2020/01/26 | 0 | 5284
لا تثقوا بامرأة رواية الكاتب والإعلامي والشاعر السعودي: محمد الفوز- 2013م
في هذه الرواية يضعنا الكاتب أمام شخصية امرأة تدعي السيدة: نوف. وهي زوجة لرجل يلقب ب(كحيلان) يدعى قصي.... جنون العظمة والمال والثروة، أدى به إلى السجن، على أثر قضايا اختلاس ورشاوى وتوظيف أموال الفقراء والمساكين في مشاريع وهمية، فأصبح مشبوهاً، ونكرة، ولم تتقبله السيدة، ولم تعقد حياتها بحياته المجهولة المصير، بل طلبت الطلاق منه، لتتولى شؤونها وشؤون بناتها الثلاث: حور، ماريا، سوسن.
سيدة نوف، أبوها طلال بامجد، من أصل حضرمي، كان تاجراً كبيراً فى المقاولات والعقار، شيخاً غنياً بماله وأخلاقه، حريصاً، بخيلاً، على الناس، كريماً على عائلته ووفياً لهم، لمكابدتهم معه، وتحملهم أسفاره.. وهذا ماجعلها امرأة ارستقراطية، وسيدة أعمال كبيرة، لا تهجس بالفقر والجهل والعوز، تدير شئونها بنفسها، بل هي ناشطة اجتماعية، مسؤولة عن جمعية خيرية، وترقب المجتمع بعين واعية، مثقفة، ذات كاريزما جذابة، جادة، ومربية فاضلة، منفتحة بذكاء، وكريمة وسخية، وحساسة، تتقبل القبح والحسن في آن..
لا تهجس بالفقر والجهل والعوز، لأنه لا يسيطر عليها وعلى أسرتها، بل تهجس به وتشهق حد انتهاء روحها ويفقدها سكينتها، لأنه يعشعش في مجتمعها ووطنها وينخر فيه.
تحدث الروائي من خلال شخصية نوف عن المرأة الفذة القادرة على كل شيء أمام الرهانات الاجتماعية، وتكابد وتصارع وتصل إلى مناصب مرموقة وتتحقق مكانة راقية، بوعي وتمرد، وفي مقابلها المرأة المحطمة المخذولة الخانعة للرجل الذي يتحكم في مصيرها وما تملك وفق التقاليد والأعراف المتخلفة والسلطة الدينية التي تعيش على قشور الدين وتحرف الآيات الكريمة للاستيلاء عليها.
إلى مزيد من حياة السيدة الشخصية، أخذنا الروائي إلى الحديث عن المخططات الوهمية، وعن المدينة الحديثة (هوليوود الشرق) التي توحي بالذهول وغاية الحلم وتخطو إلى المجهول والمستقبل الغامض، ولم تتحقق. كما تحدث عن غيرها من المشاريع والمخططات الخيالية التي أشغلوا بها المواطن البسيط ووعدوه برفاهيتها الكاذبة. بحيث حفر بعض رجال الأعمال والتجار حفرة لأولئك المساكين والغلابة فوقعوا فيها.
كما حدثنا عن المكان(الخبر) المدينة العروس التي تقع على ضفة الخليج العربي، وعن زمن تأسيسها، وكيف تأسست، وتطورت، وعن تفجر البترول فيها، وكيف أصبحت مدينة ذات ناطحات السحاب، حالمة رومانسية؟، وعن أحيائها المختلفة، بخاصة حي الثقبة، وعن جغرافية الخبر، والمخططات التي انشأت على ضفاف بحرها الذي تم ردمه، فوئدت منه الأشجار وهاجرت النوارس ومات وابتعد السمك والربيان.. وغيرها من الحياة البحرية، فبات البحر أسوداً ملوثاً موبوءاً. كما سرد حالة السياح فيها، والتجار، والمهاجرين العرب إليها، بمختلف جنسياتهم.. وأن السيدة نوف ترفل ذاكرتها بهذه المعلومات، وتسرد تفاصيلها سرداً دقيقًا وافياً، وتتداعى بالأمثلة والعبر ، ومن لديه استفسار فإنها تجيبه بثقة ولذة. وانتشاء.
كما مر الروائي بنا سردياً على (الهاف مون) شاطئ القمر، وتحدث عن منشأ تسميته، وعن رماله، وطقسه، وبم يمتاز من ألق وراحة، الشاطىء الذي اتخذت منه سيدة نوف وبناتها ملاذاً للاستجمام وراحة ورمي الثقل الذي يتراكم على القلب والروح طوال الأسبوع المليء بالعمل والدراسة والحياة الإجتماعية.
وحدثنا عن العادات والتقاليد الشعبية المتوارثة التي يقوم بها الأغنياء، كبرسيج، واجهة اجتماعية، والسيدة نوف حيث تجتمع يوم السبت صباحاً في المنزل بالأسرة جميعها، والصديقات، ليفضفضن عما يدور بخلدهن بشيء من المرح والبهجة والمزاح والسخرية وتبادل الطرائف والنكات، لتقوية العلاقة، ولتخيف وطأة العمل، لتختفي بقية الأسبوع لشؤونها وشؤون بناتها وشؤون المجتمع، بحيث لا تنسى السيدة أن تحضر مرتدية فستانها الملكي المصميم من اللبناني جورج شقرا، وكأنها تحضر في صالة زفاف، لتميط عن وجهها لثام الجمال وتشرق بابتسامة ساحرة وانوثة خيلائية فاتنة، فتتلق المديح والثناء.
كما تحدث الروائي على لسان السيدة، عن الجمعيات الخيرية ومن يتولاها، وعن الفساد المالي فيها، وكيف تقوم، وتسير، وتنفق الأموال الطائلة التي تتلقاها، وعن الأيدي الدينية التي تتدخل فيها، وتقودها إلى وجهة لا يمكن أن يستفيد منها المواطن والوطن، كما أستغلها أناس أصبحوا من ريعها في غنى فاحش، بل صارت وكراً لدعم الإرهاب داخل البلاد وخارجها. وتقود السيدة حملة (خلوها تقفل)، وتقترح مشاريع أكثر جدوى جديرة بإخراج المواطن المسكين من وضعه المأساوي، تقوم بهذا رغم عدم قبول المجتمع الارستقراطي بل ومواجهته لها.
وحدثنا عن السائق الأجنبي الذي يستغل الفرص في تحقق مآربه المختلفة ومصالحه ولو كانت بطرق عبثية دنيئة، وقحة، وفي مقابله حملة التمرد النسوية لقيادة السيارة للقضاء على هذا السائق الآسيوي الذي لن يرضى بأقل من ممارسة الفاحشة أو الإيقاع بضحاياه في فخه.
سيدة جبارة تفكر بمصير المجتمع، ولديها حس اجتماعي كبير ومميز وواعي، ولكن كعادة المجتمع الذي لا يخلو من الأفراد الذين يفتكون بمدخراته فهو لايخلو من أفراد هم أشبه بالأفاعي وهي في جحورها تفتك بأفراد آخرين، معوزين، من جنسها وتستغل الفرصة في تحقيق مآربها الرخيصة وترديها في حالة مأساوية، ووالسيدة تكافحهم.
وأخيرًا، طليقها كحيلان، يخرج من السجن ويتزوج من صديقتها الخاصة أم فهد، وكذلك من مرببتها ماجدولين صاحبة أسرارها.. أما بناتها، فمارية أصبحت أخصائية اجتماعية، وسوسن أجرت عملية تغيير جنس وأصبحت (boy) بوي، باسم ساري. أما حور فانظمت إلى الإبتعاث في أمريكا وانفتحت على أبواب شيطانية وتزوجت من رجل وأخذت من رجل آخر صديقاً محبباً. أما السيدة نوف فتنازلت عن مكانتها الاجتماعية، ولم تعد تكترث بالفقراء والمساكين، ولا بمنزلها، وتوجهت إلى أن تكون سيدة مال ووهج إعلامي فقط، وبهذ يؤكد الروائي بأن ( لا تثقوا بامراة) .
رواية تزخر بالكثير، لايسعنا المجال أن نتحدث أكثر لنترك القارئ يتورط في ذلك الجمال ويكتسي به..
بقي أن نقول بأن الرواية ذات سرد غير تعاقبي للأحداث التي بنيت عليها، فقد جاءت على شكل (برودكاست) وقصاصات من حياة المروي عنها، تشكل كل واحدة منها وحدة مستقلة غنية بتلك الشحنات الشعورية الواعية الدافئة والثقافية المتنوعة المتدفقة بخيرها وشرها، وهذا ماجعله بختصر الكثير من حياة السيدة، في مقابل الزمن الطويل.
السرد هنا جاء بضمير المتكلم عنه، وينتمي إلى الأدب النقدي للمجتمع وأفراده وما ينتج عنهم... سرد رائع مدهش، وأخاذ شائق، رغم أن المعلومات الكثيرة التي اتخذت مسار الإحصائيات والنسب والتعريفات، فضلاً عن الخواطر ووصف الشخوص والأمكنة والأحاسيس الوجدانية التي أسهب في عرضها، وحشر صور (الكاريكاتير)، أثقلت السرد جداً، وجعلت منه يسير في نطاق ضيق، ويقصر عن الإجابة عن بعض التساؤلات، بل جعلت منه يختصر النهاية في بروغراف قصير جداً.
لغة الرواية متنوعة متعددة الطرق الفنية التي أعتقد بأن الروائي أوجدها لضرورة تنويع اللغة والتلاعب بها، لإنتاج عمل روائي مقروء، ممتع، مريح، مضحك، وساخر، ونركز على الأخيرتين إذ أن سرد الأحداث جاء بنحو يجلب الضحكة والسخرية في آن.
شخوص الرواية متحولون، ليسوا ثابتين أبداً على حال واحدة، استغلاليين، انتهازيين، غير واثقين من بعضهم البعض، منافقون، كذابون، منهم الشهواني، والمكابر، والمتردي، والمسكين، والفقير. وهذا التحول دلالة على أن النفوس والقيم ليست ثابتة، وهي خاضعة للتأثر بالمحيط والوسط الراهن والمعاش.
الموضوع بالنسبة لي، جديد، وهو الحديث عن مدينة الخبر السعودية، وتاريخها، وجغرافيتها، وما يجري على ومن مجتمعها.
وكذلك الفكرة جديدة، وهي محاولة كشف الخبايا والمستور الذي أدى بمدينة الخبر ومن ثم الوطن والمواطن، بل وتعزيز فكرة أن لا تثقوا بامرأة، من خلال وضع المرأة على المحك وفضح نواياها ومشروعاتها وفي علاقاتها الاجتماعية.
هذا والله الموفق
جديد الموقع
- 2024-12-04 ذاكرة التفاصيل لا يكتمل بلوغها إلا في سن المراهقة عند الأطفال
- 2024-12-04 حياتنا
- 2024-12-04 *جهود مميزة لمؤسسة رعاية الفتيات بالأحساء في تطوير الفتيات الأحداث*
- 2024-12-04 أمير الشرقية يكرم داعمي جمعية "إيثار"
- 2024-12-04 يضاف للكليه التقنيه الرقميه للبنات بالأحساء
- 2024-12-04 سمو محافظ الأحساء يتوج فريق شرطة المحافظة بطلاً لبطولة القطاعات الحكومية تحت شعار وطن بلا مخدرات
- 2024-12-04 النيابة العامة: إيقاف مواطن بتهمة الاحتيال المالي والاستيلاء على أموال بلغت قيمتها (69) مليون ريال وعدد من العقارات
- 2024-12-03 عوامل احتمال الإصابة بالسكتة الدماغية الحادة
- 2024-12-03 اتحاد الغرف الخليجية يشيد بالمخرجات الاقتصادية لقمة الكويت ويعلن دعمه للتعاون المشترك
- 2024-12-03 برعاية سمو أمير المنطقة الشرقية سمو محافظ الأحساء يفتتح المؤتمر الدولي الثاني للجمعية الطبية البيطرية بجامعة الملك فيصل بالاحساء