2024/10/15 | 0 | 1085
يعيشون بيننا آيات علي العبدالله
آيات علي العبدالله
1996م - 1416هـ
الأحساء - العمران - الحوطة
يبَابٌ أرض هذا القَلب
يبْسُ
أينبضُ بالحياةِ ولا يُحسُّ؟
تخَشَّبَ من أساهُ فما توانَتْ
تُغافلهُ من الأقدارِ فأسُ
عنيدٌ في الجِراحِ قويّ صبرٍ
فكم "لا بأس" في شكواه
بأسُ ..!
آيات:
منذ الخنساء في الجاهلية وليلى الأخيلية في العصر الأموي وما تتابع من أسماء لشاعرات في عصور لاحقة كرابعة العدوية في العصر العباسي، وولادة بنت المستكفي في العصر الأندلسي، وعائشة التيمورية في العصر الحديث وصولاً إلى مي زيادة، وفدوى طوقان، ونازك الملائكة في القرن العشرين، والسباق في مضمار الشِعر لدى (النساء) يتجدد مع تجدد لغته وأسلوبه... كل شاعرة تسلم مشعل الشِّعر لمن بعدها، فالشعر لا يموت؛ (لأن الناس لن يتوقفوا عن الحاجة للتعبير عن الأفكار والمشاعر والأحلام، من خلال لغة مشفرة) كما يقول: الشاعر الكوستاريكي،كارلوس بيالوبوس.
ضمن هذا السياق التاريخي لتاء التأنيث في الشعر العربي تأتِي شاعرتنا: الشاعرة آيات العبدالله الذي عبر عنها الشاعر الكبير جاسم الصحيح بأنها( هدية الأحساء الشعرية الثمينة للوطن كله؛ تأتِي بشغفٍ فطري لجمال الشعر وفتنة القصيدة).
العبدالله من بيئة محافظة تتذوق الشعر وتعنى بالأدب، كانت تتسلل إلى بيوت قوافي النبط منذ الخامسة عشر من العمر، قبل أن تُخاتل اللغة فتصطاد شواردها وتوقِعَ بفصيح قصائدها وهي بين طالبات الصف الثانوي:
طفلة في العشرين:
بِعُمريَ طفلةُ الماضي تُطِلُّ
تُسابِقُ منتهايَ
ولاتملُّ
وتبحثُ في مدى العشرين عنّي
مُسائِلةً
فكيفَ ستستدِلُّ ؟
أراها في سنينِ العُمرِ وجهاً
يؤرّقني
ولكن يستهِلُّ
أعانقُها بذاكرتي ربيعاً
فيعبَقُ سَوسنٌ
ويفوح فُلُّ
هيَ الذاتُ التي ولّت كأنّي
بها زيفٌ
فهل لِيْ عادَ أصلُ ؟
أنا مِنها خُلِقتُ وعدتُ وحدي
بأوهامِ المسافةِ أستظِلُّ
أَجوبُ بعتمةِ الأيّام
لُغزي يطاردني
فهل في الغيب حلُّ؟
وأستجدي الطفولةَ ذات حُلمٍ
ولكنَّ التفاتَ الوقت نصلُ
مُشرّدَةٌ بذاتيَ لا طريقٌ
إليَّ فإنني عنّي أضِلُّ
ويمضي العمرُ لكن حينَ يمضي
يزيدُ من السنينِ
فلا أقِلُّ
أنا من طفلةِ الأحلام طُهري
فروحيَ في برائتها أَجَلُّ
وإن جَرَت الكهولة في دمائِي
فقلبيَ رغم مايحويهِ
طِفلُ.
(آيات) أنيقة المفردة سلسة الإسلوب عميقة الفكرة ظِلّيَّة الدلالة، براعتها في كشف مفاتن اللغة أجبر القصيدة على خطب ودها، حتى طبعت إبداعها على بياض صفحات ديوان الفصحى، وأصبح (الشعر من آياتها).
لها فلسفتها الخاصة في البوح لبحثها عن الذات بشاعرية فائقة العذوبة كهذا النص البديع:
(ضياعٌ باتّساع الخُطى)
تفرّينَ ليسَ الآن إلّاكِ مَهرَبُ
فخطوتُكِ الأولى ضيَاعٌ مُجرَّبُ
على أيّ دربٍ تستحثّينَ وِجهةً
وقلبُكِ من شَوطِ التباريحِ مُتعَبُ
فيافيكِ في عينيكِ عودي لأمسِها
دليلاً، فهذي الروح للتّيهِ تُنسَبُ
وصوتكِ مُذ شاخَ الشّعورُ ضَللتهِ
نسيتِ بأنّ الصّمتَ بوحٌ مُعلّبُ
وكفّاكِ ليلاكِ التي ما تبدّلَتْ
فبالدّمعِ أطرافُ البنانِ تُخضّبُ
نديمُكِ هذا الدّمع أقدم ظامىءٍ
بخدّيكِ يُروى من أساكِ ويُسكَبُ
فيبتلُّ بالآلامِ نبضٌ مُشاغبٌ
يمرُّ على لَيلِ الشّتاتِ فَيُنهَبُ
ومازلتِ رغمَ اللّفحِ خَضراءَ غضّةً
فتنهيدةُ النّسرينِ عِطرٌ مُهرّبُ
وإن ضِقتِ بالكونِ الفسيحِ حمامة
فروحكِ يابنِتَ النّهاراتِ أرحَبُ
طريقُكِ فيكِ الآن ، إن شئتِ جنّة
وإن شئتِ كابوساً إليكِ يُصوّبُ.
رغم خجلها وترددها عن المشاركات على مدى السنوات الماضية إلا أنها بَنَتْ قاعدة جماهيرية واسعة بعد ظهورها في برنامج المعلقة (فقرة موهبة) عن فئة الشعر الفصيح على فضائية الثقافية mbc في ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٣م بقصيدتها"أنثى لاتؤوّل" ومن وجهة نظرٍ خاصة؛ هذه المشاركة نقطة تحول حقيقية في مسيرتها الشعرية، حيث عرَّفت الشُعراء بها، وشدت انتباه النقاد، وحازت على إعجاب لجنة التحكيم... أبهرت عضو اللجنة د. عارف الساعدي الذي علق بقوله: لا تصدقي من يقول عنك موهبة، أنتِ تجربة. نعم وهل تكتب مثل هذا النص إلا التجربة:
أنثى لاتؤوّل:
مرهونةٌ كلّ اللُّغاتِ بحتفِها
فاختَر بِأَن تلِجَ الرؤى مِن نزفِها
واعبُر على جُثثِ الغرامِ ولاتخَفْ
أَن تَخْتِمَ الذّكرى بنُقطةِ ضَعفِها
وحَذارِ تأويلَ البنفسجِ لم يعُد
عِطرٌ يُهرّبُ مِن غِوايةِ حَرفِها
لن تبلُغ المعنى فدونكَ شهقةٌ
وجحيمُ أسئلةٍ تدورُ بِعَصفِها
ما أبدَعَتْ مَوتاً يُخلِّدُها سِوى
قلقِ المجاز على مَشارِفِ وصفِها
ولكم تشهّاها الشعورُ محاوِلاً
أن يفتدِيها أو تجودَ بنصفِها
شفتانِ من هذيانِها طفحَت فمَن
سيُريقُ نهرَ البوح ساعةَ رَشفِها
أُنثى تُذرّيها اللّحونُ فتنتشي
بالصّمتِ إن ضاقَ البيانُ لعزفِها
قد أنضجَتها الحادثاتُ فقلبُها
رغم احتضارِ النبضِ آخرُ قطفِها
مرّتْ على عُمق الوجودِ كفكرةٍ
بيضاءَ ما اغتسلَت بحُلكةِ خوفِها
لكنّها سطعَتْ كأوّلِ دهشةٍ
للأرضِ فرّت من خديعةِ زيفِها
جاءتْ كأنّ الله أوحَى خَطوها
وأسرَّ أسبابَ الّنزولِ بكفِّها
ألقَت على الأفلاك نَظرةَ عارفٍ
والكُحلُ سِرٌّ فاتنٌ في طَرفِها
هيَ لمحَةُ الغيبِ الأخيرةُ هالَها
ماتستميتُ بهِ لِساعةِ كَشفِها
ستظلُّ للملكوتِ آيتَهُ التي
لا لغوَ يأتي بَغتةً مِن خَلفِها.
الشاعرة آيات يستهويها الشِعر بكل أشكاله كما صرحت في لقاءٍ لها مع صحيفة شاهد الآن الإلكترونية، لكن ترى نفسها أكثر في القصيدة العمودية؛ رسالتها نشر الحب والسلام ومحاولة لمس المشاعر وسبر أغوار الإنسان بما يحمل من همومٍ وآلام.
نتعرف على الشاعرة أكثر بقراءة بعض ما اقتنصناهُ من عصافير قصائدها هنا:
من نصّ (شايٌ وسَكْرَة ذِكرى):
لم أرتشِف بَعدُ
أَخشى سَكرةَ الذِّكرى
تبقى الحكاياتُ:
شاياً
لذّةً
ثَغرا
تبقَى الحكاياتُ شاياً من سُلافتهِ
تُروى الأحاديثُ
حتّى تنتهي شِعرا
كأنّما الرّشفةُ الأولى بهِ انتبهَتْ
كي تُهرِقَ السِّحرَ
أو تُفشي لهُ سرّا
نعناعهُ الآن يُغريني كسُكّرَةٍ
متى سألقاكَ
حتّى نَمزُجَ العُمرا
كؤوسُنا مُترعاتٌ من تلهُّفِنا
فهل نذوقُ على أطرافِها صبرا؟
وهل سيبردُ شوقٌ رُغمَ حُرقَتنا
بأن نؤجّجَ من أضلاعنا الجمرا؟
سيُملأُ النّخبُ منّا أو سنملؤهُ
من الغواياتِ
حتّى ينتشِي سُكرا
لسنَا من الشّاي إلّا بعض أبخرةٍ
تصاعَدَت من دِمانا
زفرةً حرَّى
وأطلقَتنا عذاباتٍ موزّعةٍ
بينَ المساءاتِ
ما أبقت لنا ذِكرا
مُخدّرونَ ببابِ السُّهدِ
يرقبُنا فجرٌ
ليسرِق من آمالنا الفجرا
وتصطفينَا من العشّاق خيبتهُم
كأنّما نحنُ من آياتهِا الكُبرى
عزاؤنا أنّنا نُبقي هزائمنا
رهنَ المجازاتِ
حتّى نخلقُ النّصرا
ونمنحُ الدّمعَ أعذاراً لنسكبهُ
من المحاجرِ
كي لا ينتهي كَسرا
لم أرتشِف بعد أخشى أن يباغتني
وجهٌ يُذوّبُ من أنوارهِ البدرا
يلوحُ للعينِ ..دفءٌ في ملامحهِ
فكم أذابَ الحنايا ..كم ..وكم أغرى
في روحهِ هيبة تُخفي عواطفهُ
فأكبرُ الهمِّ
أن لايخدشَ الزّهرا
نصيبي الثغرُ إن لاحت عذوبتهُ
سأرشفُ الآن ..تلك السّكرة الأخرى
ومن نصّ (فتنة صباحية) نقتطف:
عُصفورة اللّحنِ حطّي فوق شُرفتهِ
ليبدأ الشّدو من أصداءِ ضِحكتهِ
ولوّني الصُّبحَ مزهوّاً بما فُتِنَت
كُل الزهور على ألوان سُمرتِهِ
المانِحُ الضّوء دفئاً من أناملهِ
وحابِس النسمة الأزكى بوجنتِهِ
لا تطلعُ الشمس إلا حين طلعتِهِ
أنا ،وقلبي ، وأشواقي ..بذمّتِهِ
(ميلاد الهوى)
أضِف لعامكَ هذا عُمريَ الآتي
سأُشعلُ الآنَ أقمار الصباباتِ
لنحتفي بالهوى أضعافَ لهفتنا
أضعافَ ما أغرَقتْنَا بالمجازاتِ
إيقاعنا نبضةٌ في القلبِ دافئةٌ
ورعشة الرغبةِ الأولى من الذّاتِ
سنُولدُ اليومَ مبعوثاً ومُعجزةً
إنّي ارتضيتكَ فاقرأ وحيَ آياتي
واقبل هداياكَ من قلبي أُقدّمُها
ومن شفاهيَ ذُق طعم الغواياتِ
----
(بكائية أخيرة)
مازلتِ تبكين ذكراهُم على الطّلَلِ
وتخدعينَ فؤاداً ماتَ بالأَمَلِ
هُم جاوزوكِ وغابوا ملءَ نشوتِهِم
وأنتِ من أَجَلٍ يمضي إلى أجَلِ
يا زهرة البِيد والأقدار لافحة
كم غيمةٍ عيّرتكِ اليوم بالبللِ؟
لا تنصِتي لحديثِ النهر قد شمَتَتْ
بِكِ السواقي وعُدتِ موضِعِ الهَزَلِ
(آيات) تجربة مختلفة وشاعرة تبرهن أن الشعر لم يزل محلقاً بأجنة شعرائه، ويعيد ثقتنا بحيوية الشِعر لدى النساء واستمراريته.
الأستاذة آيات إلى جانب الشعر لها حضورها في الفن التشكلي.
حازت على شهادة دبلوم محاسبة من الكلية التقنية للبنات بالأحساء.
طبع لها نادي خيمة المتنبي ديوانها الأول: ( الشِعرُ مِن آياتِها ) ضمن برنامج (مجاز أوّل)، بالتعاون مع دار تشكيل.
جديد الموقع
- 2024-12-26 نحو معارض للكتاب الخيري
- 2024-12-26 معادلة الانتصار الإلهي والقيم العليا
- 2024-12-26 أحياة هي أم ظروف حياتية؟
- 2024-12-26 د.نانسي أحمد أخصائية الجلدية :العلاج البيولوجي أحدث وأهم الخيارات في معالجة الصدفية
- 2024-12-26 "ريف السعودية" ونادي الشباب يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز المسؤولية المجتمعية
- 2024-12-26 تجهيز عربة عيادة أسنان في الأحساء
- 2024-12-26 4 مليارات لفرص المسؤولية الاجتماعية خلال 21 شهرًا
- 2024-12-26 نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء
- 2024-12-26 ما الكون إلا زمان .. إلاك
- 2024-12-25 قراءة في حياة الشاعر علي الحمراني