"يفضل واحد من كل ثلاثة أشخاص تنظيف الحمام تنظيفًا تامًا [قضية ثانوية] على مراجعة ومراقبة أرصدته المالية في حساباته البنكية،" حسب كويان AJ Coyne، كبير مسؤولي التسويق في بنك Monzo الإنترنتي. ورغم أن هذا قد يبدو شيئًا فيه مبالغة، إلَّا أنه يعكس حقيقة عميقة بشأن علاقتنا بالمعلومات المالية: فالكثير منا يتجنب مراجعة أو مراقبة أرصدته (البنكية) بسبب خشيته من مواجهة الأخبار السيئة [المتمثلة بانخفاض رصيده المالي].
هذه السمة شائعة جدًا لدرجة أن خبراء الاقتصاد السلوكي أطلقوا عليها: "تأثير النعامة" [في الاقتصاد السلوكي، تأثير النعامة هو محاولة يتجنب فيها المستثمرون معرفة معلومات سلبية عن حساباتهم المالية (1)]. وكما هو الحال مع أسطورة النعام التي تدفن رؤوسها في الرمل، فإننا غالباً ما نفضل عدم اليقين [العيش في الغموض - ألَّا ندري] على مواجهة المعلومات السلبية المحتملة لأرصدتنا المالية.
الأبحاث التي تناولت بالدراسة ملايين عمليات تسجيل الدخول على الحسابات المصرفية كشفت عن أنماط واضحة في كيف يتفاعل عملاء البنوك مع معلوماتهم المالية. وجدت دراسة أجريت عام 2009 أن العملاء يتجنبون بشكل ممنهج مراجعة أو مراقبة معلوماتهم المالية حين يظنون أن هناك أخبارًا سيئة (2)).
لهذا التجنب تبعات حقيقية على إدارة الناس أموالهم. في بحثنا الجاري، وجدنا قرينة واضحة على أن الذين لا يراجعون حساباتهم بانتظام يظهرون أنماط إنفاق متذبذبة جدًا، خاصة في يوم استلام الرواتب. بعد أن يستلم الموظفون رواتبهم، فإن أولئك الذين لا يراجعون حساباتهم المصرفية بشكل منتظم قد ينفقون بإفراط على مشتريات غير ضرورية مقارنة بمن يراجعون ويراقبون حساباتهم المصرفية بشكل منتظم.
فلماذا لا نراجع حساباتنا المصرفية بشكل أكثر انتظامًا؟ هناك ثلاث آليات نفسية تدفع بسلوك: "تأثير النعامة."
أولاً، هناك ما يُعرف باسم "تأثير الصدمة."معرفة يقينية بمشكلة مالية تبدو أسوأ من معلومات مشكوك فيها. عندما لا نراجع رصيد حساباتنا، يبقى لدينا بعض الأمل في أن الأمور ليست سيئة كما كنا نخشى.
ثانياً، معرفتنا بانخفاض رصيد حسابنا من شأنه أن يحدنا على إعادة ضبط معايير إنفاقنا (3) وربما يدعونا إلى وضع ميزانية لو لم يكن لدينا ميزانية بالفعل. قد يكون هذا التكيف النفسي [تغيير السلوك لإيجاد علاقة أكثر توازنًا وتوافقًا مع مقتضيات الحياة (4)] صعبًا بشكل خاص في أوقات الإنفاق المرتفع، مثل التكيف الذي يمارس بعد العطلات أو الأحداث والفعاليات الكبرى، حيث يكون حينها. كما هي العادة، افراط في الانفاق].
وأخيرًا، تختلف حساسيتنا تجاه المعلومات المالية بناءً على وضعنا الحالي. عندما نشعر بالأمن المالي [الأمن المالي هو القدرة على تحمل النفقات، والعيش بشكل مريح بالدخل المالي الحالي والادخار للمستقبل (5)]، نكون أكثر استعدادًا من الناحية الانفعالية لامكانية التعامل مع الأخبار السيئة.
الخدمات المصرفية الرقمية – هل هي مجدية أم معيقة؟
تطبيقات الخدمات المصرفية المحملة على الهواتف المحمولة جعلت مراجعة حسابتنا المصرفية وأرصدتنا المالية أسهل من أي وقت مضى - وتثبت الدراسات أن إمكانية الدخول ومراجعة الحسابات البنكية جلبت فوائد ومنافع حقيقية. وفي دراستنا التي لا زالت جارية للسلوك المصرفي (6)، وجدنا أن المراقبة المنتظمة للحسابات المصرفية من خلال تطبيقات التلفونات تساعد الناس ضبط الإنفاق وجعله أكثر اتساقًا [قليل أو عديم التذبذب]. وينطبق هذا بشكل خاص على يوم استلام الراتب، عندما تكون القرارات بالإنفاق أكثر أهمية.
قمنا بدراسة ما يسمى بـ "تأثير يوم الراتب" - ميل الناس إلى الإفراط في الإنفاق على المشتريات غير الضرورية بعد استلام الرواتب مباشرة. وكانت النتائج مذهلة: فالذين يقومون بمراجعة حساباتهم المصرفية بانتظام يظهرون تباينًا أقل بنسبة 60-70٪ في إنفاقهم على المشتريات غير الضرورية مقارنة بأولئك الذين يراجعون حساباتهم المصرفية بشكل غير منتظم. ويصبح هذا التأثير ملحوظًا بشكل خاص في مصاريف مثل مصاريف تناول الطعام في المطاعم والتسوق، حيث قد يصبح الشراء الإندفاعي (7) سلوكًا شائعًا.
يبدو أن المراقبة المنتظمة للحساب المصرفي هي أداة فعالة لتجنب الفخ الشائع المتمثل في الإنفاق المفرط بعد يوم استلام الراتب. بالاستمرار في معرفة أرصدتهم المصرفية، يحرص هؤلاء الذين يراجعون حساباتهم بانتظام على اتباع سلوكيات إنفاق (مصاريف) متحكمًا فيها بشكل معتبر طوال الشهر [بمعنى خالية إلى حد كبير من تذبذب معتبر في الإنفاق].
كيف يمكنك كسر دائرة تجنب مراجعة الرصيد التي اعتدت عليها؟ هناك العديد من الاستراتيجيات الفعالة للتغلب على هذا التوجه.
أولاً، حدد أوقاتًا معينة لمراجعة رصيدك المالي، مثل أمسيات عطلة نهاية الأسبوع أو اليوم التالي ليوم الراتب. يمكن أن تنفع في الإجراءات الروتينية في منع الإفراط المفاجئ في الإنفاق.
ينبغي استخدام مميزات التطبيقات المصرفية المحملة على التلفونات الذكية بشكل انتقائي. بالرغم من أن إشعارات الرسائل المستمرة التي ترسل إلى التلفون قد تزيد من القلق، فإن المراجعة المنتظمة للرصيد يساعد على ضبط نمط الإنفاق وجعله أكثر اتساقًا [أي غير متذبذب إلى حد ما].
ركز على الاتجاهات (الترندات) لا الأرقام البحتة. فالذين يراجعون أنماط (اتجاهات) الإنفاق بدلاً من مراجعتهم لأرصدتهم المصرفية فقط قد يتخذون قرارات أفضل في الأمد الطويل.
وأخيرًا، خذ في الاعتبار استخدام تطبيقات التجميع المصرفي (8)، التي تشير إلى تجميع الشخص لجميع حساباته المصرفية لتمنحه فرصة لرؤية أوسع ومراقبة أفضل لنفقاته، بدلاً من مجرد الاحتفاظ بكل رصيد منها على حدة.
الشيء الأكثر أهمية الذي يجب أن نتذكره هو أن تجنب مراجعة أو مراقبة الحساب المالي هو ردة فعل نفسية (سيكولوجية) طبيعية - ولكن علينا إدارتها بفعالية. كما لا ينبغي لنا أن نتجاهل ونهمل أعراض الأمراض البدنية على أمل أن تختفي لوحدها، فمن المهم أيضًا ألا نتجاهل ونهمل صحتنا المالية.
البينة واضحة لا غبار عليها. مراجعة حساباتنا المصرفية بانتظام، بالرغم من الانزعاج النفسي الذي قد تسببه، تساعدنا على اتخاذ قرارات مالية أفضل. تثبت دراستنا أن مجرد التعود على مراقبة مواردنا المالية يمكن أن يؤدي إلى أنماط إنفاق متحكمًا فيها بشكل أكثر ومخرجات مالية أفضل. من المؤكد أن مراجعة رصيدنا المصرفي يستحق منا أن نعطيه الأولوية ونهتم به أكثر من اهتمامنا بقضايا ثانوية.