2022/03/27 | 0 | 1630
وهم الأغلال
يُحكى أن فلّاحا ذهب إلى جاره يطلب منه حبلاً لكي يربط حماره أمام البيت، فأجابه الجار بأنّه لا يملك حبلاً ولكن أعطاه نصيحة، قال له: يمكنك أن تقوم بنفس الحركات حول عنق الحمار وتظاهر بأنّك تربطه ولن يبرح مكانه. عمل الفلّاح بنصيحة الجار، وفي الغد وجد الحمار في مكانه تماماً رَبَتَ عليه وأراد الذهاب به إلى الحقل، ولكن الحمار رفض التزحزح من مكانه، حاول الرجل بكل قوته أن يحركه، ولكن من دون جدوى.
أصاب الفلّاح اليأس فعاد إلى الجار يطلب النصيحة، فسأله هذا الأخير: هل تظاهرت أمامه بأنّك تحلّ رباطه؟
فرد عليه باستغراب: ولكن ليس هناك حبل!!
أجابه: هذا بالنسبة إليك أمّا بالنسبة إليه الحبل موجود.
عاد الرجل وتظاهر بأنه يفك الحبل، ثم قاد حماره من دون أدنى مقاومة هذه المرة.
يبدو أن هذه القصة رغم طرافتها، تُحاكي واقعاً فكرياً واجتماعياً نعيشه.
يقول جان جاك روسو يولد "الانسان حراً، ولكنه في كل مكان يجر سلاسل الاستعباد" تلك السلاسل التي تُقيد تصرفاته، توجهه لمناطق خارجة عن ارادته، بل أنها احياناً تتجذر في نفسه فتصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصيته.
رغم أن الإنسان فُطِرَ على الحرية والانعتاق من القيود والأغلال، فما أن يخرج ويَعِي هذه الدنيا يبدأ بالتساؤل عن كل ما هو غريب، يستنكر كل عمل غير عقلاني يرصده في حياته، إلا أن العقل الجمعي اللاواعي يرسخ فيه مبدأ القبول والخنوع لما هو عليه من عادات وموروث كي لا يشذ عن ذلك المجتمع ويصبح خارج دائرته.
يسكن الوهم مناطق الظلام، ويرتكز على فجوات الجهل، فهو يتنامى عندما يجد النفس البشرية عاجزة عن التفسير، مفتقدة للمعرفة.
عُبدت الطبيعة خوفا من أسرارها وسيطرت الأوهام على الناس خوفاً من المجهول، وانقادت له بالمعرفة وأصبح سيداً عليها مسخراً طاقاتها لخدمته.
تشجع المعرفة على الإبداع فهي تحلق بالفرد لكشف المستور والبحث عن الجديد، بعكس الجهل الذي يقيد الفرد ويجعله غير قارد على الابتكار، فهو أسير فكرة محددة ينغلق عليها ويتعصب لها وتسيطر عليه فلا يفكر إلا فيها ولا ينفتح على غيرها ولا يتمتع بالمرونة لمراجعة أفكاره وتجديدها. المعرفة على النقيض من الجهل، تَحررٌ من تلك الأغلال، كَسر لتابوهات القداسة الزائفة والخرافة التي زرعها الجهل.
سيادة الخرافة في مجتمع ما يعني تراجع مستوى الوعي، كما أن شيوع حالات التقليد الأعمى يعني ضمور المعرفة، فلا يمكن أن تلتقي المعرفة مع الخرافة ولا التقليد الأعمى مع الإبداع.
للتربية دور هام في إيجاد مناخ صحي للفرد يمكّنه من مراجعة قناعاته بحرية، وإنتاج فكر مستقل بعيداً عن سلطة التفكير الجمعي القاتلة للإبداع.
هذه الأغلال والقيود التي يفرضها العقل الجمعي وهمية وليس من السهولة تصورها أو استيعابها، فهي نتاج تراكمات في التاريخ البشري فكسرها يعد جريمة لا تغتفر وخطيئة تجر الويلات على صاحبها، ولذلك نحن أمام نتاجين إما شخصية مقلده استسلمت لهذه القيود والأغلال أو شخصية متمردة تعيش حالة الغربة، كما عبر عنها إميل سيوران "الجهل وطن والوعي منفى".
جديد الموقع
- 2024-05-18 إيماءات الأطفال، وماذا تعني
- 2024-05-18 أفراح سادة آل سلمان "الكاظم "و العلي " تهانينا
- 2024-05-18 الشاعران بيلا والحرز في منتجع ماربيا
- 2024-05-18 قاسم العبدالسلام عريسا في الدانة البيضاء بالاحساء
- 2024-05-18 التمار والحسان تحتفل بزواج ابنيها " علي وحيدر "
- 2024-05-18 قطوف دانية من كلام الإمام الرضا (عليه السلام)
- 2024-05-18 مشهد الطروبة "في ذكرى مولد المولى أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام"
- 2024-05-17 (نادي ابن عساكر) يستضيف الباحث (المطلق) في فعالية (الآراء التاريخية الشاذة)
- 2024-05-17 أفراح الجزيري تهانينا
- 2024-05-17 الكتاب الذي ينسيك أنك تقرأ