2012/03/04 | 0 | 5395
التوحيد في العبادة ... إشكالية المفهوم والمصداق -4
إن الطاعة ليست حداً منطقياً للعبادة ، وبمعنى آخر : لا يمكن اعتبار أن الطاعة لوحدها عبادة وإلا لم يبق أحد على وجه الأرض من المسلمين إلا وهو خارج عن الإسلام ، فنحن نطيع آباءنا ، وأمهاتنا وإخواننا الكبار ، وسادتنا ، وكبراءنا ، وحكامنا ، وقادتنا في العسكر أو الوظائف المختلفة وهذه الطاعة تكون عبادة لهم ، ولكن القرآن لا يفترض هذا فقد أمرنا الله بطاعة رسوله مقرونة بطاعته كما في آيات عديدة منها:
قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} ﴿آل عمران: ٣٢﴾
وقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ﴿المائدة: ٩٢﴾
{وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} ﴿الأنفال: ٤٦﴾
{قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ﴿النور: ٥٤﴾
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} ﴿الأنفال: ٢٠﴾
بل وجاء الأمر من الله لطاعة الرسول بخصوصه كما في قوله تعالى : {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ﴿النور: ٥٦﴾
ولم تكن الطاعة لرسول الله فقط بل لكل ولي أمر ، ومن هو ولي الأمر ؟
كل بحسبه ، فمن يعتقد أن ولاة الأمر هم الحكام كما يراه إخواننا السنة فإنه يجب طاعتهم ، ومن يراه الأئمة كما هم الشيعة يجب طاعتهم ، وفي كلا الفرضين يجب طاعة غير الرسول ، فهل أن طاعة ولاة الأمر عبادة لهم ؟ كما في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} ﴿النساء: ٥٩﴾
وقد جاء في القرآن الكثير من الآيات التي فيها أمر للناس باتباع أشخاص كما في قصة هارون وطلبه من قومه أن يطيعوه :
{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَـٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} ﴿طه: ٩٠﴾
وفي قصة عيسى عليه السلام قوله تعالى:
{إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} ﴿آل عمران: ٥٥﴾
اتبعوك يعني أطاعوك ونهجوا منهجك وطريقتك ولا يكون ذلك إلا بطاعتك .
وفي قصة إبراهيم إن أولى الناس به للذين اتبعوه بإطاعته كما في قوله تعالى :
{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} ﴿آل عمران: ٦٨﴾ والآيات في ذلك كثيرة .
وقد ورد في مقابل ذلك ما يدلل على أن هناك طاعة منهي عنها كطاعة الشيطان كما في قوله تعالى :
{ألَمْ أعْهَدْ إلَيكُمْ يا بَني آدمَ أنْ لا تَعبُدوا الشَّيطانَ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وأنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُستقيمٌ} (يس/60ـ61). لا تعبدوا الشيطان بمعنى لا تطيعوه .
{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} ﴿النساء: ٨٣﴾
وطاعة الكفار والمنافقين كما في قوله تعالى زجراً لنبيه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّـهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} ﴿الأحزاب: ١﴾
وقوله تعالى : {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} ﴿الانسان: ٢٤﴾
وطاعة المخلوق في معصية الخالق ولو كان الأبوين اللذَيْنِ دعا القرآن إلى برهما:
{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ﴿لقمان: ١٥﴾
وهناك طاعة لم يرد فيها أمر أو نهي فتكون جائزة وهذا ما تعارف عليه المسلمون ، من طاعة الرئيس والمدير في الدوائر الحكومية في مختلف الوظائف ولا يمكن لأحد ادعاء أن ذلك مما هو خارج الشرعية ، وهذه الطاعة مع أنها لم ترد بصورتها الاجتماعية في القرآن إلا أنه لا قائل بأنها تعدّ عبادة للمطاع من قبل المطيع .
ومعنى طاعة الله أن تمتثل أوامره ونواهيه، فهل أن جميع المسلمين السنة أو الشيعة اليوم يطيعون كل أوامر الله ونواهيه بحيث يصدق عليهم أنهم عبيد الله أو أن كثيراً منهم يطيعون أشخاصاً وأفراداً علاوة على الشيطان، لذا تجد الكثير من المسلمين اليوم ومن جميع الطوائف يسرحون ويرتعون في المهالك والملذات وهؤلاء خرجوا قطعاً عن طاعة الله ، فهل نقول عنهم أنهم عبدة لشهواتهم كما قال تعالى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} ﴿الفرقان: ٤٣﴾ وقوله أيضاً {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّـهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} ﴿الجاثية: ٢٣﴾
والخلاصة : أن الطاعة لوحدها لا تعد حداً منطقياً للعبادة وإلا لو اعتبرناها كذلك فإن الجميع لن يكون عابداً لله .
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين