2021/01/15 | 0 | 4305
لزهراء (ع) حوراء إنسية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[ طه: 25 - 28] .
من وصية خديجة بنت خويلد زوج الرسول (ص) لرسول الله (ص) أنها قالت له: أوصيك بهذه ـ وكانت تشير إلى فاطمة ـ فإنها غريبة من بعدي، فلا يؤذيها أحد من نساء قريش، ولا يلطمن خدها، ولا يصحن في وجهها. صلوات الله على الزهراء، وعلى أبيها وبعلها وبنيها، وعظم الله أجورنا وأجوركم بهذا المصاب الجلل، ألا وهو شهادة السيدة الزهراء (ع) التي تصادف ـ حسب الرواية الثالثة ـ في الثالث من جمادى الثانية، وهذه هي الرواية الثالثة والأخيرة. فشهادة السيدة الزهراء (ع) فيها ثلاث روايات ـ كما تقدم ـ ولكل رواية العديد من المصادر. فالرواية الأولى تقول بشهادتها في الثامن من ربيع الثاني ، أي بعد أربعين ليلة من رحيل رسول الله (ص). وهناك ما لا يقل عن خمس وأربعين مصدراً تذكر هذه الرواية. والرواية الثانية: هي رواية الخمسة والسبعين يوماً، ولها مئة وثمانية من المصادر المعتبرة. وهي المشهورة والثالثة رواية : التسعين يوماً، وهناك ما لا يقل عن واحد وسبعين مصدراً لها.
أيها الإخوة المؤمنون : إن هذا الزخم الكبير من المصادر، التي تذكر الروايات في شهادتها، يشير إلى أمر مهم، وهو عدم تحديد ذكرى واحدة لشهادتها. وقد سعى العلامة الفقيه الكبير ابن طاوس، أن يرجّح واحدة من تلك الروايات، وهي رواية التسعين يوماً، التي سميت باسمه، فقيل : رواية ابن طاوس. إلا أنه رأى جدته الزهراء (ع) في المنام، فطلبت منه عدم السعي لتحديد ذكرى واحدة لمناسبة استشهادها، وعدم الوقوف على رواية واحدة، بل إحياء المناسبة وفقاً للروايات الثلاث. فلما أفاق من نومه أعرض عن البحث والتحقيق والتدقيق. فمع أنه كان يرجح رواية التسعين، إلا أنه كان يحيي المناسبة وفقاً للروايات الثلاث، وقد أعرض عن تحديد واحدة منها.
ورواية التسعين، التي رجحها ابن طاوس، هي عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: «وقبضت في جمادى الآخرة، يوم الثلاثاء، لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة، وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى عمر، لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً...». [دلائل الإمامة، الطبري الشيعي: 134].
فحادثة الهجوم على بيتها معروفة، إذ هجم القوم على بيتها، وأخذوا علياً إلى المسجد كي يبايع. وهذا ما دعا فاطمة (ع) إلى الخروج للمطالبة بعلي (ع) لأنه الإمام، والتكليف الشرعي يدعو للخروج بتلك الحالة، فقد كانت تعاني من ألم الإسقاط، وألم الضرب والعصر وغيره. لكن ذلك كله لم يمنعها من الخروج للمطالبة بإمام زمانها، وأبت أن ترجع مع تعرضها للضرب، وهي ابنة ثمانية عشر ربيعاً.
ويتكرر هذا الموقف من فاطمة بنت حزام، أم البنين، لما رجعت السبايا إلى المدينة، إذ خرجت تسأل عن إمام زمانها، الحسين بن علي (ع).
في هذه الجمعة نتحدث عن فضلها على لسان زوجات النبي (ص) وبعض الصحابة. فماذا قالت زوجات النبي (ص) عن هذه المرأة الطاهرة؟ وماذا قال الصحابة؟
تروي بعض زوجات النبي (ص) أن النبي (ص) كان إذا رأى فاطمة داخلة عليه في بيت إحدى زوجاته، قام إليها من مقامها، وأجلسها في مكانه، وقبّلها بين عينيها. وكان يفعل ذلك كلما دخلت عليه فاطمة.
وهناك أقوال سمعتها زوجات النبي (ص) منه بحق فاطمة (ع) وروتها عنه. ومنها ما شهدت به بعضهن. ففي مستدرك الحاكم النيسابوري: عن عائشة أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً منها إلا أن يكون الذي ولدها. ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه [المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري3: 161].
وقالت أيضاً: أسلك في سم الخياط في الليلة المظلمة من نور وجه فاطمة. [نفحات الأزهار، السيد الميلاني5: 292.] .
وتقول حفصة عندما زُفّت فاطمة إلى علي:
فاطمة خير نساء البشر ومن لها وجه كوجه القمر
فضّلك الله على كل الورى بفضل من خُصّ بآي الزمر
زوّجك الله فتىً فاضلاً أعني علياً خير من في الحضر
وكانت زوجات النبي (ص) يعلمن أن زواج علي من فاطمة كان من السماء، وأن الكثير من الصحابة جاؤوا لخطبتها، فقال لهم النبي (ص): أمرها في السماء، ومن السماء.
وعن أم سلمة أنها قالت: تزوجني رسول الله، وفوض أمر ابنته إليّ، فكنتُ أدُلُّها وأؤدبها، وكانت ـ والله ـ آدبَ مني، وأعرف بالأشياء كلها.[دلائل الإمامة، الطبري (الشيعي): 82].
إنها الحوراء الإنسية التي تربت في حجر رسول الله (ص) وهي العالمة الصادقة، فلا أدري كيف يطلب منها أصحابه البينة في قضية فدك؟ ومن يشهد لفاطمة وهي الصادقة المصدقة؟ ومع ذلك جاءت بالشهود، فردوهم ولم يقبلوا منهم!.
ومن هنا لا نجد فرداً على وجه البسيطة لاقى ما لاقت فاطمة (ع) التي فقدت أباها رسول الله (ص) وكان هذا أعظم المصائب، ثم اغتُصب حقها وضربت، وجرى ما جرى عليها.
لقد كان لأم سلمة موقف شريف لما سمعت كلامهم بخصوص ردّهم الشهود على فاطمة (ع)، حيث أطلعت رأسها من بابها وقالت: ألمثل فاطمة بنت رسول الله يقال هذا، وهي الحوراء بين الإنس، والأنس للنفس، ربيت في حجور الأنبياء، وتداولتها أيدي الملائكة، ونمت في حجور الطاهرات، ونشأت خير منشأ، وربيت خير مربى؟! أتزعمون أن رسول الله حرم عليها ميراثه ولم يعلمها؟! وقد قال الله له: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيْرَتَكَ الأَقْرَبِيْنَ﴾. [ الشعراء: 26]، أفأنذرها وجاءت تطلبه وهي خيرة النسوان، وأم سادة الشبان، وعديلة مريم ابنة عمران، وحليلة ليث الأقران، تمّت بأبيها رسالات ربه؛ فو الله لقد كان يشفق عليها من الحر والقُرّ، فيوسدها يمينه، ويلحفها بشماله. رويداً فرسول الله بمرأى لغيكم، وعلى الله تردون، فواها لكم وسوف تعلمون.[ دلائل الإمامة، الطبري (الشيعي): 124] .
ومما ورد في فضلها عن الصحابة ما جاء عن أبي ثعلبة الخشني قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذا قدم من سفر بدأ في المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم بدأ ببيت فاطمة، ثم أتى بيوت نسائه. [ المعجم الكبير، الطبراني22: 226.] .
وعن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا خرج في غزاة كان
آخر عهده بفاطمة، وإذا قدم من غزاة كان أول عهده بفاطمة رضوان الله عليها.[ صحيح ابن حبان2: 470] .
وفي الختام أذكر هذه الرواية عن أبي ذر في قوله تعالى: ﴿مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلتَقِيَانِ﴾. [الرحمن: 19]، قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وفاطمة (ع)، ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانِ﴾. [الرحمن: 22]، الحسن والحسين. فمن رأى مثل هؤلاء الأربعة لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يُبغضهم إلا كافر؟ فكونوا مؤمنين بحب أهل البيت، ولا تكونوا كفاراً ببغض أهل البيت، فتلقوا في النار.[تفسير فرات الكوفي: 461] .
هذا ما أحببنا أن نتحدث عنه في هذه الجمعة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين