2012/01/14 | 0 | 5790
التوحيد في العبادة ...إشكالية المفهوم والمصداق-1
الاتفاق والاختلاف :
لا شك أن جميع المسلمين بلا خلاف بينهم يتفقون على أن الله سبحانه هو الخالق والمعبود لا معبود سواه ، وأن من عبد غير الله فقد أشرك بالله ، وأن الشرك لظلم عظيم ، وأن الله لا يغفر أن يشرك به .
ولكن وقع الخلاف في المصداق أي في الأفعال الخارجية ، هل أن هذا الفعل يعدُّ عبادة أو لا؟ وبسبب الاختلاف في مفهوم العبادة ، هدمت صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله .
وقد شنّ أبناء السنة علينا – نحن الشيعة الإمامية – هجوماً ضارياً ، كسبع ضارٍ أو أشد لكونهم يعتقدون أننا لعبادة غير الله أقرب، بسبب كوننا نصلي عند القبور ، وندعو الله عندها مع إظهار الخضوع والتذلل مما يجعل ذلك عبادة لأصحاب القبور لا إلى الله .
ولأن الهوة كبيرة جداً يصعب على المسلمين التوحد في ظرف التعصب والتشدد للرأي، ولكن لتقريب وجهات النظر والتأمل فيما مضى من أطروحات وكتابات رجونا أن تكون هذه المقالات طريق هدى للجميع .
ونمهد لذلك بمقدمات :
أولها : معنى التوحيد :
التوحيد في اللغة: مصدر للفعل (وحَّد ، يوحِّد) توحيدا فهو موحِّد إذا نسب إلى الله الوحدانية ووصفه بالانفراد عما يشاركه أو يشابهه في ذاته أو صفاته ، والتشديد للمبالغة أي بالغت في وصفه بذلك .
وتقول العرب : واحد وأحد ، ووحيد ، أي منفرد ، من ذلك الوحدة [1]. فالله تعالى واحد ، أي منفرد عن الأنداد والأشكال في جميع الأحوال ، ووحده توحيداً: جعله واحداً [2].
وقال ابن الأثير في النهاية : ( وحد ) في أسماء الله تعالى " الواحد " هو الفرد الذي لم يزل وحده ، ولم يكن معه آخر . قال الأزهري : الفرق بين الواحد والأحد أن الأحد بني لنفى ما يذكر معه من العدد ، تقول : ما جاءني أحد ، والواحد : اسم بني لمفتتح العدد ، تقول : جاءني واحد من الناس ، ولا تقول : جاءني أحد ، فالواحد منفرد بالذات ، في عدم المثل والنظير ، والأحد منفرد بالمعنى . وقيل : الواحد : هو الذي لا يتجزأ ، ولا يثنى ، ولا يقبل الانقسام ، ولا نظير له ولا مثل . ولا يجمع هذين الوصفين إلا الله تعالى [3].
والأحد بمعنى الواحد ، .... وقيل: الأحد الذي لا ثاني له في ربوبيته ولا في اللسان : ... وأصله وحد ، لأنه من الوحدة [4]. ومنه قوله تعالى : {قل هو الله أحد}.
ولا خلاف بين المسلمين في أن الله واحد بمقتضى الدليل العقلي والنقلي، وقد أوضح القرآن في الكثير من الآيات بأن المعبود واحد وأحد:
قال تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [سورة النحل -51] .
قال تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [سورة البقرة -133]
قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة المائدة - 73]
وهذه الآيات دالة على إفراد الله بالعبادة .
قال تعالى: {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}
قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة-163]
قال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص -1 - 4] .
وهذه الآيات دالة على إفراد الله بالأسماء والصفات
قال تعالى: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} [الصافات - 4 - 5] .
قال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد - 16] .
وهذه الآيات دالة على إفراد الله بالخلق والربوبية والنفع والضر.
وقد نهى الله من أن يوصف بأنه غير الواحد كما في قوله تعالى : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} المائدة/73 .
ثانيها :معنى العبادة :
مما لا شك فيه أن العبادة لا تكون إلا لله وأن من عبد غير الله فقد أشرك بالله ، وقد جاء الأمر الصريح بعبادة الله وحده دون سواه كما في قوله تعالى : {وقَضى ربُّكَ ألاّ تَعبُدوا إلاّ إيّاهُ وبِالوالِدَينِ إحساناً} (الإسراء/23)
وقوله تعالى: {يا أهلَ الكِتابِ تَعالَوْا إلى كَلِمة سَواء بَينَنا وبَينَكمْ ألاّ نَعْبدَ إلاّ إيّاهُ ولا نُشرِكَ بهِ شَيئاً ولا يَتَّخذَ بَعضُنا بَعضاً أرباباً مِنْ دُونَ اللهِ}
وقوله تعالى: {ولَقدْ بَعثنا في كُلِّ اُمَّة رَسولا أنِ اعبدُوا اللهَ واجْتنِبوا الطّاغوتَ فمِنهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ ومِنهمْ مَنْ حَقَّتْ عَليهِ الضَّلالةُ} (النحل/36).
وقوله تعالى : {إيّاكَ نَعبُدُ وإيّاكَ نَستَعِينُ} (الفاتحة /5)
وقوله تعالى: (ولَقدْ بَعثنا في كُلِّ اُمَّة رَسولا أنِ اعبدُوا اللهَ واجْتنِبوا الطّاغوتَ) (النحل/36) .
وقال تعالى: {وَما أرسَلنا مِنْ قَبلِكَ مِنْ رَسول إلاّ نُوحي إليهِ أنَّهُ لا إلـهَ إلاّ أنَا فَاعْبُدونِ} (الأنبياء/25)
إلى غير ذلك من الآيات ، ولا خلاف بين المسلمين قاطبة من هذا الجانب بأن العبادة لله وحده لا شريك له وإنّما الكلام هو في أنّ بعض الأعمال والممارسات هل هي مصداق لعبادة غير الله أو لا؟ ولكن يبقى السؤال عن معنى العبادة وحدها الذي يخرج المسلم عن كونه مسلماً ؟
وهذا هو المثير للجدل بين المسلمين عامة وبين خصوص الشيعة الإمامية وبعض السنة حيث رشق بعض السنة الشيعة بأنهم عبدة القبور والأولياء الصالحين .
والأولى والجدير بالبحث أن يحدد ويبين تعريفاً واضحاً لمعنى العبادة تتكون من خلاله ضابطة كلية يحدد منه ميزان تشخيصي لعبادة غير الله عن غيرها ، يتفق عليه جميع المسلمين لكي لا يُخرج من ربقة الإسلام ما هو داخل فيه ولا يدخل في الإسلام ما هو خارج عنه .
وللحديث تتمة
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين