2020/08/01 | 0 | 1537
مهما كتَبتَ لا تُعجَب
كتب القاضي الفاضل عبدالرحيم البيساني، رسالة إلى العماد الأصفهاني:
إني رأيتُ أنه ما كَتب أحدُهم في يومِه كتابا إلا قال في غدِه، لو غُيِّرَ هذا لكان أحسن، ولو زُيِّدَ ذاك لكان يُستَحسن، ولو قُدِّمَ هذا لكان أفضل، ولو تُرِكَ ذاك لكان أجمل، وهذا من أعظم العِبر، وهو دليلٌ على استيلاءِ النقصِ على جملةِ البشر.
الكثير من الكتّاب لم يصل لمرحلة القمة إلا بعد مشقة وتعب كبيرين، أخذت الكتابة منهم الكثير من أوقاتهم وأجسادهم، وحياتهم الخاصة، فلم يألوا جهدا ولا وسيلة حتى وإن كانت على حساب أرواحهم إلا وقاموا ببذل المستحيل، من أجل إنجاز ما بدأوه، سواء في كتابة كتاب أو رواية أو موسوعة أو مقالة وغيرها.
هذا الشعور أو ما يسميه البعض هوس الكتابة لا يتوفر عند الكل، بل فئة قليلة يكون عندها هذا الشبق في الكتابة، خصوصا عندما تتحول الكتابة عند الشخص إلى عنصر رئيسي في شخصيته وكيانه وتجري في دمه.
فلا ريب أن كل كاتب ذا محاولة أدبية يتعامل مع ما يكتبه من فكر وأدب تعاملا غير عادي، فيسعى إلى أن يكون رقيقا مع اللغة، يخرجها من العادية والابتذال إلى حالة من الرصانة والاتزان، لذلك ليس لأي أحد الوصاية على أيّة كتابة تخرج من أي كاتب أو مؤلف إلا الكاتب نفسه، أما رضا وتقييم الجمهور والمجتمع تجاه ما كتبه هذا المؤلف أو ذاك لا ينتهي، لذلك يقع الكثير من الكُتاب نتيجة عدم قبولهم النقد أو التقييم من قبل الآخرين، في حالة من العجب لما كتبوه، ما يؤدي إلى حالة من الغرور والانفراد في الرأي، حتى لو كان التقييم فيه من المصداقية لإيضاح الخلل فيما كتبه هذا المؤلف أو الكاتب.
هذه قناعة بعض الكُتاب، بأن الذين يجعلون أنفسهم أوصياء على الفكر أو الأدب والشعر، فهم ينطلقون من روح سلبية ونفسية حاملة للغيرة، ومن هنا فكل إشارة سلبية إلى أية كتابة فهي تقع في خانة اللاواقعية واللاموضوعية، لذلك نجد بعض مدارس النقد الحديثة تتجه نحو البحث عن الجمال في الأشياء دون التعرض إلى التقييم، بمعنى آخر، يمكننا القول إنّ عصر التقييم والوصاية قد انتهى وولّى من دون رجعة.
الناقد الوصي قد مات دون حياة أخرى تحت أيّة ذريعة، إذن ما هو واقعي وموضوعي هو البحث عن النموذج والمثال والمهارة وليس التقييم والوصاية، وحينما نتحدث عن الإبداع والمبدع فلا يعني ذلك وضع معايير للكتابة، بل يعني بالضبط بيان مستويات الكتابة وبيان الحالات النموذجية والمثالية، وحالات المهارة، سواء من جهة جودة الكتابة أو من جهة نوعيتها، بمعنى آخر أن من وظيفة النقد ليس تقييم المحتوى بل البحث عن المحتوى الماهر والمتقدم والمضيف والمؤثر.
لذلك نجد البعض من الكتاب يرجع مرة أخرى لقراءة كتاباته والنظر فيها بروح الناقد، من أجل تقييمها وإعادة صياغتها لسبب تغيّر بعض القناعات لديه، حيث وجدنا كُتابا لهم مؤلفات منذ زمن طويل، وعندما رجعوا إليها قاموا بإعادة كتابتها وصياغتها بأسلوب آخر ومحتوى يختلف عن سابقه.
كلمة القاضي عبدالرحمن البيساني الموجهة إلى العماد الأصفهاني «ولو زُيِّدَ ذاك لكان يُستَحسن، ولو قُدِّمَ هذا لكان أفضل، ولو تُرِكَ ذاك لكان أجمل، وهذا من أعظم العِبر» أكدت على أن كاتب الكتاب ورجوعه لمؤلفه بعد فترة من الزمن، والنظر لكتابه من زاوية الناقد، والسعي لتقييمه وإعادة كتابته من جديد، أمر مستحسن ومفضّل.
جديد الموقع
- 2024-04-27 صدور الكتاب الرابع عشر لـ عدنان أحمد الحاجي
- 2024-04-26 الوائلي.. في أوج العلم والثقافة والأخلاق
- 2024-04-26 القراءة خارج الدائرة
- 2024-04-26 الشيخ الصفار يدعو لمواجهة تحديات الحياة بالثقة والأمل والنشاط
- 2024-04-26 مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يكرم بر حي الملك فهد
- 2024-04-26 فرع مركز الملك عبدالعزيز بالشرقية للتواصل الحضاري يكرم مركز بر الفيصلية .
- 2024-04-25 اترك أثراً إيجابياً.
- 2024-04-25 مؤسسة رضا الوقفية تكرم الفائزين في مسابقتها التصوير الفوتوغرافي - النسخة الثانية
- 2024-04-25 «خيوط المعازيب».. والذاكرة المنسية
- 2024-04-25 ناشط قرائي