2022/04/07 | 0 | 2360
متى ستُهديني كتابَك؟!
صوت مكة
سؤال يُطلِقه كثيرٌ من القراء على كلّ كاتبٍ يُبشّر بولادة نتاجٍ جديدٍ له في عالم القراءة، كتابٍ تعسّرَ المخاضُ به حتى أبصر النور بإشراقةٍ تنتظر من يحتضنها برفقٍ ويُربّتُ على كتف صاحبها ليخفف عنه ثقل أيامٍ من عناء الكتابة، وليالٍ من المراجعة، وساعات تقارب ذلك وتلك من المفاوضات مع دور النشر للحصول على اتفافية تكلفةٍ هي في الأصل جبلٌ من الإرهاق خر منه الكاتب ليدخل في صراعٍ مع التنسيق النهائي والتصميم الداخلي للنص والخارجي للغلاف ورحلة الفسوحات والإيداع والطباعة والتغليف والشحن ليتنفس الصعداء أخيراً وهو يحتضن وليده بكفّيه، رحلةٌ شاقةٌ قد لا يعرفها مَن لم يخض غمارها ليأتي بابتسامة صفراء ويطلق سؤال الطلب المدمَج بقهقهة المثقف قائلا: "متى ستُهديني كتابَك؟!"، المؤلم في الأمر أن من يطلق مثل هذا السؤال قد يستكثر على ذلك الكتاب ريالاته المطبوعة عليه كسعرٍ للورق، أيضا هو ذاته الذي يتبجّح أمام أقرانه من المثقفين بجمال مكتبته وحجمها والكمّ غير المعدود من الكتب المختلفة الأشربة التي صنّفها وأظهرها بأجمل حلّة، بالإضافة لكونه ذات الشخص الذي يصرّح غالباً بدعم الكاتب المحلي ويشجع على ذلك في كل محفلٍ ومشهد؛ مُدّعياً لنفسه وصايةً من نوع غريبٍ على كل نتاج محلي أو مناطقي يعيش بالقرب منه، وينسب مبدعَه إليه، فوصْفُ "كاتبِنا، الكاتب الكذائي من تلك المحلة" والذي يربطه بنفسه جدير بالدعم المعنوي الكبير من قِبل مثقفي ذات المنطقة –هكذا يقول-، لكنه يتناسى - عمداً ربما- أن ذلك الكاتب بحاجة للدعم المادي أيضاً من خلال شراء كتابه، الدعم الذي قد يعود ولو بجزءٍ يسيرٍ على الأخير كتعويضٍ عن سهر الليالي في الكتابة الجادة وألم الصداع المستمر بسبب صراع مراحل تنسيق العمل؛ قبل إخضاعه للعملية القيصرية التي يدفع ثمنها مبلغاً باهضاً كي يُستَخرَجَ ذلك الوليد من رحم المسودات ويودَعَ لحضانة الكتب..
إن الكاتب المحلي يعيش أزمةً كبيرةً واقعا، فهو كالواقف بين مطرقة دور النشر وسندان القراء الذين يطالبونه بالنسخ المهداة غالباً متجاهلين كما تتجاهل دور النشر معاناته في الكتابة ورغبته الجادة في إيصال كلمته إلى المجتمع القريب أولاً والعالم القارئ بلغته في المقام التالي، تؤلمه كثيراً تلك الحجج التي يتلقاها من الجميع، فدور النشر تشكو من غلاء أسعار التصميم والطباعة ذات الجودة العالية، كما تشكو من تأخير معاملات وزارات الإعلام لفسوحات الكتب والرسوم التي تدفعها قبل وأثناء وبعد طباعة أي نتاجٍ يحتاج لتخزينٍ وشحنٍ وتوزيعٍ على أرفف المكتبات الكبيرة التي تستغل ذلك بالحصول على نسبٍ عاليةٍ بعد البيع، أيضا تشكو من التزاماتها للمشاركة في معارض الكتاب المكلفة التي تفرض عليها إيجاراتٍ عالية وتطالبها بتقديم خصومات كبيرةٍ على كتبها لتكون فرصة المشاركة متاحةً أمامها، هذا مع التزامها بدفع مستحقات موظفيها وإيجارات مستودعاتها ومكاتبها، الأمر الذي يشترك فيه معها كثير من المتاجر الالكترونية التي تطلب نسباً عالية أيضاً معللةً رفع أسعارها بالتزامها برسوم البيع الالكتروني والأوراق الرسمية المرتبطة غالباً بالضرائب ووزارات التجارة كثيرة المتطلبات المدفوعة، إضافةً لتكاليف الإعلان والتغليف للسلع المباعة، وبعد كل التعقيدات المذكورة يجد الكاتب امتعاض القارئ من ارتفاع سعر نسخة الكتاب المرتبط غالباً بضريبة قيمة مضافة ورسوم شحن إن كان معروضاً في متجر الكتروني يقدم القائمون عليه جملةً من باقات الشحن المخفضة مقارنةً بالشحن الشخصي، فلو حارب الكاتب لتخفيض سعر كتابه ليكون في متناول الجميع فسيجد من يستفهم باستنكار حول اقتراب سعر الكتاب من قيمة الشحن وأن ذلك أمرُ مبالَغ به مقابل الحصول على نسخة من الكتاب، الأمر الذي يختصره القارئ المثقف بطلبه نسخةً مجانيةً من الكتاب غير مبالٍ بكل ما ذُكر أعلاه.
قد يظن كثيرٌ من القراء أن الكاتب يحتسي قهوته الصباحية في شارع الشانزلزيه أو في أحد متاحف ليون بفرنسا بعد أن جمع ثروةً طائلةً من بيع الكتب، كما يظن آخرون أن دور النشر تلهثُ خلف الكاتب لتحصل منه على نسخةٍ من عمله لتقوم مسرعةً بطباعتها بفتات الأموال وعرضها للتكسب منها وجني الآلاف المؤلفة من ورائها، لكن الواقع عكس ذلك تماماً، فالكاتب قد يدفع فوق مبلغ الطباعة أموالاً يعتبرها معدمةً بين سفرٍ باهض التكاليف لحضور معارض الكتاب في أيام مواسمها الأعلى كلفةً من ناحية المسكن والمأكل وتذاكر السفر، وهدايا يقدمها لقرائه الذين يود اللقاء بهم ليقتنوا عمله، وبين إعلاناتٍ مدفوعةٍ فقط ليُشعِر مَن حوله بوجود نتاجه الفكري على طاولة القراءة، المضحك المبكي وبعد كل المعاناة التي يمر بها الكاتب وعلمه اليقيني بأنه يفتقد للدعم من جميع الأطياف وبالخصوص أقرب المقربين منه كالعائلة والأصدقاء؛ هو امتثاله مرغماً لتلبية طلبات الإهداء آملاً أن ينتشر نتاجاته الإبداعي ويقوم الناس بقراءته، لكن وكحال كثيرٍ من أقرانه يصطدم بواقعٍ طالما اشتكى منه الجميع وهو حصول القارئ على الكتاب وإيداعه إياه رفّ مكتبته التي يتباهى بها لتضخيم حجمها فقط دون أن يُقرأ ما عليها، الموسى التي يبتلعها الكاتب دون أن ينبس ببنت شفة كي يحفظ ما بقي من كرامة قلمه المُهمَل على رفّ المكتبة الشخصية لفلان المثقف وفلان الجامع للكتب، أولئك الذين يخجل الكاتب غالباً وربما يخشى أن يسألهم عن قراءتهم لنتاجه المقدّم لهم "مجاناً" كي لا يتم استهجانه بعبارات التوبيخ والاتهام بالتطفل على وقتهم الثمين الذي يصرفونه في قراءة أمهات الكتب من الكلاسيكيات والعلوم الفلسفية الكبيرة.
"متى ستُهديني كتابَك؟!" سؤال سيظل يُطلَق مرةً بعد مرة – حسب ظني - ولن ينتهي لكن كلي أمل بوجود من سيشعر بالمسؤولية وتحسس الألم ولو قليلاً في يومٍ من الأيام..
جديد الموقع
- 2024-04-24 أمسية حوارية للقاص والروائي طاهر الزارعي وتوقيع مجموعته القصصية الرابعة
- 2024-04-23 كل ما تملكه ليس لك
- 2024-04-23 الملتقى الثاني للتعريف بالماعز القزم بالمطيرفي
- 2024-04-22 بعد أن تتعرض للإهانة، اكتب مشاعرك على قصاصة ورق ثم تخلص منها وهذا من شأنه أن يحد من مستوى شعورك بالغضب
- 2024-04-22 مراعاة الزمن مع الأسئلة في اختبارات أعمال السنة
- 2024-04-22 نظرية أثر الفراشة في 80 لوحة تشكيلية
- 2024-04-22 احتفالية توقيع كتاب تنتهي بتوصية استثمار جبال الأحساء
- 2024-04-22 المريحل تحتفي بعقد قران نجليها ( حسين وحسن )
- 2024-04-22 رشفة من الإبداع ونور الحياة في النورس الثقافي بالاحساء
- 2024-04-22 أمير المنطقة الشرقية يزف 7784 خريج وخريجة من جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل من الدفعة الخامسة والأربعون