2021/01/29 | 0 | 4288
لأخلاق الإسلامية ( القسم الأول )
كمة ليلة السبت ٨ جمادى الآخرة ١٤٤٢ ه- مسجد الشيخ الأوحد "قدس سره"
تم الحديث ليلة السبت في مسجد الشيخ الاوحد بين الفرضين كما جرت العادة على ذلك الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾.[ طه: 25 ـ 28].
قال تعالى في محكم كتابه الكريم، مخاطباً نبيه العظيم (ص): ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْمٍ﴾. [القلم: 4].
وقال رسول الله (ص): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». [مستدرك الوسائل، المحدث النوري الطبرسي11: 187] .
ما هي الأخلاق؟:
الأخلاق هي مجموعة من الأقوال والأفعال التي يجب أن تقوم على أصول وقواعد وسنن وآداب، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة والشريعة الإسلامية، من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة للنبي (ص) والأئمة الأطهار (ع).
والأخلاق الإسلامية ليست جزءاً من الدين فحسب، إنما هي جوهر الدين الإسلامي، بل هي أساسه، ومن أجلها بُعث النبي (ص). فلو جاء المسلم بما أمره الله تعالى من عبادات، لكنها جوفاء من الأخلاق، فلن تُقبل منه، كما هو واضح من الروايات الشريفة. فلا بد أن يكون للعمل العبادي انعكاساً على السلوك، ويتجسد في الأخلاق.
ولعلّ أفضل تعريف للخُلق، ما عرّفه به الإمام الصادق (ع) حيث سئل: «ما حَدّ حُسنِ الخلق؟ قال: تُلين جَناحَك، وتُطيبُ كلامَك، وتلقى أخاك ببشرٍ حسن». [الكافي، الكليني2: 103].
والخُلق: هو الصورة الباطنة للإنسان، التي يمكن أن تظهر للآخرين بأشكال مختلفة على جوارحه الظاهرة.
وحسن الخلق يستميل النفوس، ويورث المحبة للآخرين، ويزيد في المودة بين الناس، ويهدي إلى الفعل الحسن. فعن رسول الله (ص) أنه قال: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً». [الكافي، الكليني2: 99].
وعنه، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، أنه قال: «أكثر ما تلج به أمتي الجنة: تقوى الله وحسن الخلق».[ الكافي، الكليني2: 100].
وفي حديث آخر، قال رسول الله (ص): «ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضلُ من حسن الخلق». [الكافي، الكليني2: 99].
وفي حديث آخر أيضاً عن رسول الله (ص) أنه قال: «لا يدخل الجنة أحدٌ إلا بحسن الخلق». [ مستدرك الوسائل، المحدث النوري الطبرسي11: 194].
ومن يقف أمام هذه الروايات يدرك مدى أهمية حسن الخلق، وأنه الشرط الأساسي في دخول الجنة، وأن العبادات مهما بلغت، لا يمكن أن تؤهل العبد لدخول الجنة إلا بحسن الخلق. فنحن نجد في المجتمع أن هناك تفاوتاً بين الناس في العبادات، فهناك من هو ملتزم بشكل كبير، بحيث يصوم الأشهر المستحبة، رجب وشعبان، ويأتي بالنوافل في المساجد، لكنك تجده في الجانب الأخلاقي لا يتقدم ولا يتميز، فلا تكون لديه صورة ظاهرة كما هي صورته في الإتيان بالعبادات. بل تجد مستواه الأخلاقي متدنياً جداً، وهذه ظاهرة غير صحية في واقع المجتمع، ويفترض أن يسير الإنسان بخطين متوازيين لا ينقص أحدهما عن الآخر، وهما الجانب العبادي والآخر الأخلاقي، ولا بد أن تنعكس العبادات على السلوك، وفي الجانب الأخلاقي بشكل واضح.
وعن الإمام علي (ع) أنه قال: «لو كنّا لا نرجو جنةً، ولا نخشى ناراً، ولا ثَوَاباً ولا عقاباً، لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنها مما تدل على سبيل النجاح». [مستدرك الوسائل، المحدث النوري الطبرسي11: 193]. وهي إشارة عظيمة لجانب مهم في حياة الأمم والشعوب، نشاهدها بشكل واضح وجليّ في شعوب وأمم لا تؤمن بجنة ولا نار، وهذا ما يلمسه كل من يسافر إلى تلك البلدان للدراسة أو غيرها، حيث يشاهد مظاهر الأخلاق متجسدة بشكل واضح وواسع، فالجار يحترم جاره، والصديق صديقه. ولا ندعي أنهم في القمة، إلا أن ظاهرة وجود الأخلاق مشاهدة، مع أن تلك الشعوب لا تؤمن بالله واليوم الآخر، ولا غير ذلك مما نؤمن به نحن.
فالإمام أمير المؤمنين يؤكد حقيقة حضارية مفادها أن الأخلاق يجب أن تُطلب على كل حال، حتى من كان لا يرجو جنة ولا يخشى ناراً. وما أجمل ما قاله الشاعر أحمد شوقي:
وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فالعقل والذوق السليم يدفعان الإنسان لطلب مكارم الأخلاق، حتى لو لم يكن له دين، فكيف بمن كان له دين، وكان يرجو الله واليوم الآخر؟
علامات حسن الخلق:
من علامات حسن الخلق: طلاقة الوجه عند لقاء الإخوان، ولطف الكلام، وحسن العشرة. فالواجب على كل ذي عقل ودين، أن يؤدب نفسه بمكارم الأخلاق، وهنالك روايات وأحاديث كثيرة بهذا الصدد، أذكر بعضها اختصاراً للوقت.
فعن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن محمد بن عرفة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال النبي صلى الله عليه وآله: ألا أخبركم بأشبهكم بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أحسنكم خُلُقاً، وألْيَنُكم كَنَفاً، وأبرُّكم بقرابته، وأشدكم حباً لإخوانه في دينه، وأصبركم على الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفواً، وأشدكم من نفسه إنصافاً في الرضا والغضب».[الكافي، الكليني2: 240].
ومعنى قوله: «وألينكم كنفاً» أي لا يتأذى من مجاورتهم ومجالستهم ومن ناحيتهم أحد. في القاموس: أنت في كنف الله، محرَّكة: في حرزه وستره، وهو الجانب والظل والناحية، ومن الطائر جناحه... وفي النهاية فيه: «ألا أخبركم بأحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقاً، الموطّئون أكنافاً»، هذا مثل، وحقيقته من التوطئة، وهي التمهيد والتذلل. وفراش وطيئ: لا يؤذي جنب النائم، والأكناف: الجوانب. أراد الذين جوانبهم وطيئة يتمكن فيها من يصاحبهم، ولا يتأذى.[مرآة العقول، المجلسي9: 280] .
وعن الإمام أمير المؤمنين (ع): «فهب أنه لا ثواب يرجى، ولا عقاب يُتَّقى، أفتزهدون في مكارم الأخلاق». [عيون الحكم والمواعظ، الليثي: 330] .
وعن رسول الله (ص): «عليكم بمكارم الأخلاق، فإن الله بعثني بها، وإن من مكارم الأخلاق أن يعفو الرجل عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، وأن يعود من لا يعوده».[الأمالي، الشيخ الطوسي: 478].
فمن الأهداف الواضحة الجلية لبعثة النبي (ص) أنه يتمم مكارم الأخلاق، وأنه بعثه بها. فقد كانت مكارم الأخلاق موجودة في المجتمعات السابقة، والديانات والرسالات السابقة نادت بها، وبعث الله تعالى نبيه (ص) لإتمامها وإكمالها لتكون على أفضل ما يكون.
ثم يذكر النبي (ص) بعض الشواهد، أبرزها أن يعفو الإنسان عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، فلا يقابل بالمثل، لأن هذا منطق شيطاني، خلاف مكارم الأخلاق التي بعث الله تعالى نبيه بها. فمن أراد أن يجسد الأخلاق النبوية على أتم وجه، فلا بد أن يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، ويعود من لا يعوده.
وعن أمير المؤمنين (ع) أنه قال لكميل بن زياد: «يا كميل، مُر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويُدلجوا في حاجة من هو نائم». [نهج البلاغة: 513. صبحي الصالح] .
وعن رسول الله (ص) أنه قال: «جعل الله سبحانه مكارم الأخلاق صلة بينه وبين عباده، فحسب أحدكم أن يتمسك بخلق متصل بالله». [مجموعة ورام، ورام بن أبي فراس2: 122].
تربية النفس على حسن الخلق:
مما ينبغي ذكره هنا أن الأخلاق ليست من الأمور النظرية فقط، إنما يجب أن تنعكس على السلوك، وهذا بحاجة إلى تربية للنفس، وتدريب على الفضائل.
عن الإمام علي (ع) أنه قال: «عوّد نفسك السماح، وتخير لها من كل خلق أحسنه، فإن الخير عادة». [تحف العقول، ابن شعبة الحراني: 86] .
وعنه (ع): «تجنب من كل خلق أسوأه، وجاهد نفسك على تجنبه، فإنّ الشر لجاجة». [عيون الحكم والمواعظ، الليثي: 202].
ثمرات وآثار حسن الخلق:
بقي أن نذكر أن هناك آثاراً وضعية أيضاً تترتب على حسن الخلق، وهذا ما نجده صريحاً في الكثير من الروايات والأحاديث الشريفة، ومنها:
عن الإمام الصادق (ع): «حسن الخلق يزيد في الرزق».[الزهد، حسين بن سعيد الأهوازي الكوفي: 30] .
وعن الإمام علي (ع): «حسن الأخلاق يؤنس الرفاق، يدر الأرزاق».[عيون الحكم والمواعظ، الليثي: 228].
وعن الإمام الصادق (ع): «البرُّ وحسنُ الخلق يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار»[الكافي، الكليني2: 100].
وعنه (ع): «إنّ الخلق الحسن يُميثُ الخطيئة كما تميث الشمس الجليد» [الكافي، الكليني2: 100].
والحديث في هذا الجانب طويل، لذلك نقتصر على هذا القدر، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين