد هذه الرواية أن الواقفة -وخصوصاً أنهم كانوا من الشيعة قبل وقفهم- كما يبدو يحتجون على دعواهم ولأهدافهم الخاصة التي ستتعرف عليها لاحقاً من أن الإمام الرضا ليس هو الإمام بدلالة أنه لم يغسل الإمام الكاظم وهذا يسلب أحقية الإمام الرضا للإمامة بزعمهم.
ومنها: ما رواه ابن شهر آشوب مرسلاً (أبو بصير قال موسى بن جعفر (ع): فيما أوصاني به أبي ان قال: يا بني إذا انا مت فلا يغسلني أحد غيرك فان الامام لا يغسله إلا إمام واعلم أن عبد الله أخاك سيدعو الناس إلى نفسه فدعه فان عمره قصير، فلما مضى غسلته كما امرني وادعى عبد الله الإمامة مكانه، فكان كما قال أبي وما لبث عبد الله يسيرا حتى مات. وروى مثل ذلك الصادق (ع))[2]. ونقل القطب الراوندي في خرائجه مثله كما مرّ [3].
وهذه واضحة الدلالة فإن الإمام لا يغسله إلا إمام فالمغسل للإمام المتوفى هو الإمام التالي.
ومنها: محاججة الواقفة للإمام الرضا كما نقلها الكشي ننقل الشاهد منها (علي بن أبي حمزة وابن السراج وابن المكاري، فقال له، ابن أبي حمزة: ما فعل أبوك؟ قال: مضى، قال مضى موتا؟ قال: نعم. قال، فقال: إلى من عهد، قال: إلي، قال: فأنت امام مفترض طاعته من الله قال: نعم.
قال ابن السراج وابن المكاري قد والله أمكنك من نفسه، قال: ويلك وبما أمكنت أتريد أن آتي بغداد وأقول لهارون أنا إمام مفترض طاعتي والله ما ذاك علي وانما قلت ذلك لكم عندما بلغني من اختلاف كلمتكم وتشتت أمركم لئلا يصير سركم في يد عدوكم ......
وقال أيضاً قال له علي: إنا روينا عن آبائك أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله؟
فقال له أبو الحسن عليه السلام: فأخبرني عن الحسين بن علي عليهما السلام كان إماما أو كان غير إمام؟ قال: كان إماما. قال: فمن ولي أمره؟ قال: علي بن الحسين .....) [4].
ونُقلت هذه الرواية عن إثبات الوصية للمسعودي عن سهل بن زياد عن منصور بن العباس عن إسماعيل عن بعض أصحابه قال : (كنت عند الرضا ....الخ) [5]
وهذه واضحة الدلالة أيضاً لا لبس فيها من أن الإمام الرضا يريد أن يثبت لهؤلاء أنه الإمام وأنه هو من غسل الإمام الكاظم وسيأتي مناقشة الرواية بإذنه تعالى.
ومنها: رواية هرثمة بن أعين المتقدمة (.... يا هرثمة أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله، فمن يغسل أبا الحسن علي بن موسى وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس فإذا قال ذلك فأجبه وقل له: إنا نقول إن الإمام لا يجب أن يغسله إلا إمام مثله فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بان غلب على غسل أبيه....) [6].
ومفاد هذه الرواية واضح في أن التغسيل له دور في إثبات الإمامة كما في قوله (فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بان غلب على غسل أبيه).
ومنها: رواية أبي الصلت الهروي: (فبينا أنا كذلك إذ دخل علي شاب حسن الوجه، قطط الشعر، أشبه الناس بالرضا عليه السلام فبادرت إليه وقلت له: من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق، فقلت له: ومن أنت؟ فقال لي: أنا حجة الله عليك، يا أبا الصلت أنا محمد بن علي) [7] .
وكأن هذه الرواية تثبت الإمامة- إمامة الإمام الجواد ع- لأبي الصلت الهروي لأنه الوحيد الذي رآه وتعامل معه حتى أن المأمون لما جاء إلى الإمام لم يره كما سوف تعرف من مقطع آخر من الرواية.
ومنها: ما رواه الصدوق في تغسيل الإمام الكاظم عليه السلام بسنده عن المسيب قال: (.. فوالله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه، ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئا، ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم، وهم لا يعرفونه. فلما فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص: يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن في فاني إمامك ومولاك، وحجة الله عليك بعد أبي يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق عليه السلام ومثلهم مثل إخوته حين دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون)[8].
ومنها: ما في الكافي عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أبي قال لي ذات يوم في مرضه: يا بني أدخل أناسا من قريش من أهل المدينة حتى اشهدهم، قال: فأدخلت عليه أناسا منهم فقال: يا جعفر إذا أنا مت فغسلني وكفني وارفع قبري أربع أصابع ورشه بالماء فلما خرجوا قلت: يا أبة لو أمرتني بهذا لصنعته ولم ترد أن أدخل عليك قوما تشهدهم؟ فقال: يا بني أردت أن لا تنازع [9].
قال العلامة المجلسي معلقاً على هذه الرواية: أي في إعمال تلك السنن وارتكاب التغسيل والتكفين، أو في الإمامة فإن الوصية من علاماتها[10].
هذا تمام الكلام في النقطة الأولى.
ويقرر الشيخ الصدوق هذا المفهوم بقوله (ولهم هذه الأخبار كلام يقولون: ان الصادق عليه السلام قال: الامام لا يغسله إلا الامام ولو كان الرضا عليه السلام إماما كما ذكرتم لغسله وفي هذه الأخبار ان موسى عليه السلام غسله غيره ولا حجه لهم علينا في ذلك، لأن الصادق عليه السلام إنما نهى ان يغسل الإمام إلا من يكون إماما فان دخل من يغسل الإمام في نهيه فغسله لم يبطل بذلك إمامة الإمام بعده ولم يقل عليه السلام: ان الإمام لا يكون إلا الذي يغسل من قبله من الأئمة عليهم السلام فبطل تعلقهم علينا بذلك...)[11]
وكلامه واضح أن الإمامة لا تبطل للإمام اللاحق إذا غسل الإمام السابق أحد غير اللاحق وهذا اعتراف ضمني بتغسيل غير الإمام للإمام وإن قال إن الإمام الرضا غسل الإمام الكاظم من حيث يخفى وهذا هو رأي الشيخ المفيد والسيد المرتضى سنشير لرايهما لاحقاً.
الخلاصة: إن الهدف من هذه القاعدة – على فرض التسليم بها – إثبات الإمامة.
النقطة الثانية :
هناك جملة من الروايات تؤكد أن التغسيل كان في الخفاء من حيث لا يشعر المغسل لهم أو المشاهد؛ نذكر منها:
1-رواية هرثمة التي مرت فيما سبق:
(فلا تتعرض يا هرثمة لشيء من غسلي حتى ترى فسطاطا أبيض ..... ولا تكشف عني الفسطاط حتى تراني فتهلك).
وجاء فيها أيضاً: (ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا مكشوفا ولا يغسله الان أيضا إلا هو من حيث يخفى) .
2-وفي العيون قال: (على انا قد روينا في بعض هذه الأخبار: ان الرضا عليه السلام قد غسل أباه موسى بن جعفر عليهما السلام من حيث خفى على الحاضرين لغسله غير من اطلع عليه ولا تنكر الواقفية ان الامام يجوز ان يطوى الله تعالى له البعد حتى يقطع المسافة البعيدة في المدة اليسيرة) [12].
3-الروايات التي تنقل أن النبي غسل الإمام الحسين وجهز قبره ودفنه من حيث يخفى نذكر منها:
ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن الصادق عليه السلام قال: أصبحت يوماً أم سلمة تبكي، فقيل لها: مما بكاؤك؟ فقالت: لقد قتل ابني الحسين عليه السلام الليلة، وذلك أنني ما رأيت رسول الله صلى الله عليه آله منذ مضى (مات خ ل) إلا الليلة، فرأيته شاحباً كئيباً، فقالت: قلت ما لي أراك يا رسول الله شاحباً كئيباً؟ قال ما زلت أحفر القبور للحسين وأصحابه)[13].
ومنها: ما نقل عن أمالي الطوسي: عن ابن جبير، عن ابن عباس قال: بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخا عظيما عاليا من بيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله فخرجت يتوجه بي قائدي إلى منزلها وأقبل أهل المدينة إليها الرجال والنساء. فلما انتهيت إليها قلت: يا أم المؤمنين ما لك تصرخين وتغوثين؟ فلم تجبني وأقبلت على النسوة الهاشميات، وقالت: يا بنات عبد المطلب اسعديني وابكين معي فقد قتل والله سيدكن وسيد شباب أهل الجنة، قد والله قتل سبط رسول الله وريحانته الحسين، فقلت: يا أم المؤمنين، ومن أين علمت ذلك؟ قالت: رأيت رسول الله في المنام الساعة شعثا مذعورا فسألته عن شأنه ذلك، فقال: قتل ابني الحسين عليه السلام وأهل بيته اليوم، فدفنتهم والساعة فرغت من دفنهم [14].
ومنها: ما روي عن عمرو بن ثابت: إني دخلت على أبي جعفر محمد بن علي منزله فسألته عن هذا الحديث وذكرت له رواية سعيد بن جبير هذا الحديث عن عبد الله بن عباس فقال أبو جعفر عليه السلام: حدثنيه عمر بن أبي سلمة عن أمه أم سلمة. قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير عنه قال: فلما كانت الليلة القابلة رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في منامي أغبر أشعث، فذكرت له ذلك، وسألته عن شأنه فقال لي: ألم تعلم أني فرغت من دفن الحسين وأصحابه [15].
ولا أظن عاقلاً يقول إن رسول الله جاء في العلن يدفنه !!
4-رواية أبي الصلت الهروي (قال: قم فان في الخزانة تابوتا فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط فأتيته به فأخذ الرضا عليه السلام بعد ما صلى عليه فوضعه في التابوت وصف قدميه وصلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت فانشق السقف، فخرج منها التابوت ومضى. فقلت يا ابن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا عليه السلام فما نصنع؟ فقال لي: اسكت فإنه سيعود يا أبا الصلت ما من نبي يموت بالمشرق، ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله تعالى بين أرواحهما وأجسادهما، فما أتم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت فقام عليه السلام فاستخرج الرضا عليه السلام من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن)!. وواضح من هذه الرواية أن الإمام غسل وكفن الإمام من حيث خفي على المأمون وأتباعه حتى أن المأمون دخل ولم يجده، ثم أمر بتجهيزه لأنه لم ير الإمام حيث جاء بعد هذا المقطع (ثم قال لي: يا أبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب، فإذا المأمون والغلمان بالباب، فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه، ولطم رأسه، وهو يقول: يا سيداه فجعت بك يا سيدي، ثم دخل وجلس عند رأسه وقال خذوا في تجهيزه فأمر بحفر القبر) [16] .
5-الروايات التي أثبتت أن هناك من غسل الأئمة غير المعصوم، وبتعبير القاعدة الكلية (الإمام لا يغسله إلا إمام) فيكون تغسيل الإمام في الخفاء وبحسب الواقع والحقيقة غير الظاهر للعيان، كما في تغسيل سليمان بن جعفر للإمام الكاظم حسب الظاهر وقد مرّ ذكرها فيما سبق.
6- ما جاء في مروج الذهب للمسعودي: كانت وفاة أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام في خلافة المعتز بالله، وذلك يوم الاثنين لأربع بقين من جمادى الآخرة، سنة أربع وخمسين ومائتين وهو ابن أربعين سنة، وقيل ابن اثنتين وأربعين سنة، وقيل أقل من ذلك، وسمعت في جنازته جارية سوداء وهي تقول: ماذا لقينا من يوم الاثنين، وصلى عليه أحمد ابن المتوكل على الله في شارع أبي أحمد، ودفن هناك في داره بسامراء[17].
ومن هنا لم ينكر الشيخ صنقور البحراني أنه يمكن أن يتعدى أحد ويغسل الإمام: (وذلك لا يعني انه لا يتفق تصدي غير الإمام لتغسيل الإمام إلا أن ذلك يكون في الظاهر ويكون من المحتم تصدِّي الإمام في الواقع لتغسيل الإمام الذي سبقه)[18].
خلاصة النقطتين:
وإذا اتضح هذا نتساءل: هل أن الهدف من هذه القاعدة إثبات الإمامة –كما في النقطة الأولى- وأن هذا الإمام هو الإمام الذي بعد ذاك أو لا ؟
فإن كان الجواب نعم، أي أن هدف ذلك إثبات الإمامة كما هي دلالة بعض الروايات المعترضة من قبل المخالفين وغيرها كما مرّ فإن الإثبات لا يكون في الخفاء.
وبمعنى أوضح: كيف يمكن إثبات الإمامة والحال أن التغسيل في الخفاء لم يشاهد الإمام فيه أحد كما في رواية هرثمة (ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا مكشوفا ولا يغسله الان أيضا إلا هو من حيث يخفى) ورواية دفن النبي للإمام الحسين وهل في روايات دفن النبي(ص) للإمام الحسين إثبات لإمامة النبي!!، وروايات تعدي غير الإمام لتغسيل الإمام. أو شاهده بعضهم كما في رواية أبي الصلت والمسيب، فهل هو إثبات لنفس الإمام!!. أو لأبي الصلت وحده مثلاً، ولو كان التغسيل في العلن وفي مرأى المخالفين والمحاججين فليس لاعتراضاتهم أثر وليس لهذه الروايات مجال للذكر أصلاً. بل لو كان في العلن لاندفع ما قاله المحدث البحراني من خوف الضرر على الإمام الباقر بوصية الإمام السجاد بتغسيل أم ولد له إلا أن يقال أن تغسيله كان في الخفاء أيضاً وفي الواقع الخارجي قد غسلته أم ولد. وكذلك تغسيل الإمام الرضا لأبيه الكاظم والإمام الجواد للرضا عليهم السلام بل وتغسيل ودفن الإمام السجاد للإمام الحسين والذي هو صلب الموضوع، فإذا كان هذا كله في الخفاء فكيف تثبت الإمامة؟!.
وإذا قلنا أن حضور الإمام السجاد لدفن الإمام الحسين هو لإثبات إمامته، فإذا كان كذلك، هل هذا الإثبات لزينب عليها السلام أو لبني أسد الذين لم يلتقِ معهم مرة أخرى حسب الظاهر، أو لشيعته الخاصين ولم يكن أحد منهم معه بعد انتهاء الواقعة أو لأهل المدينة المنورة الذين لم يشاهدوا الواقعة – واقعة الطف – ولم يشاهدوا الدفن وما جرى فيه!!.
وعليه يظهر عدم دقة من قال من أنَّه (أن ذلك كان وِساماً للإمام المتوفى ومنصباً للإمام الذي يليه ولا نحتمل خصوصية للتغسيل دون الصلاة مثلاً خصوصاً وأنَّ الصلاة أجلُّ شأناً في مرتكز المتشرعة من التغسيل) . نعم من غير المحتمل لو كان ذلك في الخفاء ولكن في العلن فقد ثبت خلاف ذلك . وإلا فهل نحتمل ذلك الوسام والشرف وهذا التنصيب وهو من حيث يخفى!.
هل أن إثبات الإمامة منحصر بالتغسيل؟
والسؤال الذي يطرح نفسه؛ لو كانت هذه القاعدة سليمة فهذا يعني أن التغسيل والدفن ومراسم التجهيز بأكملها شرط أساس في إثبات الإمامة وهذا لا مفر منه لأن (الإمام لا يليه إلا إمام)، ولكن ماذا لو بُين ذلك بطريقة وأخرى هل سيكون لذلك هدف أو لا؟
وتوضيح ذلك:
هناك وجهتا نظر في المسألة: إحداها: القائلة بأن كل إمام يبين الإمام الذي يليه من خلال الإشارة عليه في ظروف مختلفة فيتعرف أصحاب الأئمة عليهم، وقد أورد الشيخ الكليني في الكافي وتحت عناوين الأئمة باباً بعنوان (باب الإشارة والنص على [الإمام] عليه السلام) نذكر منها:
صحيحة سدير الصيرفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن من سعادة الرجل أن يكون له الولد، يعرف فيه شبه خلقه وخلقه وشمائله، وإني لأعرف من ابني هذا شبه خلقي وخلقي وشمائلي، يعني أبا عبد الله عليه السلام [19].
وفي صحيحة طاهر قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فأقبل جعفر عليه السلام فقال أبو جعفر عليه السلام: هذا خير البرية أو أخيَر [20].
وفي صحيحة معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها، فقال: قد فعل الله ذلك قال: قلت: من هو -جعلت فداك-؟ فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال: هذا الراقد وهو غلام [21].
وفي صحيحة سليمان بن خالد قال دعا أبو عبد الله عليه السلام أبا الحسن عليه السلام يوما ونحن عنده فقال لنا: عليكم بهذا، فهو والله صاحبكم بعدي [22].
وفي صحيحة معمر بن خلاد قال: سمعت الرضا عليه السلام وذكر شيئا فقال: ما حاجتكم إلى ذلك، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني وقال: إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة [23].
وفي صحيحة محمد بن عيسى قال: دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السلام فناظرني في أشياء، ثم قال لي: يا أبا علي ارتفع الشك ما لأبي غيري [24].
وواضح من خلال هذه الروايات أن الإمام التالي معروف من خلال النص عليه قبل موت الإمام السابق فتولي الإمامة ومعرفتها غير مربوط بتغسيل الإمام السابق كما تنبئ بعض الروايات والمحاججة مع المأمون وغيره لأن تولي الأمر في كثير من الحالات يكون معلوماً قبل موت الإمام، والإمام يوجه الأمة وأصحابه الخاصين بهذا التوجيه، فلا يكون الإمام غير معروف إلا عند تغسيله لندعي أنه الإمام بناءً على ذلك.
وأما الوجهة الأخرى فهي القائلة بأن النبي (ص) عدَّدَ وبيَّنَ الأئمة من بعده من أمير المؤمنين وحتى إمام العصر وجاء ذلك في روايات الأئمة أيضاً نذكر منها:
ما جاء في الفقيه: روى عبد الله بن جندب عن موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال: تقول في سجدة الشكر: "اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبيائك ورسلك وجميع خلقك إنك [أنت] الله ربي، والاسلام ديني، ومحمدا نبيي، وعليا والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، علي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة بن الحسن بن علي أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرء، اللهم إني أنشدك دم المظلوم -ثلاثا- اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنهم بأيدينا وأيدي المؤمنين، اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم بعدوك وعدوهم أن تصلي على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد ثلاثا وتقول: اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر ثلاثا، ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وتقول: يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق على الأرض بما رحبت، ويا بارئ خلقي رحمة بي وكنت عن خلقي غنيا صل على محمد وآل محمد، وعلى المستحفظين من آل محمد ثلاثا، ثم تضع خدك الأيسر على الأرض وتقول: يا مذل كل جبار، ويا معز كل ذليل، قد وعزتك بلغ [بي] مجهودي ثلاثا، ثم تعود للسجود وتقول: مائة مرة "شكرا شكرا" ثم تسأل حاجتك إن شاء الله" . ولا تسجد سجدة الشكر عند المخالف واستعمل التقية في تركها [25].
وهذه الرواية واردة عن الإمام الكاظم عليه السلام والتي وقفت الواقفية عليه ورفضت التسليم بالإمامة للرضا عليه السلام من بعده، فلو كان هذا معروفاً لدى أصحابه ما كان لهم المحاججة والاعتراض أصلاً إلا أن يقال أن لهم أهداف خاصة من ذلك، ويأتي الحديث عن ذلك.
فإذا فرضنا صحة هذا فكيف يكون هؤلاء –المحاججون– مطلعين عليها ومع ذلك يحاججون؟! ولكن هذا غير صحيح لماذا؟
لو كانت مثل هذه الروايات صادرة لما كان لمثل هذه القاعدة مخرج، لأن الإمام اللاحق معروف لدى الموافق والمخالف، ولا داعي للقول أن عدم بيان المغسل – كما في وصية الإمام السجاد لأم ولد – من أجل خوف الضرر عليه.
ومع هذا فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن نقول أن الأئمة منصوص عليهم جميعاً ومعروفون سابقاً وعند ذلك لا يكون لهذه القاعدة أي معنى – إن كان هدفها إثبات الإمامة -، وإما أن نقول أن الإمام ينص على من بعده في حياته وقبل موته وليسوا معروفين ومتشخصين لدى الخواص فضلاً عن العوام فتكون هذه القاعدة في كلا الحالتين تحصيل للحاصل.
ولو تنزلنا وقلنا أن الإمام لا يُعرف إلا عند موت سابقه من خلال التغسيل فإننا نكذب بكلتا الطائفتين من الروايات من جهة، ومن جهة لا يمكننا التسليم بهذه القاعدة خارجاً لو سلمنا بتعدي غير الإمام للإمام، ولا يمكن أن تصدق الشيعة بأن هذا الإمام هو الإمام المفترض الطاعة بسبب تغسيله ظاهراً من قبل غير الإمام لعدم علمهم بما هو خافٍ عليهم.
والخلاصة: إن قول رسول الله (ص) (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) بيان واضح على إمامتهما، فالقول بأن (الإمام لا يغسله إلا إمام) تثبت الإمامة مما ليس له محصل فقد ثبتت إمامة الحسنين ولسنا بحاجة إلى هذه القاعدة إلى إثبات ذلك غسل الإمام الحسين الإمام الحسن (عليهما السلام) أم لم يغسله .
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين