2020/06/15 | 0 | 2340
هل يصنع الخطيب الحسيني شاعرا ؟
اليوم مع وفاة الملا محمد مسيري رحمه الله سأدع عليا النحوي الطفل يكتب مرثيته ، معترفا إني أحد الأطفال الذين وفقوا للجلوس تحت منبره ، وتسجيل مجالسه في أشرطة الكاسيت ، ومن ثم الاستماع للقصائد الفصيحة والشعبية التي يقرؤها ، ثم حفظها وترديدها بطريقته ، ومازلت لليوم أقرؤها مترنحا .
يا سادة ملا محمد مسيري لم يكن صوتاً عابراً أبداً ، ولا مجرد ناعٍ ، إنما كان مدرسة .
أقولها وكلي ثقة بذلك ، وبحاستي الموسيقية ، وذلك ما كنت أتداوله كثيرا بخاصة مع صديقي السيد محمد المكي ، الذي كان يقول : لا ألومك في حب مسيري !!
ثم نقرأ معا بعض تراتيله .
بعيدا عن حسن اختيار مسيري للقصائد الفخمة للسيد حيدر الحلي أو السيد جعفر الحلي أو السيد هاشم الكعبي أو ملا عطية أو بن فايز ، فإنه يمتلك حنجرة تغزو المتلقي في أقصى مشاعره .
أما بحّة صوته فكثيرا ما كانت تقتحم تلافيف عقلي وأمشاج قلبي لتفعل فعلاً عجائبياً غرائبياً بي ، وهنا لابد من الإشارة إلى ما في مأساة كربلاء من مدد للقارىء الحسيني الاستثنائي .
محمد مسيري لا يمكن العثور على سر أثره الطاغي على المتلقي سوى إنه ذو قدرة على مسرحة المشهد الشعري ، وتحويله لمشهد سينمائي ذي موسيقى وضوء ومؤثرات حسية ووجدانية .
اللحظة أعترف أن محمد مسيري بخاصة صنع مني شاعرا ، كما أعترف إني أحبه كثيراً ، ولا أشك أن جماهير كثيرة تشاطرني وتنافسني في حبه .
مسيري أيقونة يجب ألا تغادر ذاكرتنا ، بل يجب أن تكون محط دراسة ، وهنا أشير لملا طاهر البحراني رحمه الله الذي يستحق الاهتمام ذاته .
أعود لأيام الطفولة لأصور لكم يا سادة كيف كنت أحلق بكلي إلى منبره ، لأرصد شفاهه وملامحه وحركة يديه ، وحلوله في النص الشعري وكأنه سرب ملائكة تهبط من السماء .
صدقوني لم ينفك هذا الرجل من ذاكرتي قط رغم سيل التحولات الثقافية والفكرية التي مررت بها ، وكثيرا ما كنت أستمع لمقاطعه المسجلة ، وأدعو الأصدقاء للإصغاء إلى السر العجيب فيما ينهمر من سماواته .
من آنذاك نمت في أعماقي البذرة الأولى للشعر ، البذرة التي كونها ملا أحمد الطويل رحمه الله ، وتفتقت وترعرعت بفعل سحر مسيري .
ترى هل يستطيع فعل كل ذلك خطيب حسيني ؟!
نعم يستطيع ، وهنا أزعم أن المنبر الحسيني هو الصانع الأول لكل شاعر تربع لدى أعواده ، فكيف إذا كان القارىء للنص ملا مسيري أو ملا طاهر البحراني أوسيد عمران السادة !!
مسيري مؤسس رئيس لعلي النحوي الشاعر ، وكثيرا ما كنت أستعير منه ريشا لأجنحة طائري الشعري .
أدري إنني لن أستطيع وصف تأثير هذا الرجل بي ، لكن فقده ترك أثراً بالغاً بي ، وأدري أن هذا الأثر لن ينمحي أبداً ، وأعترف إني بكيته كثيراً وكأن هناك شرياناً يربطني به قد انقطع !!
بقي أن أذكر لكم إني كنت حينما أعود للبيت أقرأ لوالدتي السيدة رحمها الله ما علق في ذهني من أبيات وتكملها لي وأحيانا أكتبها منها ، ثم إنها في الليلة التالية تهيؤني للذهاب إلى مدرسته .
ماذا بعد ؟
إننا اليوم بحاجة ماسة لأمثال مسيري الذي أعتقد أنه يمتلك مصداقية عليا في التفاعل مع المأساة الحسينية خاصة ، كما إنه يمتلك قدرة فنية عالية ، وطاقة إبداعية من الصعب أن تتكرر ، لذا كان لفقده وقع على متذوق مثلي .
أخيرا لدي تساؤل يقول : هل يمكن أن نقدم ما أنجزه نموذج كمسيري وأمثاله كفن خاص بالمنطقة دون الشعور بأنه خصوصية لطائفة ما ، بل هو فن ضمن منظومة من الفنون الشعبية التي تمتد عبر طول مملكتنا الغالية وعرضها ؟!
أقول ذلك ما يجب أن يكون .
وأما على مستوى المنطقة فيجب أن تدرس طريقة هؤلاء وتكتب حولها المقالات من المتخصصين في المقامات والأداء المسرحي ، بخاصة لو عرفنا أن كتب الأدب تقرر إن أولى بذرات المسرح العربي كانت مشاهد فاجعة كربلاء الممسرحة .
مسيري أكبر وأكثر مما كتبت ، ولا أشك أن هناك في سيرته ما يؤكد كلامي ، وما يكشف عن جوانب أخرى ، أرجو أن يجليها القريبون منه .
جديد الموقع
- 2024-05-03 افراح الحدب والقطان في صالة الغانم بالاحساء
- 2024-05-03 نوستولوجيا الحنين للذكريات -قراءة لكتب الأستاذ عبدالله عبدالمحسن الجسم
- 2024-05-03 مشروع الشريك الأدبي وإدارة العمل الثقافي
- 2024-05-02 تزامناً مع اليوم العالمي للصحافة و باستضافة نادي كيو بارك .المعلق الرياضي جعفر الصليح .16 عام أمام المايك في 6 قنوات و المعلق العربي و الأجنبي اضافة لمتعة الكرة السعودية
- 2024-05-02 أفراح العايش والفرحان تهانينا
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية