2023/07/11 | 0 | 2573
محمد الحرز: عالمي الشعري عمارةٌ ضخمة سكّانها غرباء
نص خبر - حاوره: هاني نديم
يقف الشاعر السعودي محمد الحرز في مساحة خاصة جداً لا تخفى على أحد، مساحة صنعها بعد سنوات طوال من الجهد الشعري والحفر عميقاً في ينابيع قصيدة النثر بأبعادها الكونية وبنيويتها البعيدة عن القرقعات اللفظية والألعاب النارية المجانية في التركيب والصوت مقترحاً النصوص التأملية والشعر “العمودي” من ناحية الحفر في العمق.
والحرز الذي قاوم الموجة العاتية من الأصولية الشعرية – إن جاز التعبير- رغم درايته التامة بالكتابة الأولى، واجه دون أدنى شك تحديات هائلة، إلا أنه تجاوزها نحو العالم الكبير بكل هدوء القادر وإرادة العارف.
التقيناه في هذه الدردشة:
- في الآونة الأخيرة نشط المشهد الثقافي السعودي بشكل هائل ، إلا أنني وبشفافية لا أتلمس أسماء جديدة برزت بنفس وقوة وسطوة الأسماء القديمة من جيلكم ومن قبله ، وهو ما ينسحب على المشهد العربي عموما ، لماذا هذا برأيكم ؟
– هناك تحول كبير في المشهد الثقافي السعودي يطال تقريبا كل شيء له علاقة بالثقافة والأدب والاجتماع . يطال البنية المؤسسية للثقافة من العمق . البنية الجديدة مرتبطة تماما برؤية ٢٠٣٠ التي ترى أن الثقافة بمؤسساتها القائمة لا تستطيع أن تنهض بالدور الذي يجعل منها قوة ناعمة، قادرة على أن تضع السعودية ثقافيا وأدبيًا وعلميا في مصاف الدول الكبرى باعتبارها دول مؤثرة عالميا في مثل هذا المجالات. المؤسسات التقليدية أنتهى دورها وكان موعد التغيير.
هذا هو الطموح ، وهو طموح مشروع نظرا للإمكانيات الضخمة التي تمتلكها المملكة على جميع الصعد والمستويات، اقتصادية وبشرية وتاريخية وجغرافية.
لذلك إعادت هيكلة مؤسسات الدولة الثقافية وحوكمتها وفق القوانين والأنظمة الحديثة هي الأهداف الكبرى التي تنتظم من خلالها هذه الهيكلة ، وهي الأهداف نفسها التي ينتظم فيها تحديث المجتمع أيضا .
لقد قطعت الدولة مشوارا كبيرا لتثبيت هذه الأهداف وتعزيزها بكل الوسائل والإمكانات. والمتأمل المشهد حالياً يجد الأثر الكبير الذي تركته إعادت هيكلة المؤسسات على الفرد المبدع ونظرته للإبداع والثقافة بشكل عام. فالأندية الأدبية في شكلها التقليدي تحولت إلى جمعيات غير ربحية ، وكذلك جمعيات الثقافة والفنون بفروعها المتعددة تحولت أيضا إلى جمعيات غير ربحية تنتظم جميعها تحت هيئات متعددة كهيئة الأدب والنشر والترجمة وكهيئة المسرح وهيئة الأفلام ..ألخ .
وبالطبع في مثل هذا الحراك كانت المبادرات والفعاليات ركيزة أساسية لإظهار روح هذا التحول وإبرازه على الساحة بما يمثل الطابع الجديد للأنشطة الثقافية والأدبية ، فرأينا كيف نهضت المقاهي والمكتبات الأهلية بدور كبير في تفعيل هذا الحراك تحت مبادرة تسمى ( الشريك الأدبي) وهي مبادرة أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة وتهدف إلى تفعيل المقاهي العامة والمكتبات كشريك في المساهمة لإقامة فعاليات أدبية وفكرية واجتماعية، وبدعم وتمكين من الهيئة.
هذه الإطلالة البسيطة على تحولات المشهد تكشف حالة من الأنشطة الاستثنائية التي تصل إلى حد التشظّي والانفجار . من هذه الملاحظة، وهي ليست ملاحظة بقدر ما هي مفارقة في حقيقة الأمر ، أصل إلى ما يستنتجه سؤالك في عدم وجود أسماء بذات السطوة في جيلنا وجيل من سبقونا .
فالإقرار بهذه المفارقة تفرضها أسباب كثيرة. لكن أهمها في ظني وحسب متابعتي للمشهد، ترتبط بالمكوّن الثقافي والأدبي للجيل الراهن الذي تربّى في مجمله على تقاليد شبكات التواصل الاجتماعي ، وهي تقاليد تمتاز في مجملها على سرعة تلقّى الثقافة والأدب على تنوعها وسرعة إرسالها أيضا ، فالكاتب أو المبدع في هذه الحالة لا يمر بمخاضات المبدع الحقيقي الذي تصنعه الخبرة الحياتية، بل يُرسل ويستقبل بطريقة آلية، وكأن تخلي الفرد عن طبيعته الإبداعية أوجد مساحة من التفكير الجماعي في إنتاج الأدب مما جعل من الأسماء متشابهة أفكارًا وأسلوبا فيما تكتبه من نصوص إبداعية.
- تقول أنك لم تأخذ حظك تماما في المشهد الشعري السعودي، وأنت تعلم أنني أتفق مع هذا جدا، هل لأنك تجري خارج الكادر والمزاج المحلي في كتابتك للنص النثري الخالص، أم ما هي الأسباب من وجهة نظركم ؟
– عدم الاهتمام أو إهمال تجربتي الشعرية سواء على مستوى القراءة الصحفية أو الدراسات الأكاديمية، في مشهدنا الشعري ، لا يشكل لي هاجسا يشغلني عن السعي الدائم في تطوير نصي الشعري.
ربما يرى البعض ممن يشتغلون نقديا وصحفيا وحتى متذوقي الشعر ومحبيه أن النص النثري لا يرقى بالاهتمام والعناية مثل النص الكلاسيكي، وهذه ذائقة لا يمكن الإفلات من تداعياتها على النفور من كل تجربة شعرية اتخذت من الشكل النثري الخالص.
ولا أريد هنا الدخول في الجدل القائم بين أطراف ترى هذا النفور يتحمله هؤلاء الشعراء الحداثيين بغموض نصهم وتهويماتهم في التجريب ، وبين أطراف أخرى ترى أن قصور الذائقة عن إدراك جماليات النص النثري هو أحد الأسباب الكبرى للنفور. كل ما أريد قوله هو في الخلاصة التالية : انشغالك في تطوير تجربتك مضمونا وشكلا يغنيك عن الدخول في سجالات ومماحكات، قد لا تستطيع معاها طرق مناطق جديدة في الكتابة الإبداعية، وهذا ما أؤمن به من العمق.
القلق حالة شعرية عالية، والقلق من التيه في صحراء القصيدة العربية جعلني استقر في النثر
- حدثني عن مشروعك الشعري ، همومك وخيباتك ومباهجك في الأدب والكتابة ؟
– يا صديقي أصدقك القول لا أعرف معنىً أن يكون عند الشاعر مشروعاً شعرياً، لقد ظللت أكتب الشعر بمزاجية اللحظة وضغوطات اليومي وسلطة الذاكرة، أشيّد من خلالها عالمي الشعري وكأنني أشيّد عمارة سكنية لا يعيش فيها سوى غرباء لا يعرف بعضهم بعضا، ولا يربطهم رابط سوى المكان، بينما لياليهم ونهاراتهم ورغباتهم وأحاسيسهم جزر معزولة عن اليابسة، أسميها أيامي في القصيدة.
قد يكون التجريب في الأشكال الشعرية كما هي تجربتي منذ بداياتها حتى استقراري على الشكل النثري ( قصيدة النثر ) هو نوع من ما من المشروع الشعري، فالدافع إلى تنشيط الإحساس الغريزي الذي يجعلك أن تقول أو تكتب نصا مفصلا على مقاسك، أو تجربة لا يخوضها سواك ابرز معالمها فيما تكتب ، هو نفسه الدافع الذي قادني إلى الاستقرار على كتابة الشكل النثري ، وهو استقرار لم يتشكل في يوم وليلة ، لقد جاء بعد قلق التيه في صحراء القصيدة العربية، وقلق الوقوع في فخ التكرار والقوالب الجاهزة والصياغات المستهلكة .
قد يبدو القلق للشاعر في حد ذاته شاعري، يدفعه للكتابة بالقدر الذي يحرص فيه على التميز والتفرد، قد ينجح أو يفشل، وهذا ما لا أفكر فيه، مجرد شرف المحاولة هو الرافعة التي أستند عليها كلما دلفت إلى عالم الكتابة .
لذلك ينبغي أن نفرق بين مشروع وآخر ، هناك من الشعراء من جعل من حياته بحد ذاتها مشروعا مغريا ومحفزا للكتابة الشعرية ، فالحياة بالنسبة له هو نص إبداعي يكتبه بجسده أولا ثم يتم تحويله إن أمكن إلى فضاء الورقة. هكذا كان بعض الشعراء الذين عاشوا الإبداع بهذه الطريقة، والأمثلة تطول لو عددنا الأسماء من الشعراء على مستوى العالم، يكفي أن أذكر هنا شاعرين معاصرين على مستوى الوطن العربي: سركون بولص وزاهر الغافري.
وهناك شعراء فصلوا تماما بين حياتهم وبين ما كتبوه من نصوص شعرية – حديثي هنا ليس للمفاضلة بين هؤلاء وهؤلاء ، أنه مجرد توصيف لا أقل ولا أكثر – وكانوا يكتبون انطلاقا من وعي مسبق ورؤية محددة للحياة والشعر والعالم مثل أدونيس كأوضح مثال، وإلّا هناك الكثير من يمثلون هذا الجانب من الكتابة الإبداعية.
البساطة نوعان، الأولى لا تأتي إلا بعد مشقة وتدريب وخبرة بينما الأخرى تأتي نتيجة الفقر إلى عمق النظرة للأشياء واستنطاقها
بَيْد أن ما لم أعره أي اهتمام هو ما كان يقوله الشعر عن نفسه من خلال النصوص فقط ، كان اهتمامي في لحظة من التفاتي للشعر هو التركيز على ما تقوله الأشياء من حولنا عن الشعر وما يقوله الشعر عنها ، وهذا ما أتاح لي الفرصة في التفكير والتأمل في الإجابة عن السؤال التالي : إلى أي مدى يمكن للغة أن تختبر قدرة الشعر على النفاذ إلى تفاصيل الأشياء الصغيرة دون أن تتوقف أو ترتد ؟!
إن الانشغال بهكذا تفكير في إطار تجربتي جعل من العمق كمعيار جمالي هاجسي في كتابة أي نص ، يصل هذا الهاجس عندي في بعض الأحيان إلى حد الهوس. لأني أرى أن البساطة في طريقة الكتابة هي غيرها البساطة الناتجة عن كتابة أي نص، الأولى لا تأتي إلا بعد مشقة وتدريب وخبرة بينما الأخرى تأتي نتيجة الفقر إلى عمق النظرة للأشياء واستنطاقها. وهذا لا يعني أن البساطة يمكن اختزالها في هذه النتيجة (الفقر) . لكن البساطة التي ترتبط بالطريقة الأولى هي تمثل مقولة ( السهل الممتنع ) كما يقال وهذه إحدى الميزات الكبرى للنصوص العابرة للتاريخ الإبداعي.
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين